سألني أحد الاصدقاء الدانماركيين من المتعاطفين سياسياً واعلامياً مع مصر، بحكم دراسته، وثقافته، وعمله في المنطقة العربية لسنوات، أين مؤسسة الأزهر من كل ما يحدث في مصر الآن؟ ، أم تحولت تلك المؤسسة العريقة والى الأبد إلي بضعة مئات من المعاهد الأزهرية في القرى والمناطق المختلفة ، ونظام بيروقراطي يهتم بالعلاوات والمكافآت والعقوبات، وانحصر دور مشيخة الأزهر في اصدار بيان أو توضيح، اذا تعلق الأمر بالخارج، وتجاهل واغماض العين تماماً عما يحدث في الداخل؟ أين الأزهر ودوره وأين ائمته الأفاضل من كل ما يحدث في مصر؟ السؤال كان مطروحاً بشدة بعد ان أصدر الأزهر قبل فترة قصيرة بياناً يشجب ويندد ويستنكر ما حدث من اعتداءات بحق الرسول محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم في الدانمارك وتماماً على غرار ما تفعل السلطة من باب برو العتب اذا ما تعلق الأمر بعدوان على الاشقاء هنا أو هناك ، وهو أمر جيد في كل الأحوال وخاصة ان حدث في سياق دور مؤسسي عام رافض للظلم والاعتداء في الداخل والخارج على السواء، اما ان يأتي هذا الموقف ضمن اطار انتقائي بالغ السوء، يفصل بين الداخل والخارج، ويغض الطرف عن فساد الداخل وظلمه، فهذا هو العجب بعينه ، حيث لا يعني ذلك الا ان الأزهر تحول عبر مشيخته الحالية إلي حلقة في سلسلة السلطة يأمر بما تراه، وينهي عما تنهي عنه، وهذا بالطبع ليس دوره، اللهم الا اذا كانت السلطة قد نجحت والى الأبد في تحويل الأزهر إلي اللجنة الدينية التابعة للحزب الوطني الديموقراطي أحجم الكثيرون منذ زمن بعيد عن مناقشة دور الأزهر ، وكلٌٌ لاعتباراته الا اني أعتقد ان الأوان قد آن لطرح قضية مشيخة الأزهر، والتحاقها بركب السلطان ، والأمر والنهي بلسانه على مدار البحث. وخاصة وان بقية المؤسسات المصرية، من نقابات وأحزاب وجمعيات، وصولاً إلي مؤسسة القضاء - بات لها العديد من المواقف الرافضة لما يحدث في مصر، بينما ظلت مشيخة الأزهر على حالها منذ ان تولى الأمر فيها شيخها الحالي، حتى بعد ان ارتفعت أصوات العديد من الشيوخ الأجلاء بالرفض لما يحدث في الوطن، وداخل الأزهر نفسه ، بل أعطى بعضهم، ومنهم فضيلة المفتي السابق درساً لكل ذى بصيرة، حين رفض ما رفض، مفضلاً العودة إلي الجامعة عن ان يساهم من موقعه في دار الافتاء في الفتوى بما يخالف ضميره ودينه.. ظلت مشيخة الأزهر على حالها، لا ترى فيما يحدث في مصر أي داع للاجتهاد بشأن السلطان الجائر، والفساد والمحسوبية والرشوة وخلافه حتى دبت الأمراض نفسها في الأزهر نفسه بمؤسساته المختلفة، وبات القاصي والداني يعلم ما يحدث فيها، بداية من فصول العلم في المعاهد الأزهرية، وانتهاء بأعلى الكاتب النوعية التابعة ادارياً للأزهر الشريف يعلم الكثيرون ان شيخ الأزهر أثبت مرات ومرات ان موقعه كشيخ لتلك المؤسسة العريقة يعني له الكثير، ويعلم الكثيرون ايضاً ان جناحاً كبيراً داخل الازهر الشريف يرفض تماماً ما انحدرت اليه المؤسسة الدينية الأهم في مصر والتي تصدت في الكثير من مراحل التاريخ للسلطان الجائر، بل كان هناك زمن ارتعب فيه السلطان الجائر من شيخ الأزهر، وذلك حين استمد الأخير قوته من اعلاء كلمة الحق، ووقوفه بجوار الناس، حينها لم يكن رجال الأزهر يخافون الا الله، ولم يكن المنصب يعني الكثير للكبار فيه، حيث كانوا يضيفون له، لا العكس.. وبتنا في زمن يشد فيه الأزهر من أزر السلطان الجائر ظالماً ومظلوما لقد انتفض القضاة والمحامون والأطباء والمهندسون والصحفيون ورفعت كل فئات المجتمع الا قليلا صوتها مطالبة بالحق والعدل ولم تلتزم مشيخة الأزهر بالصمت باعتباره اضعف الايمان بل طالبت منتسبيها بالاستمرار في مساندة السلطة، حتى في الانتخابات الأخيرة ارادت مشيخة الأزهر ان تتدخل في ضمائرمنتسبيها وبذا فقدت دورها وتحولت إلي سيف بيد السلطان الجائر ضد الأمة في السابق كانت الوسطية التي التزم بها الأزهر الشريف تعني في المقام الأول وسطية الموقف حين يتعلق الأمر بشأن من شؤون الدين، ولم تكن على الاطلاق وسطية بين الحق والظلم، أو بين الفساد والمساواة، فالوسطية في ذلك لا تعني في النهاية الا الوقوف مع الظلم ، فانتهاك حقوق الناس هو انتهاك صريح لحقوق الله، وتنحية لصفة من صفاته معاذ الله وهي العدل فهل تفيق مشيخة الأزهر مما هي فيه، أم تظل في غيها منفصلة عن الناس وقضاياها آن الأوان ليفكر ائمة الأزهر في حقوق الناس حتى ولو اضطروا لمخالفة شيخهم، وليتحدث الأزهر عبر وعاظه وشيوخه وأئمته عن الفساد والمحسوبية والنهب المنظم والحق والعدل بصوت عال في مصر، فحينها فقط سيحق له التصدي لمحاولات العابثين بديننا ورسلنا خارجها. ولتكن كلمة حق في وجه سلطان جائر لا تبغون فيها سوى وجه الله