إذا كانت هناك مدن بواسل كمدينة السويس فإن هناك أحياء أبطال كحى بابا عمرو المحاصَر، الذى بلغ من صموده أن انهزمت أمامه آلة البطش الجبارة لكتائب بشار الأسد، وهى آلة بشعة مجرمة لا ترقُب فى محاصَر إلاًّ ولا ذمةً. منذ ما يقرب من شهر (ثلاثين يومًا) وحى بابا عمرو الصامد يقصف بالليل والنهار قصفًا متواصلاً لا ينقطع، بعد أن قطعوا عن الحى الكهرباء والماء فى محاولة خسيسة لتركيعه. وسيذكر التاريخ أن حى بابا عمرو بصموده الأسطورى ومقاومته العنيفة، كان أحد أهم الأحياء السورية وراء انتصار ثورة سورية، حيث أذل كبرياء كتائب بشار وبقية أركان العصابة المجرمة. ثلاثون يومًا والحى محاصَر والعالم يسمع ويرى أو بالأحرَى يتفرَّج، لكنه لا يقدم شيئًا حتى انقطع رجاء أهل الحى، بل أهل سورية كلهم فى البشر، ونادَوْا: ما لنا غيرك يا الله. يعرف كل مَن درس تاريخ الأمم، وقوانين صعود وهبوط الدول أن نظام بشار الطائفى إلى زوال إن لم يكن قد زال بالفعل، وأن سياسة الأرض المحروقة التى تتبعها كتائبه لن تفعل أكثر من أن تطيل عمر النظام ساعات بموازين الزمن. فالنظام الذى ولغ فى الدم وأوغل فى القتل، هو نظام فقد كل أثر للشرعية والمشروعية، ولم يعد لديه ما يتشبث به ولا ما يحرص عليه، وانكشفت شبكة تحالفاته حتى أن هذا النظام الذى سوَّق نفسه حينًا من الدهر بأنه نظام الممانعة والصمود، لم يعد يشفع له عند أمريكا إلا "إسرائيل" التى ناشدت الأمريكان ألا يبالغوا فى الضغط عليه؛ حتى لا يقع أو ينهار. ها هم حلفاؤك يا بشار وحلفاء أبيك من قبلك، فكلاكما قد حمى لهم الجولان أربعة عقود متوالية، لم تطلق ولا رَصاصة واحدة من جهتكم. أما ثلاثى الهلاك الذى يسوق الموت إلى الشعب السورى (روسيا والصين وإيران)، فهى نظم من مخلَّفات عهود مضت، وهى تقاوم سُنن التاريخ وفعل الزمن، هذه الدول الثلاث هى الحبل السرى الذى يمد نظام بشار بالحياة، لكنها حياة موقوتة وملوَّثة بعار التبعية وعار الذل وعار الخيانة لشعبه. وهى دول لن تتورع عن بيع نظام بشار فى سوق النِّخاسة العالمى، ريثما تتكشَّف لها مصالحها، وريثما تأخذ الثمن، هى تضغط بالنقض (الفيتو) فى مجلس الأمن حتى ترفع السعر، وهى لغة معهودة فى سوق العلاقات الدولية. فروسيا التى تريد أن تعيد أجواء الحرب الباردة على جثث الشعب السورى لا تعرف غير المقايضة بديلاً، والصين لا تعرف غير المبادلات التجارية لغة، وإيران التى سلّمت الولاياتالمتحدةأفغانستان والعراق، لا تعرف غير المساومة والتَّقيَّة وسيلة تفاوُض، ولم يبقَ أمامك يا بشار كثير، وستدهسك عجلات التاريخ التى لا ترحم، وتُلقى بك فى مزابله. ويبقى حى بابا عمرو المجاهد عالى الكرامة مرفوع الرأس، لم تستطع رغم حصارك له شهرًا أن تقتحمه إلا على جثث سكانه، فهو رغم القصف المتوالى صمد ولم يستسلم، ولم تدخله إلا وهو جريح، وأرغمك الهوان وهو مقطوع عنه الكهرباء والماء وجميع أشكال الاتصال، لقد دارت الاشتباكات من منزل لمنزل ومن بناية لأخرى، والمعارك كرّ وفرّ بين كتائب الأسد ومجموعات الجيش السورى الحر من مقاتلى كتيبة الفاروق وكتيبة ثوار بابا عمرو، وتعددت المحاولات العسيرة لاقتحام الحى خاصة بعد الاستعانة بقوات النخبة فى الفرقة الرابعة التى يقودها المجرم ماهر الأسد، والثوار يصمدون فى المواجهة وفى الدفاع عن الآمنين العزل، حتى لجأ نظام الإجرام إلى المِروحيات لتكثيف القصف والحى البطل يقاوم، وبلغ من جرمهم أن منعوا الصليب الأحمر والهلال الأحمر من دخول الحى؛ حتى لا ينقلوا للعالم المذابح الوحشية وجرائم الإبادة الجماعية التى ارتكبتها كتائب بشار المجرم. تحية إكبار وإعزاز لك حى بابا عمرو، واعذرنا فنحن العرب أعجز من أن نقدم لك شيئًا يتجاوز الكلمات، وضمير العالم لا زالت تحكمه موازين العلاقات الدولية، وشبكات التحالف والصراع، وحاجة "إسرائيل" أن يظل على حدودها؛ ليحميها لها نظم مثل نظام بشار الأسد. كلمة أخيرة السماح بسفر الأمريكان واستمرار حبس المصريين يكشف لنا الطريقة التى يفكر بها قادة المجلس العسكرى، والوزن النسبى للجنسيتين فى تصوُّرهم، ومن ثَم فعلى كل مَن يراهن على العسكر، أو لا زالت لديه ثقة بحسن نياتهم أن يراجع حساباته. ولن يرحم التاريخ كل مَن شارك فى تلك الصفقة المشبوهة ولو بالسكوت خاصة فى برلمان الندامة!