في الوقت الذي تنتشر فيه الأحاديث عن إجراء مصالحة بين النظام الحالي وجماعة الإخوان المسلمين، بوساطة عربية، لم يقر البرلمان حتى الآن قانون "العدالة الانتقالية"، والذي ينص على ضرورة إجراء مصالحة مجتمعية. وتوترت العلاقات بين الإخوان والنظام الحالي عقب أحداث 30 يونيو، والتي أطاحت بالرئيس الأسبق محمد مرسي، المحسوب على جماعة الإخوان. ويحتم الدستور على البرلمان إقرار قانون العدالة الانتقالية خلال انعقاد الدور الأول له، إلا أن القانون لم يتم إقراره حتى الآن، رغم انتهاء انعقاد الدور الأول وبداية الدور الثاني لمجلس النواب، وسط تبادل الاتهامات في تأخيره بين الحكومة والنواب. وتنص المادة 241 من الدستور على أن "يلتزم مجلس النواب في أول دور انعقاد له بعد نفاذ هذا الدستور بإصدار قانون للعدالة الانتقالية يكفل كشف الحقيقة، والمحاسبة، واقتراح أٌطر المصالحة الوطنية، وتعويض الضحايا، وذلك وفقًا للمعايير الدولية". وينص القانون على المكاشفة للحقيقة والمساءلة والمحاسبة، مع التعويض، وجبر الأضرار، على أن تسير تلك الأركان بشكل متوازٍ مع الإصلاح المؤسسي الشامل، تمهيدًا لتحقيق المصالحة بشكل تلقائي بعد تحقيق العدالة الانتقالية، كما حدد أطر المحاسبة عن انتهاكات الماضي سواء في حقوق الإنسان أو غيرها. واشترط بعض الأمور لإجراء مصالحات سياسية، منها نبذ العمل السري، ونبذ التمييز بين المواطنين، والاعتراف بالأخطاء، والتعهد بعدم تكرارها في المستقبل، والفصل بين الديني والدعوي، والفصل بين السياسي والوطني. النصوص سالفة الذكر من القانون تشير فحواها إلى إمكانية المصالحة مع الأنظمة السابقة ومنها نظام الإخوان؛ وهو ما رآه البعض السبب الحقيقي لتأخر إصدار القانون حتى الآن. وكانت محاولات إجراء مصالحة بين الإخوان والنظام أجريت خلال الفترة الماضية بوساطات عربية وخليجية، كما زعمت مواقع إخبارية أن جماعة الإخوان تسعي للمصالحة مع النظام، مستندة إلى تصريحات تم نسبها إلى إبراهيم منير، نائب مرشد الجماعة، ونفاها الأخير فيما بعد. ففي تصريحات له، مؤخرًا، أوضح نائب مرشد الإخوان إبراهيم منير، أن الجماعة مستعدة لسماع كل وجهات النظر من حكماء لإتمام المصالحة، التي لا تستبعد الرئيس الأسبق محمد مرسي، مؤكدًا أن الجماعة مستعدة لسماع كل وجهات النظر. وأشار إلى أن الجماعة لم تطلب المصالحة مع الرئيس عبد الفتاح السيسى ولن تطلبها، موضحًا "لكن نحن نرمي الكرة في مرمى من ينهلون لنا بالنصائح، ونقول هاتوا ما لديكم من أسلوب هذه المصالحة، وليجتمع حكماء الشعب وليرسموا لنا صورة هذه المصالحة التي تدعون أننا نُؤخرها". وتابع: "عند تقديم هذه الرؤية من الحكماء أو من النظام فلسنا مغلقي الأذن ولا العقول، وحينها سيكون ردنا، وإذا فتح الباب للمصالحة في مصر؛ فالرئيس "مرسي" والقيادات الوطنية وليس الإخوان موجودون ويجب تصحيح الأوضاع والعودة لشرعيتها الحقيقية". وأعلنت جماعة الإخوان، رفضها إجراء مصالحة مع النظام الحالي، داعية من أسمتهم "القوى الثورية ورموز الثورة" إلى الاصطفاف واستكمال ثورة الخامس