ترددت عدة روايات مُختلفة، وربما متضاربة عن حادثة التفجير داخل الكنيسة البطرسية الأحد الماضي، من بينها روايات شعبية، وأخرى رسمية. وبدوره رصد موقع "ساسة بوست"، 6 دلالات عن كشف الرئيس عبد الفتاح السيسى، في جنازة الأقباط، عن اسم منفذ العملية المدعى "محمود شفيق محمد مصطفى"، والتي تتقلّب جميعها بين الصحّة والخطأ فيما يلي: 1- الروايات الأربع الرواية الأولى، وتعد الآن الرواية الرسمية الرئيسة، مصدرها الرئيس المصري بنفسه، والذي كان قد أعلنها خلال العزاء الرمزي أمام نُصب الجندي المجهول، خلال كلمة نقلها التلفزيون المصري الرسمي، بحضور «تواضروس»: بابا الإسكندرية، وعدد من القيادات الكنسية والأزهرية، إذ قال «المسؤول عن التفجير شاب يُدعى محمود شفيق محمد مُصطفى، يبلغ من العمر 22 عامًا، وتم التفجير باستخدام حزان ناسف ارتداه، وفجّر نفسه داخل الكنيسة». الروايات الثلاث الأُخرى المتداولة كانت نقلًا عن مصادر أمنية غير مُعرّفة، كالرواية التي نقلتها صحيفة الفجر ، عن أن العملية نفذتها سيدة كان معها عربة أطفال بداخلها القنبلة، دخلت بها الكنيسة، وتركت العربة وخرجت. وأيضًا كالرواية التي طرحها لواء الشرطة السابق «محمود الخولي»، عن أن مُنفذ العملية، سيدة كانت تحمل حقيبة بداخلها قنبلة، وهي نفسها الرواية التي رددها شهود عيان عقب الحادث، ونشرتها عدة مواقع إخبارية مصرية. وأخيرًا كانت الرواية الأضعف، عن شخص دخل إلى قاعة الصلاة في الكنيسة، قبل التفجير بيوم، وزرع القنبلة، التي فجّرها اليوم الثاني عن بعد. 2- دليل صحة رواية السيسي ومما يُساق تأكيدًا على صحة رواية السيسي: سرعة إعلانها، بعد أقل من 24 ساعة من وقوع التفجير، وذكر اسم مُتهم مُحدد رباعيًا، وعمره أيضًا، في الوقت الذي كانت الروايات الأُخرى تدور في فلك أن منفذ العملية سيدة. وفي أوّل تصريح رسمي لأرفع مسؤول مصري، بعيدًا عن التصريحات الأمنية، وعن الروايات التي رددها مسيحيّون مصريون شهود عيان، أكّد السيسي أن المتهم هو «محمد شفيق محمد مُصطفى»، وأن الحادث لا يعني إطلاقًا أن ثمّة تقصيرًا أمنيًا؛ إن هي إلّا «ضربة إحباط من الإرهابيين»، على حد تعبيره، مُطالبًا الجميع بالترابط والثقة في الدولة والأجهزة الأمنية، كما طالب البرلمان المصري بإصدار قوانين تُطلق يد القضاء في التعامل مع قضايا الإرهاب. وتُعد من أهم دلائل صحة رواية السيسي مقطع الفيديو الذي نشرته بعض المواقع المصرية، بتسريب من وزارة الداخلية، لتفريغ كاميرات المراقبة، التي تكشف دخول شخص مُسرعًا من باب الكنيسة، يُوقفه الأمن للحظات، قبل أن يتركه ليدخل إلى الكنيسة، ثم يقع الانفجار بعدها بلحظات؛ ما قد يُعضض من صحة رواية السيسي. يُضاف إلى ذلك سرعة إعلان السيسي أسماء منفذي العملية، وأنه قد اُلقي القبض على بعض شركائه، لكن ذلك في المقابل قد يعني أيضًا أن معلومات أوّلية كانت لدى الأجهزة الأمنية المصرية، عن منفذ العملية ومجموعته، حتى قبل وقوع الانفجار! وما قد يُؤكد صحة ذلك، ما نشرته صحف مصرية رسمية، عن تأمينات أمنية مشددة على الكنائس في القاهرة ومختلف المحافظات؛ ما قد يعتمد البعض عليه إشارةً إلى وجود معلومات مُسبقة لدى الأجهزة الأمنية، بنية محتملة في وقوع تفجير كالذي حدث. 3- السودان كلمة السر يعيش في السودان الآن، عشرات، وربما مئات (لا يوجد إحصاء رسمي) من الشباب المصري الهاربين؛ لظروف أمنية وسياسية، إما المطلوب القبض عليهم، أو الصادر ضدهم أحكام بالسجن، ومعظم هؤلاء من الشباب الأكثر فقرًا؛ لعدم قدرتهم على السفر إلى تركيا أو ماليزيا، وهما أبرز دولتين تشهدان نسب لجوء سياسي مرتفع لمصريين. ويُرجّح أن يكون محمود شفيق قد