أثناء بحثي عن تقارير وأرقام حقيقة عن الإحتيال عموماً في مصر لم أجد، ضالتي لدى أي جهة لديها ارتباط من بعيد أو قريب أو لديها اهتمام في الحد من الاحتيال وأعظم ما وجدته لا يتعدى كونه تصريح خجل، لم يتجاوز الأسطر التي كتب بها. السؤال هنا ، لماذا لا يوجد اهتمام في ذلك الأمر من الجهات المعنية ؟!! لماذا هذا الصمت العجيب مع أن الأمر للمتابع والملاحظ قد تطور وأصبح ظاهرة. وجهت البوصلة للغرب أي للدول الأوروبية وأخذت أبحث عن تقارير عن الاحتيال فكانت النتيجة بالعشرات. تقارير موثقة بالأرقام وإحصائيات، وبعضها تقارير مصورة التقطت عمليات يفتعل فيها أشخاص حوادث سيارات. على سبيل المثال، تتكبد شركات التأمين البريطانية سنوياً ما يقارب 392 مليون جنيه إسترليني في حوادث سيارات مفتعلة والمكتشف منها عن طريق مكتب IFB وهو مكتب تحقيقات خاص بكشف الاحتيال في التأمين INSURANCE FRAUD BUREAU فقط 1،7 مليون جنيه إسترليني. الإحتيال أصبح هاجساً يقض مضاجع الجميع!!!،لكن دعونا نتوقف عند نقطة هامة مرت مرور الكرام وكان ينبغي أن تفتح أبواب للنقاش في البرامج الحوارية لكن للأسف مثلها مثل الموضوعات الجادة التي تمر مرور الكرام. الموضوع منذ فترة خرج علينا الأستاذ هشام عبد الشكور، العضو المنتدب لأحدى شركات التأمين التكافلي على الحياة في مصر من خلال مؤتمر صحفي كشف فيه عن عدد من حالات الغش والنصب في فرع التأمين الطبي؛ تسببت في خسارة الشركة ملايين الجنيهات لم يكتفي بذلك بل قال" “gig” إن حالات النصب والاحتيال كبدت شركته تعويضات غير مستحقة لعملائه تقدر بحوالي 4 ملايين جنيه، علاوة على وجود مطالبات أخرى تصل إلى 30 مليون جنيه. وأضاف أيضا إنه قام بإبلاغ هيئة الرقابة الإدارية، ومباحث أموال الإسكندرية بوجود حالات غش في التأمين ضد شركته بعد التحري حول تلك الحالات لأكثر من عام كامل.وأنها نجحت في التوصل إلى العصابة التي قامت بعمليات الغش والنصب. وأعلن عبد الشكور خلال المؤتمر الصحفي عن نجاح شركة المصرية للتأمين التكافلى لتأمينات الحياة “GIG ”، في الكشف عن تنظيم عصابي للنصب والتحايل على الشركات للحصول على تعويضات غير مبررة خلال الفترة الماضية، بعد ملاحظة الشركة لاتخاذ بعض العملاء لنفس إجراءات صرف التعويض، وارتفاع حجم التعويضات بصورة غير مبررة. وأضاف عبد الشكور التنظيم العصابي استخدم وسائل غير مسبوقة لاختراق منظومة التأمين، والاستيلاء على أموالها بالاحتيال، لافتًا إلى أن من بين تلك الحالات وثائق صادرة من الشركة بلغ مجموع مبالغها أكثر من 30 مليون جنيه، وتم صرف 4 ملايين جنيه منها. وأشار إلى أن الشركة رصدت طرق الاحتيال التي يتبعها هذا التنظيم مما دفع الشركة لإبلاغ الجهات المعنية، ومنها الرقابة الإدارية ومباحث الأموال العامة ببلاغات رسمية منذ نهاية 2014 حيث أسفرت التحريات عن صحة وقائع الاحتيال المبلغ عنها للشركة، والتي أتضح منها أن هناك تنظيم عصابي كامل يقوم بالنصب على شركات التأمين للحصول على تعويضات بالملايين بطرق احتيالية مختلفة. وأكد أنه تم إلقاء القبض على التشكيل العصابي المكون من 9 أفراد وإتخاذ الإجراءات القانونية