فيما عدا قضية المحرقة واستغلالها للتأثير النفسي على شعوب العالم وابتزاز دولها وأسطورة معاداة السامية وفكرة الوعد الإلهي بالأرض التي تدغدغ بها مشاعر اليمين المسيحي الأمريكي ، فقد أخفق الإعلام الخاضع للصهاينة في كسب تعاطف الرأي العام (العالمي)، واستطاع الإعلام العربي والإسلامي – بإمكاناته المتواضعة- توجيه أنظار العالم المتحضر والنامي على السواء إلى الممارسات غير الإنسانية التى تتم داخل الأراضي العربية المحتلة. وكانت ذروة نجاح الإعلام العربية والدبلوماسية العربية ما تم يوم 10/11/1975م حين صدر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة باعتبار "الصهيونية حركة عنصرية معادية للإنسانية" بموافقة 72 دولة ومعارضة 25 دولة وامتناع 22 دولة عن التصويت. غير أن اعتماد إسرائيل على سطوة الإعلام تزايد كثيرا بعد ذلك واستماتت الدولة العبرية من أجل إلغاء هذا القرار وهو ما تم فعلا في 16/12/1991 بعد ما شهدته المنطقة من تراجع عربي عقب اتفاقات كامب ديفيد (1978) ومؤتمر مدريد (1991). الصحف الإسرائيلية: وتوجد في إسرائيل اليوم ست صحف كبرى معروفة دوليا ، أقدمها صحيفة "هاآرتس" [ومعناها بالعربية : الأرض] التى تأسست عام 1919 أثناء الانتداب البريطاني. وهي مملوكة لمجموعة "شوكين" وهي كتلة إعلامية صهيونية معروفة. وتوزع صحيفة هاآرتس من إصدارها اليومي 65 ألف نسخة، ومن عددها الأسبوعي 75 ألف نسخة ويليها صحيفة "جيروزاليم بوست" [ ومعناها بالعربية : بريد القدس] التى تاسست عام 1922 عن طريق مجموعة الشركاء أصحاب شركة (جريشون أجررون)، وهي أقل توزيعا من سابقتها فهى توزع من عددها اليومي 20 ألف نسخة فقط ومن عددها الأسبوعي 50 ألف نسخة، غير أنها تتميز بكونها تصدر طبعة دولية يوميا في أمريكا الشمالية، وطبعة أسبوعية باللغة الفرنسية في أوربا . وتأتي بعد ذلك صحيفة "يديعوت أحرونوت" [ ومعناها بالعربية: آخر الأخبار] وهي أكبر الصحف الإسرائيلية وأوسعها انتشاراً وقد تأسست عام 1929م كملكية خاصة لعائلة "موزيس" الإعلامية وهذه الصحيفة توزع من طبعتها العبرية يوميا 200 ألف نسخة وتوزع 600 ألف نسخة من عددها الأسبوعي الذي يصدر يوم الجمعة في أكثر من 150 صفحة شاملا عدة ملاحق، ولهذه الصحيفة موقع على شبكة الانترنت باللغة الانجليزية، وكان لها موقع باللغة العربية أغلق منذ شهور قليلة. ورابعة الصحف هي صحيفة "هاتسوفيه" [ومعناها بالعربية: المراقب] وقد أصدرها حزب المفدال عام 1938، وليس لها عدد أسبوعي ، لكن عددها اليومي يوزع حوالي 60 ألف نسخة معظمها لأعضاء حزب المفدال والمتعاطفين معه. وخامسة الصحف الإسرائيلية هي صحيفة "معاريف" [ومعناها بالعربية: صلاة الغروب] وقد أسستها عائلة نمرودي الإعلامية كملكية خاصة عام 1948، وتوزع "معاريف" من عددها اليومي 160 ألف نسخة ومن عددها الأسبوعي 270 ألف نسخة . وهي بذلك تعد في المركز الثاني من حيث قوة الانتشار بعد صحيفة "يديعوت أحرونوت". وأخيرا. تأتي صحيفة "جلوبس" وهي صحيفة يومية متخصصة في الاقتصاد صدرت أول مرة عام 1983 عن طريق شركة "جلوبس لتونوت للنشر" التى تمتلكها مجموعة "مونتين" الاقتصادية، وهي توزع 40 ألف نسخة يوميا. وإذا ألقينا نظرة على محتوى بعض تلك الصحف بطريقة عشوائية فسنكتشف أنها تفتح أبوابها – لا سيما باب بريد القراء – لفئات مختلفة من سكان إسرائيل للتعبير عن آرائهم في شؤون الدولة كافة غير أنها تحتفي كثيراً بذوي الآراء المتطرفة، والأفكار الهدامة والعنصريين. أمثلة على عنصرية الصحافة الصهيونية: وسنذكر فيما يلى عدة نماذج على ما تردد في الصحافة الإسرائيلية من كتابات حرة- لغير صحفيي الجريدة الرسميين – لكتّاب هواة من خارج الصحيفة ، يعبرون عن آرائهم الخاصة، ولكنهم – في حقيقة الأمر – صورة لما يعتمل في الوجدان الشعبي العام في إسرائيل وحتى أكون منصفا سأختار أكثر من نموذج بموضوعية تامة: النموذج الأول: كتب "داليا