من أعالى جبالنا الجميلة الشاهقة الأبية، الأخضر ونفوسة، من وديان أراضى ليبيا الحبيبة، ومن صحرائنا البيضاء الناصعة المرويّة بدماء أبطالنا عبر التاريخ النضالى لهذا الشعب العظيم، من مدننا الأثرية الإغريقية والفينيقية والرومانية والإسلامية. من شطنا الجميل الهادئ، وأجواء بلادنا الخلابة النقية، من مدننا العريقة ذات التاريخ الإنسانى الطويل، الساحلية منها والريفية والصحراوية، والأهم من داخل نفوس كل الليبيين والليبيات- شيوخًا وشبابًا، من نظرة الأمل لأطفالنا الصغار التى بدأت تشع فى عيونهم بعد دمع انهمر بسبب الخوف وانعدام الرحمة. من كل ذلك، أناشدكم اليوم: "اتقوا الله فى ليبيا.. اتقوا الله فى وطننا الحبيب الذى تربينا وترعرعنا من خيراته، والذى عانينا من ظلم حكامه الأولون والآخرون". نعم، اتقوا الله فى الوطن، وقفوا وقفة جادة؛ لكى نبنى ليبيا الأمجاد، ليبيا العزة، ليبيا الرخاء والنماء، للجميع، لا فرق بين شرق وغرب، ولا شمال وجنوب، بل وحدة تراب أصيل ارتوى بكل الدماء من كل الأماكن والقبائل والملل وصارت دمًا واحدًا فى أرض ليبيا. بعين ثاقبة، وبعقل متزن، ورؤية مستقبلية، يرى كل إنسان مخلص لهذا الوطن أن الوقت قد حان لكى نقف ونقول: "كفانا تخوينًا وقذفا وذما بدون دليل؛ لأن الموقف بجد أصبح مقيتًا، فكل من له عداوة مع إنسان آخر يلصق له التهم بأنه من الطحالب أو من المتسلقين أو من أزلام النظام، والأمر لا يحتاج أبدًا لتبرعاتكم المعلوماتية، فهؤلاء جميعًا معروفون من خلال سجلات مكتب الاتصال باللجان الثورية والمثابات الثورية، هذا أولاً، وثانيًا من سجلات الأمن الداخلى والخارجى. ثالثًا: سجلات ما كان يسمى باللجنة الشعبية العامة التى بها أسماء كل القياديين الإداريين فى كل المواقع. رابعًا: سجلات وقوائم رجال الأعمال المتعاونين مع النظام السابق، ومعظمهم شركاء سريون لأسرة القذافى وبعض من أفراد قبيلته وبعض الرسميين فى مواقع مختلفة. إذن، فالأمر لا يحتاج لمن يتطوع ويقول لنا: "إن فلانا كان كذا وكذا".. إلا إذا كان هذا التطوع فى القيام بالبلاغ عن أشخاص قتلوا أبناءنا الثوار أو انتهكوا حرمات وشرف بناتنا ونسائنا أو سرقوا أموالنا وبإثبات رسمى وأدلة ومسئوليه، نحن المتطوعون للبلاغ عن ذلك نتحمل كل المسئولية عن كل ما يترتب عن هذا البلاغ إذا ثبتت عدم صحته. الشىء الآخر، وهو مهم جدًّا، أن هناك العديد من الشباب الذين ساروا وراء الأسرة الظالمة الحاكمة المستبدة، ساروا وراءها وقاتلوا معها ونفذوا تعليماتها حبًّا فى المال أو بدون وعى أو إدراك، ومنهم من قتل، ومنهم من مازال حيًّا يرزق، والأحياء منهم ينقسمون إلى عدة مجموعات: مجموعة اقتسمت الثورة عن اقتناع أو بدونه من أجل البقاء أحياء ودخلت فى كتائب ما بعد التحرير أو تحاول أن تقوم بدور يجبُّ أفعالها السابقة، وهؤلاء يجب الوقوف عندهم وبحث تغيرهم هذا، هل هو عن قناعة أم لأمر آخر، ولذلك فإن الحذر منهم واجب، ومطلوب النظر فى وضعهم بما يمكنهم من الاندماج فى المجتمع بعيدًا عن السلاح واستخدامهم فى أعمال مدنية. المجموعة الأخرى هاجرت إلى دول الجوار، وهى مع مرور الزمن ستبدأ تعانى حياة صعبة، خاصة بعد رفع يد من يساعدونهم بالمال الآن، وهؤلاء علينا واجب كدولة بالتواصل مع هذه الدول من أجل خلق قنوات اتصال معهم لإعادتهم للبلاد، ويتم أيضًا إتاحة الاندماج لهم فى المجتمع مدنيًّا وليس عسكريًّا. المجموعة الأخرى، هى الهاربة فى داخل الوطن أو الموجودة فى المعتقلات، وهؤلاء يجب الإسراع فى التعامل معهم وكشف أوضاعهم وتصنيفهم وفقًا لما قاموا به، ثم الإفراج عن من تثبت براءته منهم ويتم توفير العمل المدنى لهم. وكل هذه المقترحات التى تتناول المجموعات الثلاث لا يمكن أن تنفذ على القتلة أو المغتصبين أو السراق.. وهنا تجدر الإشارة إلى من هؤلاء- كتائب القذافى- أعداد كبيرة قتلت أثناء المعارك، وهؤلاء يجب الاهتمام بأسرهم وأطفالهم، ونعاملهم معاملة إنسانية، ونوفر لهم سبل الحياة الليبية الكريمة، وينطبق عليهم ما ينطبق على بقية الأسر الليبية؛ لكى لا ينشأ لدينا جيل حاقد على المجتمع الذى قتل أبوه أو أخوه فى ثورته، ومهم أن يفهم هؤلاء الحقائق ويعيشوا بشرف وكرامة على أرضهم، فآبائهم وإخوتهم ليبيون أخطأوا فى حق بلادهم، ونالوا عقابهم وانتهى الأمر. هناك أمر آخر يخص الليبيين؛ أفرادًا وأسرًا، الموجودين فى الخارج من مسئولين ورجال أمن وسرّاق لخيرات البلاد، فلا بأس أن نعمل على قناتين بخصوصهم: الأولى: من قتل وأمر بالقتل وعذب واغتصب أو سرق، فعلينا أن نتخذ ضده الإجراءات القانونية لطلبه والحجز على أمواله. الثانية: وهم من لم يفعلوا أيًّا من أفعال المجموعة الأولى، فعلينا أن نفتح قنوات تواصل معهم، وندرس أحوالهم وننظم إعادتهم للبلاد، وفقًا لخطة واضحة المعالم ومحددة المعايير. والذى يجب أن ننوه به، أن الإشاعات والفتن ظهرت كسوق رائجة فى مجتمعنا هذه الأيام، ومن هنا نطالب كل الدعاة والوعاظ بالتركيز على ذلك فى الدروس والخطب الدينية، ويقع أيضا على وسائل الإعلام مسئولية كبيرة فى عدم الإسهام فى نشر كل الأخبار دون التدقيق والتأكد من المعلومات التى تصلهم. وفى الختام، يجب أن نرمى وراءنا كل ذلك ونعمل ونهتم ونساهم ونستعد لبناء بلادنا، ولنذهب لعملنا مبكرًا لنخدم ناسنا بإخلاص ونية صافية، ولنترك للمختصين العمل من أجل تنظيم وتنظيف المجتمع من هذه الشوائب، وعلينا أن نشمر عن سواعدنا، رجالاً ونساءً، ونعمل سويًّا كلٌّ فى موقعه لبناء ليبيا الجديدة. [email protected]