ضدهم، إضافة إلى إحالة اثنين منهم للمحاكمة الجنائية، موضحًا أنه تم اتخاذ عدد من الإجراءات المشددة بالشركة أبرزها تأسيس إدارة تحريات واستعلام، وكذلك التعاون مع البنك المركزي للاستعلام عن العميل من خلال شركة “I SCIRE” للاستعلام الائتماني، وأيضاً الاتفاق مع وزارة الداخلية للاستعلام جنائياً عن العميل والتحقق من وجود أحكام عليه وصحة رقم بطاقة الرقم القومي. واعترف عبد الشكور أن بعض شركات الإعادة العالمية الكبرى انسحبت من السوق المصري بسبب دفعهم تعويضات كبيرة غير مبررة، إضافة إلى تخفيض عدد آخر حصصهم بالسوق وقلص من التغطيات المقدمة للسوق كضغوط علاجية إزاء ما تكبدته من تعويضات، لافتًا إلى أن أقساطه 342 مليون جنيه في 30 يونيو و218 مليون نهاية ديسمبر مستهدفًا 400 مليون جنيه. الغريب في الأمر أنه بعد هذا المؤتمر الصحفي وجدنا للأسف أن الشركة قامت منفردة بالتصدي لهذه الظاهرة لحماية قطاع تأمينات الحياة من الآثار السلبية المترتبة على هذه الظاهرة التي أدت إلى حالة من القلق الشديد لدى معيدي التأمين، الأمر الذي أدى إلى تفكير بعض شركات إعادة التأمين الكبرى في الخروج من السوق المصري أو على أقل تقدير تخفيض التواجد، لما لهذه الظاهرة من تأثير على زيادة الخسائر لشركات إعادة التأمين وهو الأمر الذي لم تستطع الشركة المصرية للتأمين التكافلي – حياة حياله الوقوف مكتوفة الأيدي أمامه بل قررت خوض معركة الفساد حفاظا على سمعة منظومة التأمين في مصر بينما كانت للأسف ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة في واد أخر تتحدث عن أشياء أخرى تتعلق بالفن والسينما والمهاترات والمنكفات التي لاتسمن ولا تشبع من جوع للأسف وقد أسفرت التحريات عن صحة وقائع الاحتيال المبلغ عنها من الشركة التي أتضح منها أن هناك تشكيلا عصابيا كاملا يقوم بالنصب على شركات التأمين للحصول على مبالغ بالملايين بطرق احتيالية مختلفة عن طريق إحضار شخص رقيق الحال وفى حاجة ماسة للمال وإقناعه بعمل وثيقة تأمين باسمه مقابل مبلغ يبدو كبيرا من وجهة نظر ذلك الشخص، وبعد ذلك يتم اصطناع مستندات (سجل تجارى وبطاقة ضريبية وميزانيات) عن طريق التزوير أو عن طريق إصدار المستندات على مشروع وهمي، حتى يبرر لشركة التأمين المبلغ التأميني الكبير المطلوب ويتم دفع القسط التأميني الأول بعد إصدار الوثيقة وغالبا ما تكون نصف سنوية، وقبل ميعاد القسط الثاني يتم إصدار تقرير وفاة مزور من مستشفى حكومي عن طريق أحد أفراد التشكيل العصابي ويستتبعه بالتالي شهادة وفاة من مكتب الصحة، ثم تأتى المرحلة الأخيرة وهى تقديم المستندات إلى الشركة عن طريق محامى من نفس التشكيل ويبدأ بالإلحاح على صرف التعويض ومحاولة الضغط على الشركة باستخدام الإعلام للأسف الشديد، الذي سمح لنفسه أن يكون إحدى أدوات المستخدمة من هذا التشكيل العصابي لتحقيق أغراضه عن طريق الحديث في بعض الفضائيات وبعض الصحف والمواقع الإلكترونية، غير أن هذا لم يكن ليغير موقف الشركة الرافض لكل أنواع الفساد والنصب مهما كانت الضغوطات. وأثمرت جهود التعاون بين الشركة والرقابة الإدارية ومباحث الأموال العامة بالإسكندرية