أصبح مصدر قلق بالنسبة للأجهزة الأمنية منذ هروبه إلى السودان الذي أكدته والدته في تصريح لها، قالت فيه: إن نجلها كان قد اُلقي القبض عليه في قضية حمل سلاح، منذ نحو عامين، ثم أخلي سبيله وسافر إلى السودان، ومنذ ذلك الحين لا يوجد اتصال بينه وبين أهله، إلا قليلًا، كان آخرها منذ نحو أسبوع. ويُحتمل أن لدى الأجهزة الأمنية ، قائمة بتلك المجموعات المقيمة في السودان، أو بأبرز أفرادها، خاصة الذين تحوّلوا منهم للأفكار الجهادية، أو الذين انضمّوا إلى جماعات مُسلّحة «متشددة»؛ لظروف مُختلفة، من بينها الصراع بين جبهتي جماعة «الإخوان المسلمين»، أو ما تُعرف بجبهة القيادي «محمود عزّت»، وجبهة «أنصار الشرعية». وتدور الأزمة بين الطرفين في السودان على وجه التحديد حول سعي بعض المجموعات للتدرب على حمل السلاح في وجه النظام المصري، أو السفر للانضمام إلى جماعات مُسلحة في سوريا، فيما تُضيّق جبهة محمود عزّت على المجموعات غير الخاضعة لسيطرتها، أو غير المؤيدة لها، لدرجة طرد بعض الشباب من منازل تابعة لتسكين الإخوان في السودان. ويتضح ذلك الصراع، وإفرازه لمجموعات متطرفة، لدرجة احتمال خوض بعضهم في أعمال مُسلّحة، من خلال بعض المنشورات على موقع التواصل الاجتماعي، «فيسبوك»، لأشخاص من جماعة الإخوان أو مقربّين منها. وبعيدًا عن تلك المنشورات، قد نشرت "المصريون" عن شاب يعيش في السودان، يُسمى «حمزة مرابط»، كشفه لطبيعة ما يحدث للشباب الهاربين إلى السودان. ويرى مرابط أن سبب الازمة التي أدّت إلى مصادرة جوازات سفر بعض الشباب في السودان، هو «افتتان بعض الشباب بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وبعضهم سافر بالفعل وانضم إلى داعش، أو لتنظيمات جهادية اُخرى». هذه القصة الطويلة عن الشباب الهاربين إلى السودان، قد تستخدم دليلًا على صحة رواية السيسي، واتهامه محمود شفيق. على جانب آخر، كانت «ياسمين حسام الدين»، المحامية السابقة للمتهم محمود شفيق، قد صرّحت بتعرضه سابقًا للتعذيب، قائلةً: إنّ «محمود ألقي القبض عليه أثناء ذهابه للمدرسة في 2014، واتهم بحمل سلاح والتظاهر، واحتجز لمدة عام في سجن الفيوم، بالرغم من أنه كان لا يزال حدثًا (تحت سن 18 عامًا)، وتعرض للتعذيب والتضييق النفسي»، مُشيرةً إلى قرار بإخلاء سبيله بعد ذلك بعام، لعدم وجود سلاح أو مصابين، لكن المحكمة عادت لتحكم عليه بالسجن لعامين للتظاهر، وقد حاولت ياسمين إقناعه بالاستئناف، لكنه رفض، ثم اختفى هو وأسرته. 4- الجانب العلمي في الكشف كذلك قد تبدو القصة التي روتها المحامية الحقوقية ياسمين حسام الدين، مُفسّرة لسياق لجوء محمود شفيق للعنف المُسلّح، وربما وقوفه وراء تفجير الكنيسة البطرسية، إذا صحّ اتهامه بالفعل. على جانب آخر، ثمة تساؤل مطروح، حول مدى إمكانية الكشف عن الحمض النووي للمتهم خلال أقل من 24 ساعة. عن هذا، أجاب «محمد غنيم»، طبيب المسالك البولية الشهير، خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامي «عمرو أديب»، قائلًا: إن هناك جهازًا حديثًا، بإمكانه إظهار نتائج تحليل الحمض النووي، خلال ساعات قليلة، ومقارنة النتائج بعينات أخرى. وهو كلام قريب من الذي صرّح به «فخري محمد عثمان»، رئيس مصلحة الطب الشرعي، وكبير الأطباء الشرعيين الأسبق، والذي قال:: إن «الفترة الزمنية المتعلقة بنتيجة التحليل، مرتبطة بنوع الجهاز المستخدم». 