والعشرين من يناير حتى تحقق كامل أهدافها". وقالت الجماعة في بيان نُشر عبر صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي، "فيس بوك": "قد أعلناها مرارًا وتكرارًا ونعيدها لا تنازل عن الشرعية، ولا تفريط فى حق الشهداء والجرحى، ولا تنازل عن حق المعتقلين في الحرية، وحق الشعب في الحياة الكريمة". ومن جانبه أرجع ياسر الهضيبي، الخبير القانوني، عدم إقرار البرلمان لقانون العدالة الانتقالية حتى الآن؛ لأن النظام لا يستطيع الالتزام ببنوده، على حد قوله. وأضاف "الهضيبي"، في تصريحات خاصة ل"المصريون"، أن القانون سيحاسب المخطئين بما فيهم الشرطة والجيش والإخوان والحزب الوطني. ويتكون مشروع قانون العدالة الانتقالية من 66 مادة تتضمن تدابير وإجراءات قضائية وغير قضائية، يتم الاضطلاع بها خلال مرحلة ما بعد ثورتي 25 يناير و30 يونيو، لكشف وتوثيق والتصدي لانتهاك حقوق الإنسان، وغيرها من صور إساءة استعمال السلطة التي سابقت وعاصرت وتلت الثورتين المذكورتين. وعن ارتباط القانون بالمصالحة مع الإخوان، قال "الهضيبي"، إن العدالة الانتقالية تهدف إلى محاسبة أي مسئول عذّب أو أصاب أو دمر منشأة عامة، وليس إجراء المصالحة بين النظام والإخوان، نافيًا أن تكون المصالحة حقًا للحكومة أو الرئيس، وإنما حق للشعب فقط. ومن جانبه، أكد الفقيه الدستوري والقانوني الدكتور فؤاد عبد النبي، أن البرلمان انتهك الدستور بداية بعدم البت في قانون العدالة الانتقالية وإقراره قبل انتهاء دور الانعقاد الأول وفقًا للمادة 241 من الدستور. وأضاف "عبد النبي"، في تصريحات خاصة ل"المصريون"، "القانون المذكور ينص على المصالحة المجتمعية وليس المصالحة مع الإخوان تحديدًا، مطالبًا البرلمان بسرعة إقرار القانون مستنكرًا تبادل الاتهامات بين الحكومة والنواب حول تأخير إقراره. وكانت الحكومة اعترضت على الاقتراح بمشروع القانون المقدم من بعض النواب، وهو ما جاء على لسان ماجد صبحي، مساعد وزير العدل لقطاع التشريع، مشيرًا إلى أن صياغة المشروعات المقدمة من النواب غير واضحة. وأضاف "صبحي"، خلال اجتماع اللجنة التشريعية بالبرلمان، أن تعريف مشروع النواب لمصطلح العدالة الانتقالية ضخم وواسع ويحتاج إلى تركيز، كما أنه وضع تاريخًا محددًا لتطبيق العدالة الانتقالية، والحكومة لا تعرف ما هو سبب هذا التحديد. وعن الارتباط بين الأحكام التي صُدرت مؤخرًا بحق قيادات من الإخوان وبين اقتراب إصدار القانون واحتمال إجراء المصالحة، قال الفقيه الدستوري، "إنه لا يوجد دليل واضح حول الارتباط بين الأحداث، إلا أن الأحكام الصادرة مؤخرًا تمهيدًا للمصالحة، وهو ما يتطلب الإسراع في إصدار القانون". وكانت محكمة النقض ألغت حكمًا بإعدام "مرسي"وعناصر من جماعة الإخوان، بينهم المرشد العام محمد بديع، في قضية "اقتحام السجون"، والمعروفة إعلاميًا باسم "الهروب الكبير"، وذلك على أن يتم محاكمتهم أمام دائرة قضائية أخرى. وفي ذات السياق، أصدرت محكمة النقض، حكمًا بقبول الطعن المقدم من "مرسي" على حكم السجن الصادر ضده بالمؤبد في قضية التخابر مع حماس.