جمال سلطان عندما نقول بأن خطاب الرئيس في افتتاح الدورة البرلمانية لمجلس الشعب الجديد لم يأت بأي جديد فلم نكن نغالي ، بل كنا أكثر تحفظا من قول الحقيقة كاملة وجارحة ، وهو ما عاتبني عليه بعض القراء الأفاضل ، وهم محقون ، لدرجة أن الصديق محمد حافظ تعجب من حديثي عن " خيبة الأمل " وتساءل : وهل كنت تتصور غير ذلك ، وقال كلاما آخر لا أستطيع نشره ، ولكني أطالب القراء بالعودة إلى الصحف القومية أمس ، وتأمل العناوين الضخمة الفخمة التي ملأوا بها الصفحة الأولى في كل جريدة منهم كمقتطفات لخطاب الرئيس ، ويمكنهم أن يتأملوا كل عبارة لكي يخرجوا بأن الواقع هو عكسها تماما ، وعلى طول الخط ، خذ مثالا على ذلك ما نشرته الأهرام تحت عنوان عام : رؤية واضحة للإصلاح ، فتجد هذه اللافتات تحتها من كلام الرئيس : (التزام راسخ بمبدأ المواطنة كأساس للمساواة بين المصريين) ، وطبعا جميعنا رأى هذا الالتزام في سحق المواطنين وضربهم بالقنابل والرصاص وتسليط البلطجية عليهم ، ورش النساء بماء النار لتطفيشهم من أمام اللجان ، هذا في أيام الانتخابات ، أما في الأيام العادية فأنت تعلم حال المواطن والمواطنة المستباح في التعامل مع كافة أجهزة الدولة المدنية والأمنية سواء ، ثم تأمل اللافتة الثانية : (إعلاء كلمة القضاء وتوفير العدالة الناجزة) ، وبطبيعة الحال كلنا رأي وسمع ما حدث للقضاة وكيف أعلت السلطة من شأنهم وكلمتهم عندما ضربوا وشتموا واعتقلوا في اللجان وكيف أن العدالة الناجزة وصلت إلى حد أن المحاكم تتهم السلطة صراحة بتهديد أركان الدولة لاحتقارها الأحكام القضائية وعدم تنفيذها ، خذ عندك اللافتة الثالثة : (تفعيل دور المجتمع المدني والمرأة) ، وطبعا كلنا يعرف أن حزب الرئيس من فرط حرصه على تفعيل دور المرأة لم يرشح سوى امرأة واحدة تقريبا ولاعتبارات لا صلة لها بالمرأة ، ونجحت بالتزوير الفاضح ، حتى أن الأعضاء النساء في الحزب اشتكين لطوب الأرض من تجاهل الحزب لدورهن ومكانتهن وحرمانهن من فرصة المشاركة في الانتخابات ، وأنا لا أريد أن أسترسل وأطيل في النقل لأن الخطاب طويل ، ولكني أطالب من أراد أن يتحقق من أسباب إحباط الناس في بلادنا بعد هذا الخطاب أن يعودوا متأملين في العناوين فقط ، والحديث عن دعم التعددية السياسية بينما الحزب الحاكم يتآمر على أي حزب جاد ونجح في تجميد عمل أكثر من ستة أحزاب ومنع أكثر من عشرين آخرين من حقهم في إنشاء أحزاب ، والحديث عن معدلات التنمية وزيادة الاستثمار بينما البلد تشهد حالا من البؤس تسمعها من كل مشتغل في السوق ولا يمر شهر إلا ويتم تصفية العشرات من المشروعات والمصانع والشركات ، أو الحديث عن مكانة مصر ونفوذها الدولي والإقليمي ، بينما مصر لم تشهد حالة من خفة الوزن السياسي في العالم والشرق الأوسط في تاريخها كله مثلما شهدته الآن ، ولدرجة أن النفوذ والثقل السياسي لجماعة الإخوان المسلمين ( المحظورة كما يقولون ) أصبح أهم إقليميا من وزن الدولة المصرية ذاتها ، سواء في الملف العراقي أو السوري أو الفلسطيني ، كل هذا لا يعني أن الإحباط هو شعار المرحلة ، أبدا ، بل إن الأمل والثقة باقتراب فجر الحرية في بلادنا هو الشعار الآن ، مصر تغيرت ، وإصرار قواها الحية على الإصلاح والتغيير أقوى من أن يكسر ، فقط نذكر بأن آمال الإصلاح لا يمكن أن تعلق على القرار الرسمي ، وإنما على عزيمة الأمة ونضال الشعب . [email protected]