تؤكد كل الوقائع والمؤشرات أن الغالبية العظمى من المصريين تحولوا من طبقة محدودى الدخل إلى فئة معدومى الدخل بسبب موجات غلاء الأسعار التى لا تتوقف والتى زادت حدتها مؤخراً بعد قرار الحكومة بتعويم الجنيه وما أعقبه من قرارات وإجراءات فى مقدمتها رفع أسعار البنزين والسولار والغاز وغيرها ؟. هذه السياسات المتخلفة للحكومة التى أدت إلى المزيد من المعاناة لدى عشرات الملايين من المصريين بسبب غلاء الاسعار وعجز كافة الاجهزة والجهات الحكومية عن ضبط الأسواق ومواجهة جشع التجار تجعل الجميع يتساءل : متى تتوقف موجات الزيادات الجنونية فى الأسعار ؟ وكيف يتم ضبط الأسواق ؟ وهل يمكن بالفعل وليس بالكلام والتصريحات الحكومية مواجهة جشع التجار ؟ ولماذا لا تنخفض الأسعار مرة آخرى فى مصر خاصة أن السلع الغذائية والبترول انخفضت أسعارهما بشدة خلال العامين الماضيين وفقاً للتقارير الصادرة عن منظمتى الفاو والأوبك ؟ وهل الحكومة بالفعل قادرة على المواجهة واتخاذ إجراءات فعلية لوقف الإرتفاعات الجنونية فى الأسعار أم أنها تواصل كالعادة الوقوف فى صفوف المتفرجين والإكتفاء بإطلاق تصريحات وردية لا علاقة لها من قريب أو بعيد بما يحدث على أرض الواقع ؟. فى هذا السياق كشفت دراسة مهمة صدرت مؤخراً بعنوان (ارتفاع أسعار المواد الغذائية.. الإشكالية وآليات المعالجة ) والتى أعدها الباحث شريف محمد فتحى عن أسباب هذه الأزمة وآليات المعالجة لهذه المشكلة. الدراسة أكدت أنه مع التحولات السياسية التي مرت بها مصر منذ ثورة 25 يناير 2011م، وبدء المجتمع المصري يعانى من مشكلة ارتفاع أسعار السلع الغذائية خلال الفترات السابقة إلا أن الأزمة تفاقمت فى نهاية الربع الثاني من العام الحالي، حيث يقع العبء الأكبر لهذه المشكلة الاقتصادية على عاتق الفقراء في مصر، كما أدى تراجع قيمة العملة المحلية للجنيه أمام العملات الأجنبية إلى تراجع القيمة الشرائية للجنيه، فأصبحت الأجور ورواتب العاملين سواء بالقطاع الحكومي والخاص لا تكفي لاحتياجاتهم الشهرية من المواد الغذائية، مما أسهم في تفاقم الأزمة داخل المجتمع، الأمر الذي أثار استياء الأفراد من الحكومة الحالية لعدم سيطرتها على الأسعار وعدم وجود رؤية اقتصادية واضحة تستطيع تنفيذها على ارض الواقع، وتستطيع من خلالها إحداث تنمية اقتصادية حقيقية . وكشفت الدراسة أن هناك عدة أسباب أدت إلى تفاقم ارتفاع أسعار المواد الغذائية منها أسباب داخلية وأسباب خارجية أيضًا، كما يلي: عدم توفير البنك المركزي للعملات الصعبة خاصة الدولار مما ساهم في زيادة حدة التضخم في الدولة. الاعتماد على استيراد المواد الغذائية. تكالب بعض تجار الجملة والتجزئة على تخزين السلع الأساسية لرفع أسعارها عن طريق تقليل المعروض من السلع فيزيد الطلب عليها فتزيد الأسعار. تقاعس الحكومة في توفير الاحتياجات من السلع، فهناك سلع يتم إنتاجها على المستوى المحلي، ولا تكفي لتغطية الاستهلاك المحلي، فيتم استيراد كمية العجز من الخارج مثل ما حدث من جانب وزارة التموين في أزمة السكر الحالية، فحجم الإنتاج المحلي من السكر 2.1 مليون طن وحجم الاستهلاك المحلى 3.1 مليون طن، فلم يتم استيراد كمية العجز بين المستهلك والمنتج فى أوقاته لتغطية استهلاك المجتمع فساعد على تفاقم أزمه السكر. ضعف المجمعات الاستهلاكية التابعة للدولة والخاضعة لإدارة وزارة التموين والتجارة الداخلية، فبلغت 487 مجمعًا استهلاكيًا، منها 61 فرعًا لشركة الأهرام للمجمعات الاستهلاكية، و42 فرعًا لشركة النيل، و54 فرعًا لشركة الإسكندرية، و17 فرعًا للشركة المصرية للحوم والدواجن، و24 فرعًا للشركة المصرية لتسويق الأسماك، و222 فرعًا للشركة العامة لتجارة الجملة، و67 فرعًا للشركة المصرية لتجارة الجملة. وحول الوضع الراهن لسوق السلع في مصر كشفت الدراسة أنه على المستوى الدولي انخفضت أسعار عقود السكر في السوق العالمي من 593.8 دولار للطن في تاريخ 21/10/2016 لتنخفض إلى 574 دولار/ طن بانخفاض بلغ 19.8 دولار/ للطن، ولكن ما أثر في ارتفاع الأسعار في السوق المصري هو عدم توافر عملة أجنبية لتوفير الاحتياجات، بالإضافة إلى جشع التجار وتخزين السكر، فعلى المستوى المحلي ارتفع سعر كيلو السكر من 4.5 جنيه في شهر أكتوبر ليصل إلى 10 جنيهات للكيلو بنسبة زيادة بلغت 222%، قياسًا على ذلك بلغت نسبة الزيادة في زيت الطعام 160% من 12.5جنيه للتر إلى 20 جنيهًا للتر، كما بلغت الزيادة في سوق الخضراوات بشكل كبير فقد تضاعفت أسعار كثير من السلع، حيث بلغت الزيادة في الفاصوليا 500% من 4 جنيهات إلى 20ج للكيلو، ونسبة الزيادة في الطماطم 334% من 1.5 جنيه إلى 5 جنيهات للكيلو. ومن البيانات الخاصة بسوق السلع نجد أن جميع السلع زادت بشكل يمثل ضغوطًا حادة على المواطن، وبعد تحرير سعر الصرف وزيادة المواد البترولية بنسب تتراوح بين 35 و45% فإن تلك الزيادة أدت إلى ارتفاع الأسعار مجددًا، وذلك نتيجة ارتفاع تكاليف نقل الخضراوات والسلع بين المحافظات المختلفة على مستوى الجمهورية وهي زيادات ستمثل مزيدًا من الضغوط على المواطنين، فتلك المؤشرات تمثل عدم وجود رؤية لدى الحكومة للسيطرة على الأسعار وغياب التخطيط القومي للاستهلاك الداخلي، وعدم السيطرة على التضخم، مما سيزيد من تأزم الموقف الداخلي ضد النظام السياسي الحالي، فقد بلغ معدل التضخم وفقًا لبيانات البنك المركزي المصرى في شهر مارس الماضي 9% وبلغ 15% في نهاية شهر سبتمبر ، وهذه المعدلات مرشحة للزيادة بين 20 و25% في نهاية شهر أكتوبر.
فى مقال الغد – بمشيئة الله - نواصل فتح الملف لنتعرف على أراء ووجهات نظر الخبراء فى كيفية معالجة ارتفاع أسعار السلع الغذائية .