من المفارقات الغريبة أن تأتى حكومة ليس لها تمثيل شرعى، مفاده أنها ليست حكومة تعبر عن ثورة ولا تسعى إلى تحقيق مكتسبات ثورية، فهى جاءت على نعوش ضحايا شارع "محمد محمود" فى 23 نوفمبر 2011 من خلال قرارات المجلس العسكرى بالتعيين، وليس من خلال إرادة شرعية منتخبة فوضها الشعب ووكلها لتحمل المسئولية، كما أنها اغتصبت لنفسها اسم ليس فى محله بحكومة إنقاذ وطنى، الغريب أن ميدان التحرير آنذاك كان مشتعلاً ضدها؛ ولهذا اتفقت قوة الميدان على كل من: (أبو الفتوح أو البرادعى أو الشيخ حازم أو حمدين صباحى) لترأس هذه الحكومة، وجاء "أبو الفتوح" فى مقدمة هؤلاء إلا أن العسكر أصدر قراره بتعيين "الجنزورى". هذه الحكومة رفضها الشباب واعتصموا أمام مجلسها وعلى إثر هذا المشهد السياسى اندلع الصدام بين العسكر والمتظاهرين فى قصر العينى وسقط على أثره ضحايا، والمثير للدهشة أن "الجنزورى" فى مؤتمره الصحفى لائم المتظاهرين واتهمهم بتخريب الوطن وحرق المجمع العلمى، ولم يستنكر موقف العسكر فى إدارة هذه الأزمة وقال: "الثورة انتهت وهؤلاء ليس ثوار". لم ينته الأمر عند ذلك بل إن بعض القوى السياسية طالبت بإعطائه فرصة لإدارة البلاد، وبالفعل أعطيت له صلاحيات كرئيس الجمهورية باستثناء القضاء والجيش، وعند إدارته للدولة أصيبت البلاد بانتكاسات، خاصة فى مرفق الشرطة تمخض عنه انفلات أمنى مصطنع من عمليات خطف وسرقة وسطو على البنوك والشركات، كأن الدولة بدون قوة شرطية، فالحوداث تتكرر من ميلشيات البلطجية دون محاسبة أو رادع، وعجزت الداخلية عن مواجهة المشهد، ومن ثم جاء على إثر هذا مذبحة بورسعيد والتى سقط فيها العديد من الضحايا، وكانت فاجعة كبيرة على مصر والعالم بأن يحدث هذا أمام مرأى الجميع، وانعكس هذا على مرفق السياحة، بالإضافة إلى عمليات خطف السياح، وبالتالى هرب السائح من هذا المستنقع. فإذا كان الملف الأمنى أرق مضاجع المصريين، فإن البحث عن رغيف العيش أقلق سبُات المصريين لانعدامه فى بعض المخابز؛ نتيجة قلة الدقيق المدعم أو تهريبه، ومن ثم صارت الشهادة فى سبيل الحصول على رغيف العيش أمل المواطن البسيط، ويضاف إلى هذا اختفاء بعض السلع الاستراتيجية من منافذ التموين مثل "الزيت"، فكل هذا أدى إلى احتقان المواطن من وزارة التموين وفشلها فى إدارة الأزمة. أما مرفق وزارة البترول الذى أصابه الوهن؛ نتيجة سياسة النظام البائد، فحدث ولا حرج بدءًا من أزمتى السولار والبنزين واختفائهما تمامًا من محطات الوقود؛ مما أصاب حركة المركبٌات بمختلف أنواعها وأشكالها بالشلل، وبدأت السوق السوداء تتاجر فى هذه السلع البترولية، وعند استجواب وزير البترول نفى وقال: هذه إشاعات، وتوال وراءها أزمة أنابيب البوتاجاز التى أصبحت هى الأخرى أملاً للمواطنين العشوائيات والمناطق البسيطة لدرجة الاستشهاد فى سبيلها، وبالتالى تحمل المواطن البسيط معاناة ليس فقط فى الحصول على رغيف عيش بل كيف يطهى الطعام لكى يغلى قدرًا من الماء. يضاف إلى هذا مرفق التأمينات والمعاشات فقد جاءت تصريحات "الجنزورى" بوضع الحد الأدنى للمعاشات ستين جنيهًا والحد الأقصى لا سقف له، ولكن تأخر صرف زيادة المعاشات، تبعه مظاهرات أصحاب المعاشات، وتحت ضغوط أصبح الحد الأقصى للمعاش هو 10% وتحجج الجنزورى بأن البلاد تمر بفترة عصيبة فى اقتصادها. وإذا اكتفينا بما تم فلا نغفل مرفق وزارة التعاون الدولى تلك الوزارة التى مازالت تسير على خطى النظام السابق؛ لأنها من رحمُه، فترى الوزارة استحالة استعادة الأموال المهربة فى حين أنها لم تقدم أى خطوات ملموسة بالتعاون مع بنوك الحكومات الأوروبية لاسترجاع هذه الأموال، والأدهش من هذا اتهمت هذه الوزارة منظمات المجتمعات المدنى جميعًا دون استثناء بتلقى أموال لتخريب الدولة، مع أن الوزارة نفسها كانت تأخذ دعمًا من منظمات حقوقية دولية؛ وذلك لدعم أنشطة المشاركة السياسية، فى نهاية الأمر أن حكومة "الجنزورى" تدير البلاد بنفس وتيرة النظام السابق، والدليل أن أغلب رجال الحكومة هم من رجال النظام السابق، بغض النظر عن رؤياهم إلا أنهم لم يأتوا من شرعية منتخبة أو شرعية ثورية، والدليل على ذلك بيان "الجنزورى" الأخير هو نفس بيانه عام 1998 أى أن الرجل لايعى بأن مصر تمر بحالة ولادة ثورية، فقد نوه عند توليه الوزارة بأن الحد الأدنى والأقصى للأجور سيطبق، وفى بيانه الأخير لم يشر إليه من قريب أو من بعيد. فمن حق حزب الأكثرية أن يشكل الحكومة بالتوافق مع الأحزاب الأخرى، وهذا طبقًا لتمثيل النسبى فى مجلس الشعب؛ لأنها ستكون حكومة جاءت عبر إرادة شرعية منتخبة، وأيضًا شرعية ثورية، لأن الحكومة الحالية فشلت فى إدارتها للبلاد، ولن تتحقق مكتسبات الثورة إلا من خلال حكومة ثورية شرعية، وليست حكومة بالتعيين ولاؤها لمن عينها، كما أن النظام المختلط (شبه رئاسى) يكلف رئيس الجمهورية فيه بتشكيل حزب الأغلبية الحكومة؛ ولذا فمن حق حزب "الحرية والعدالة" أن يتولى تشكيل الحكومة القادمة بإذن الله. [email protected]