عن إلقاء القبض على التشكيل العصابى، وجار اتخاذ الإجراءات القانونية ضدهم وتمت إحالة نصابين آخرين إلى المحاكمة الجنائية كانت الشركة قد قامت بدورها في التصدي لهما والقضية متداولة بالجلسات أمام المحكمة, ذلك لاكتشاف الشركة قيامهما بالنصب باستخدام أشخاص مرضى وفى مرض الموت، عن طريق استخراج بطاقات رقم قومي مزورة بصور أشخاص آخرين أصحاء حتى يتمكنوا من القيام بالكشف الطبي دون اكتشاف المرض، وبعد فترة قصيرة يتوفى الشخص المريض ويصدر له شهادة وفاة تقدم للشركة لصرف التعويض. ورصدت الشركة أن هناك شركات أخرى تعرضت لذات الوقائع وبذات الطريقة -وأحياناً من ذات الأشخاص وقد تقدمت بعض تلك الشركات ببلاغات عن تلك الوقائع وأشار عبد الشكور ، لافتا إلى أنهم أول من تصدى لهذا الاحتيال واتخذوا إجراءات احترازية لمواجهة تلك الحالات، وذلك من خلال تأسيس شركة خاصة للتحريات تابعة للشركة منذ فترة، استطاعت بالفعل فى الآونة الأخيرة بالتعاون مع الأجهزة الرقابية تضييق الخناق على هؤلاء. . الموضوع سيطول وله تفرعات كثيرة ويصعب حصر الاحتيال وطرقه في مقال واحد، وأدعو الله أن أوفق بإحصائيات أو أرقام أو تصاريح من هنا وهناك حتى أضمن التنوع في الموضوع وهنا لابد القول "لم تكن كل حوادث زمان مجرد حوادث عادية بسيطة ذلك أن عمر الشيطان قديم، قدم بداية البشرية على الأرض وقد لجأ إبليس ومازال إلى شتى وسائل التفكير الجهنمية ليجرف معه ابن آدم إلى هاوية الشر والجريمة التي ربما لا تخطر لأحد على بال" السينما المصرية من خلال شريط سينمائي مدته "90" دقيقة فتحت هذا الملف من خلال فيلم بعنوان "تجار الموت" تم عرضه فى نوفمبر 1957م (إخراج: كمال الشيخ وتأليف: علي الزرقاني).. طاقم العمل: فريد شوقي إيمان محمود المليجي رشدي أباظة سعيد أبو بكر فردوس محمد. لم يكن فيلم تجار الموت الفيلم الوحيد الذي دارت أحداثه حول وثائق التأمين وما تخلفه من عواقب جسيمة ، بل أن السينما العالمية بصفة عامة والسينما المصرية على الأخص ناقشت تلك القضية في أكثر من عمل فني ، ولكن المخرج كمال الشيخ أو هيتشكوك السينما المصرية كما يطلق عليه قدم تلك القضية من خلال قصة سوداء تبلورت في فيلم (تجار الموت) بطريقة تشويقية مثيرة حيث دفعت الظروف القاسية بمراد (فريد شوقي) ليشترك مع عصابة يتزعمها طبيب تجرد من المشاعر الإنسانية يدعى عباس (محمود المليجي) عندما أقنعه بالزواج من الفتاة ليلى (إيمان) وتحرير وثيقة تأمين على حياتها ثم قتلها وإقتسام مبلغ التأمين بينهما... تتوالى الأحداث ويتعلق مراد بزوجته ليلى فيحاول المخرج كمال الشيخ هنا بعبقرية أن يقدم مجموعة من المشاهد العاطفية التي تجمع بين مراد وزوجته ومحاولة توصيل فكرة الحبكة الدرامية التي قدمها الكاتب علي الزرقاني والتي قامت على وقوع مراد في غرام ليلى بعد أن عزم الأمر على قتلها، كما قدم كمال الشيخ عدد من التفاصيل والتدقيق في تحقيقات الشرطة وكأنها بالفعل تحقيقات واقعية بشكل بسيط وغير معقد وتمكن من استخدام أدواته "الهيتشكوكية" في الدفع بممثل مثل (رشدي أباظة) ليخرج ما لديه من عبقرية ويتقن دوره بدرجة عالية ليقدم قاتل بارد الأعصاب لا تحركه أي أحاسيس تجاه من يقوم بقتلهم ، آلة تحرك من خلال المجرم عباس ...