5- التشكيك في صحة رواية السيسي قد تعطي التبريرات السابقة وجاهة لرواية السيسي، ودلائل نظرية على صحتها، لكن غياب التحقيقات الحقيقية، والكشف عن المعلومات، يقف حائلًا أمام التأكيد التام على صحة رواية السيسي، ويدفع البعض إلى رفضها كليةّ، وعلى ذلك نظائر قد تكون مُعتبرة. من ذلك اختلاف رواية السيسي كُليًا عن الروايات الأمنية التي أعقبت مباشرة التفجير، ومعارضتها كذلك لروايات شهود العيان المُعلنة، والتي قالت: إن منفذ العملية امرأة، وليس رجلًا، دون أن يصدر تكذيب لهذه الروايات التي ظلت تتردد ليوم كامل، وتناقلتها كافة وسائل الإعلام. يُضاف إلى ذلك أن العمر الذي أعلنه السيسي للمتهم، غير دقيق؛ نظرًا لورود تقرير على صفحة الشرطة المصرية على «فيسبوك»، حين ألقي القبض على محمد شفيق في 2014، قالت فيه: إن عمره 17 عامًا؛ ما يعني أن عمر محمد الآن لن يتجاوز ال20، وليس 22 كما أخبر السيسي. هذا وكانت شقيقة محمود، قد أدلت بشهادة، لو أنها استطاعت إثباتها؛ لنسفت رواية السيسي تمامًا، وهي أن شقيقها لا يزال مقيمًا في السودان، وأن الصور المنشورة مُفبركة. وقد تثير رواية السيسي الشكوك أيضًا، خاصة بعد أن أعلن بيان منسوب لولاية سيناء مسؤوليته عن الحادث، ولكنه ذكر اسم المنفذ "أبو عبد الله المصري" ولم يذكر الاسم الحقيقي للفاعل، وهو ما اعتبره رافضو الرواية الرسمية تأكيدًا على كذبها. وكما كانت سرعة إعلان المتهم من قبل السيسي داعمة لصحة الرواية، قد تكون من جهة أُخرى سببًا للتشكك فيها، دافعةً البعض للتساؤل حول قدرة الأجهزة الأمنية تحديد الجاني بهذه السرعة، الأمر غير المعتاد في مصر، فضلًا عن أن تصريح السيسي «طول الليل بيجمعوا جثته» (المتهم)؛ ما يعني أن الكشف عن المنفذ كان في وقت باكر من يوم وقوع التفجير! دفعت سرعة إعلان المتهم لتشكك البعض؛ بسبب السوابق في ذلك الأمر، تحديدًا ما حدث في تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية في يناير 2011، وحينها ألصقت الأجهزة الأمنية التهمة لشخص، قبل أن تُظهر تقارير صحفية تورط وزارة الداخلية بقيادة «حبيب العادلي» في هذه العملية. 6- لا مكاسب للسيسي من الحادث التشكيك وتذكر أحداث كنيسة القدسين دفع البعض للعودة مرة أخرى والبحث في أرشيف صحيفة «اليوم السابع»، التي قالت: إنها توصلت لمستندات تُؤكد تورط وزير الداخلية المصري آنذاك في التفجير، دفع البعض إلى اقتراح تورط النظام المصري، أو بعض أجهزته في حادث الكنيسة البطرسية، خاصة مع تشديد الرئيس المصري على ضرورة عدم تحميل الأجهزة الأمنية مسؤولية أي تقصير، حين قال «أوعوا تقولوا تراخي أمني». يُضاف إلى ذلك، طلب السيسي من البرلمان باستصدار قوانين تعطي للقضاء صلاحيات إنفاذ الأحكام مباشرة؛ لإنهاء قضايا تتعلق ب«الإرهاب»، وعلى ما يبدو كان البرلمان المصري ملكيًا أكثر من الملك، أو كما يقول المثل، فاقترح بعض أعضائه جمع توقيعات لتقديم مشروع قانون؛ يقضي بإحالة «قضايا الإرهاب» للقضاء العسكري. من جهة أُخرى، يُرجع البعض مكسبًا للنظام المصري من التفجير الذي وقع، وهو عودة التفاف الأقباط حول النظام، بعد مواقف دفعت كثيرًا منهم إلى معارضة النظام، من بينها قانون بناء وترميم الكنائس، الذي قابله الأقباط برفض كبير، ثُم مع أزمة مقتل «مجدي كمين«، وهو مواطن مصري قبطي، يعمل على عربة، اعتدى عليه ضابط شرطة، وقتله داخل إحدى مقار الشرطة. لكن، وحال صحّة فرضيات تورط النظام ، أو بعض أجهزته في ذلك الحادث، فهل نجح به في لم شمل الأقباط حوله، خاصة وأن الهتافات عقب الحادث كانت موجهة ضد السيسي والنظام، »ارحل« والمطالبة بإسقاط «حكم العسكر»، وضد وزير الداخلية، الذي منع الأقباط دخوله مكان الحادث، فضلًا عن الاعتداءات التي طالت عددًا من أشهر الإعلاميين المؤيدين للنظام المصري. في النهاية، تبقى كل تلك الروايات محتملة، ولكل رواية دلائل صحتها وضعفها في نفس الوقت، وتبقى الحقيقة تائهة إلى أجلٍ مُسمّى.