"تجميد الأرصدة.. المنع من السفر.. قانون الجمعيات الأهلية.. تلفيق القضايا.. أسلحة النظام لمحاربة الحقوقيين 50 ألف منظمة حقوقية تحت رحمة السلطة التنفيذية.. والقانون الجديد رصاصة رحمة عانت منظمات المجتمع المدني من انتهاكات عدة خلال عام 2016، حالت دون أداء دورها في مجال حقوق الإنسان، خاصة مع تعنت السلطة تجاهها، عبر عدة وسائل قمعية، أبرزها المنع من السفر، وتجميد الأرصدة، والتحقيق معهم في قضايا دولية، وإصدار قوانين تعوق دون عملهم وتضيق على نشاطهم الحقوقي. ووافق البرلمان على قانون ينظم عمل منظمات المجتمع المدني ويعطى الأجهزة الأمنية صلاحيات في مراقبة وقمع تمويل وأنشطة المنظمات غير الحكومية وجماعات حقوق الإنسان، وصفه منتقدوه ب "السيء، والمذبحة لجماعات حقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية، خاصة أن السلطات أغلقت بالفعل العديد من هذه المنظمات". ويتضمن قانون الجمعيات الأهلية عقوبة السجن خمس سنوات وغرامات باهظة تصل إلى مليون جنيه. ووفقًا للقانون، يتعين على المنظمات الحصول على تصريح من الدولة لتلقى التمويل الأجنبي أو التبرعات المحلية لأكثر من 10آلاف جنيه إسترليني أو حتى نقل مقر المنظمة لمكان جديد أو إجراء البحوث والدراسات الاستقصائية. وتحصل المنظمات فقط على تصاريح العمل من هيئة الرقابة التي تم إنشاؤها حديثًا وتتكون من عدة وكالات حكومية، وأجهزة أمنية مثل وكالة الاستخبارات، ووزارتي الدفاع والداخلية. وبموجب القانون الجديد أيضًا تجد الجماعات الحقوقية ضد انتهاكات الشرطة والدفاع عن حرية التعبير نفسها مضطرة للحصول على تراخيصها من الأجهزة الأمنية ذاتها التى يدينون بشكل روتيني ممارساتها. ويضع القانون، رقابة شديدة على ما يقدر ب 50 ألف منظمة غير الحكومية، بالإضافة إلى أنه يمنع أى أنشطة تسبب المساس بالوحدة الوطنية والنظام العام. الناشط الحقوقي، نجاد البرعي، قال إن "القانون الجديد لن يسمح لأى منظمة حقوقية أو مكتب للمساعدة القانونية فى أى قضية لها علاقة بحقوق الإنسان، إلا إذا وفقت أوضاعها طبقًا للقانون أو تكون جمعية مشهرة". وفى تصريحات إلى "المصريون"، أضاف البرعي، أن "القانون لن يسمح لأي جمعية أو منظمة حقوقية بالحصول على تبرعات من الداخل أو الخارج إلا بعد موافقة الحكومة". وتابع: "سيتم وضع قيمة التبرع بأحد البنوك التابعة للبنك المركزي، على أن يتم إبلاغ الحكومة بقيمة المبلغ وإذا لم ترد خلال موعد أقصاه 30 يومًا يتم إرجاع الأموال إلى مصدرها". وأشار البرعي إلى أنه سيتم حبس صاحب أي جمعية تقوم بعمل اتفاقية مع منظمة دولية حول أي قضية دون الحصول على موافقة من اللجنة التنسيقية، المكونة من وزارة الداخلية والتضامن والأمن العام. ووصفت منظمة العفو الدولية القانون بأنه "أمر بالموت" لجماعات حقوق الإنسان، وحثت الرئيس عبدالفتاح السيسى على عدم المصادقة عليها. وأشارت المنظمة، فى بيان لها، إلى أن "القانون شديد القسوة، وإذا ما تم تفعيله فإنه سيمنح الحكومة سلطات استثنائية على حساب منظمات المجتمع المدنى، وسيلغى وجود أى منظمات مستقلة فى مصر". وأضافت المنظمة، أن القانون يخول للحكومة السيطرة على عمل المنظمات، ويجبرها على الحصول على تصريح من السلطات لأجل التسجيل وممارسة النشاط والبحث عن مصادر التمويل. وشهد عام 2016 منع حقوقيين من السفر، وهو ما دفع مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ومؤسسة حرية الفكر والتعبير، إلى إصدار تقرير بعنوان "ختم عبور" عن توسع الأجهزة الأمنية بمشاركة القضاء فى استخدام المنع من السفر. وقال التقرير، إنه يتم استخدام المنع من السفر كأداة "غير قانونية وغير دستورية للتنكيل السياسى والمعنوى بالحقوقيين، عقابًا لهم على العمل العام والتعبير الحر عن الرأى والدفاع عن الحقوق وكأداة ابتزاز تستهدف جمع معلومات بطرق غير قانونية عن أقارب وأصدقاء الممنوعين من السفر". وقالت المنظمتان، إن "التوسع المتزايد فى استخدام المنع من السفر صار أحد أبرز آليات القمع فى مصر، وتحول إلى ردع وإرهاب غير مباشر للمصريين داخل البلاد وخارجها". وحققت السلطات مع عشرات الجماعات الحقوقية المستقلة بمزاعم تلقيها تمويلاً أجنبيًا بطريقة غير مشروعة، وهى جريمة بموجب المادة 78 من قانون العقوبات، وعقوبتها السجن لمدة 25 عاما. وتشن وسائل الإعلام الرسمية، حملة منسقة ضد تلك المنظمات تتهمها بمحاولة عدم الاستقرار والعمل ك "طابور خامس" للدول الغربية لتنفيذ أجندات خارجية. وداهمت قوات الأمن 17 مكتبًا لمنظمات غير حكومية وأحالت 43 شخصًا، إلى المحاكمة بتهمة مخالفة القوانين التى تحكم المنظمات. واستهدفت قوات الأمن ناشطين فى المجال الحقوقى وجمدت أموالهم، يخضع بعضهم للتحقيقات الجنائية، وإذا ثبتت ضدهم الاتهامات، فإنهم يواجهون أحكاما تصل إلى السجن مدى الحياة. وجمدت محكمة جنايات القاهرة أصول 3 مجموعات و5 حقوقيين، كما قررت التحفظ على الأموال السائلة والمنقولة لحسام بهجت، وجمال عيد، والتحفظ على أموال بهى الدين حسن ومصطفى الحسن وعبد الحفيظ طايل وأموال مراكزهم الحقوقية، الحق فى التعليم وهشام مبارك والقاهرة لدراسات حقوق الإنسان. وجمد البنك المركزى أموال مركز النديم، بدعوى عدم خضوعه لقانون الجمعيات الأهلية رقم 84 سنة 2002م، إلا أن المركز قدم أوراقًا تفيد بأنه لا يخضع لوزارة التضامن الاجتماعي، وتم رفع التجميد عن حسابه فى 16 نوفمبر الماضي. محمد زارع، رئيس الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، وصف ما يحدث من انتهاكات ضد منظمات المجتمع المدنى ب"الحصار ومحاولة لتشويهه من قبل السلطة". وفى تصريحات إلى "المصريون"، أكد زارع أن هناك "حملة ممنهجة ضد المنظمات المذكورة فى محاولة من قبل النظام للقضاء عليها، موضحا أن الدولة تعادى المنظمات الحقوقية"، محذرًا من أن "منظمات المجتمع المدنى تعيش مرحلة خطيرة فى مصر".