كذلك نجد أن على الزرقاني نجح في تقديم مجموعة من المهارات والمكائد التي وضعها من خلال السيناريو الذي قدمه وأكثر ما يلفت النظر فيها نهاية شخصية الشرير عباس (محمود المليجي) والقاتل السفاح (رشدي أباظة) فنجد أن شخصية عباس خالصة الشر لا يخالطها أي مبرر يدفعها إلى القيام بتلك الجرائم حتى لا يتعاطف معها المشاهد أو يكون هناك سبب ظاهر وراء ما يفعله يجعلنا نصفح عنه وعن أفعاله المشينة...عمل فني جدير بتقديم الاحترام والتقدير لصناعه المخرج كمال الشيخ عاد من جديد بعد عامين من تقديم فيلم تجار الموت ليقدم فيلم جديد وعن شركات التأمين والنصب والاحتيال بها فقدم عام 59 فيلم "من أجل امرأة " تأليف: محمد أبو يوسف (سيناريو وحوار) وجيه نجيب البطولة لكل من : ليلى فوزي عمر الشريف محمود المليجي آمال فريد زكي طليمات يوسف فخر الدين وتدور أحداث الفيلم بأن يذهب مندوب التأمين لعميل ثري لعمل بوليصة تأمين ، الثري متزوج من شابه جميلة تغريه حتى يقع في شباكها وتتوطد علاقتهما ، تعرض عليه الخلاص من زوجها ثم الاستيلاء على قيمة بوليصة التأمين ، يموت الزوج ، تذهب للشركة لقبض مبلغ التأمين إلا أن الشركة تساورها الشكوك حول وفاة الزوج وترجح أنه مات بطريقة غير طبيعية خاصة أن الزوجة كانت تعمل ممرضه قبل زواجها ، يعلم مندوب التأمين هذه المعلومة والذي كان وراءها الاستيلاء على ثروة الزوج يذهب للقائها فيفاجئها في أحضان عشيقها فيقتلها ألا أنها تطلق عليه الرصاص فتصيبه وعلى فراش الموت بالمستشفى يعترف بالحقيقة كاملة ثم يلفظ أنفاسه الأخيرة. هذا الفيلم مقتبس من الفيلم الامريكى "Double Indemnity" بطولة فريد ماكموري 1944... ولعل فيلم "من أجل امرأة" 1959م من الأفلام التي توضح أسلوب كمال الشيخ الفني في مثل هذا الاتجاه، فهو الفيلم الذي يعتمد على تقنية الفلاش باك اعتمادا يكاد يكون كاملا، منذ بداية الفيلم حتى نهايته، وهو الفيلم الذي يتميز بالإثارة والغموض بالرغم من أننا كمشاهدين نعرف القاتل جيدا، ولكننا نكون دائما في حالة تواطؤ كاملة مع المخرج والممثلين حتى نهاية الفيلم في انتظار الأحداث التي يسوقها المخرج ببراعة تجعلنا متمسكين بمقاعدنا، وهو في النهاية الفيلم الذي يؤكد فيه الشيخ على أن المرأة هي المحرك الأساس للحدث- جريمة القتل- التي تستطيع البطلة فيه “ليلى فوزي” (إلهام)، دفع الحدث بالشكل الذي ترغبه هي، وبالطريقة التي تفكر فيها. خلاصة الكلام دائماً ما يحاول الشخص تبرير أفعاله وإبراز المسوغات التي دعته إلى اللجوء إلى الاحتيال، وغالباً ما يستغل العاطفة ويبدأ بالعزف على وتر العاطفة، ومن هنا يبدأ الناس بالتعاطف مع "المحتال" فيصبح بقدرة قادر هو الضحية وشركات التأمين هي الجلاد وفى النهاية أقول وجدت هناك نسبة ليست بالهينة من الناس عندما ينشر موضوع عن التأمين في الصحف الإلكترونية ، تساهلهم في موضوع الاحتيال، وقد يصل الأمر إلى تبرير هذا العمل ويعزونه إلى أنهم لجأوا للاحتيال والتلاعب على التأمين بسبب أن شركات التأمين احتالت عليهم في المقام الأول.