نهري" أستاذ علم الاجتماع بالجامعة العبرية في صحيفة "هاآرتس" في عددها الصادر يوم 27/9/2001 ، بعد أسبوعين تقريبا من أحداث 11/9/2001 الشهيرة تحت عنوان ( يجب القضاء على الوهم المسمى "الحركة الإسلامية " يقول: إن العمليات الإرهابية التفجيرية التى وقعت في الولاياتالمتحدة أخيرا وبقية العمليات الإرهابية التى حدثت ومازالت تحدث في إسرائيل بصورة مستمرة تدفعنا إلى طرح العديد من الأفكار حتى تصبح حياتنا أفضل. ومن أبرز تلك الأفكار التخلص من الأفعى السامة الكبيرة التى تسمى الحركة الإسلامية . والسئ أن تلك الحركة بدأت التوغل في جميع أنحاء البلاد بصورة تشبه الورم "السرطاني الخبيث" المتوغل في الجسم الذي يقضى علي جميع مكوناته وأجهزته العملية، ولو فحصنا الظروف التى تواجه الحركة الإسلامية وتحيط بها سندرك تماما حجم الكارثة التى من الممكن أن تقع علينا وتواجهنا. وعلى سبيل المثال تمتلك الحركة أكثر من 22 مركزا جميعها يبث على كراهية اليهود والتخلص منهم وإلقائهم في البحر وهذا الكلام الذي كان يردده "جمال عبدالناصر" الرئيس المصرى الراحل. ومن هنا كانت المشكلة والمأساة، حيث بدأت توجهات الحركة الفكرية والسياسية تضر بإسرائيل وتعمل ضد أمنها وضد مصالح العرب الذين يعيشون فيها، البالغ عددهم قرابة المليون وسبعمائة وخمسين ألف شخص ويجب عليهم ، خاصة وأن ناقوس الخطر يضرب بعنف مع خطورة العمليات التخريبية التى يقوم بها العرب أنفسهم، ويفجرون فيها الأسواق والمناطق المكتظة بالناس بصورة مقززة ما يمثل خطورة على مظهر دولتنا الجميلة . وقد تعددت المرات التى يقوم فيها العرب الذين ينتمون للحركة الإسلامية أو من أتباع الحركات الأخرى المرتبطة بها بتفجير أنفسهم . والتسبب في أزمات أمنية لم تسطيع الخروج من توابعها حتى الآن الأمر الذي أصبح يمثل أزمة كبيرة خاصة مع ارتباط الحركة بخلايا إرهابية أخرى وتقديمها للعديد من الخدمات للجمعات الإرهابية مثل بطاقات الهوية أو تسهيل عملية الدخول للخط الأخضر . حيث يتمتع عرب إسرائيل بالعديد من المزايا المختلفة التى تتوافر لبقية اليهود من أبناء الدولة. وبنظرة عامة على تاريخ الحكرة سنجد أنها بدأت تضرب بجذورها في الأرض وتتمتع بالعديد من المزايا المختلفة ويصبح لها شعبية كبرى منذ بداية الثانينات. وتركز نشاطها أساسا في منطاق النقب والجليل والمثلث. ولكن رؤساؤها دائما مايعقدون مؤتمرات واجتماعات عامة يذمون فيها إسرائيل ، الأمر الذي دفع رئيس الوزراء آنذاك "أسحق شامير" لشن حرب شعواء على تلك الحركة واعتقال عشرات النشطاء مهم في المناطق وإصدار أحكام بسجنهم لمدة مختلفة حتى أن التحقيقات التى أجرتها الشرطة آنذاك كشفت عن عزم هؤلاء النشطاء تنفيذ عدة اغتيالات لكبار المسؤولين بالتعاون مع بقية الجماعات الإرهابية الإسلامية الأخرى مثل حركة "حماس" و"الجهاد الإسلامي" . ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل وصل إلى حد تورط أعضاء الحركة في مقتل عدد كبير من أبنائنا سواء من الشرط أو الجيش كان أبشعها قتل ثلاث جنود وهم "اشرشالوم" شموئيل سمحون" و"افرايم ديبلن" عام 1992. بالإضافة إلى العديد من العمليات الإرهابية الأخرى والتى كان أخرها تفجير مقهى الدولفينا ريوم" والذياسفر عن مصرع عشرين شابا في مقتبل عمرهم الوردي . كل هذا بجانب العديد من الأعمال الأخرى للأعضاء المؤيدين للحركة الإسلامية والتى كبدت إسرائيل خسائر كبرى ليس فقط على المستوى المادي، بل لمعنوى أيضا. بالأمس سألنى ابنى مائير هل أستطيع الخروج للعب مع أصدقائي ؟ فتخوفت بشدة من الإجابة عليه. هل اسمح له باللعب وأظل في حالة قلق عليه حتى يعود؟ أم اشد من عزيمتى وأجبره على المكوث في البيت. ظللت هكذا حتى نام من البكاء وأنا مترددة حول السماح له بنزول للعب، أم بقائه في البيت، وفي المساء ظللت أسأل نفسى: هل وصل بنا الحال إلى هذا الحد؟ هل أصبح الإرهاب يتحكم في سلوكنا وحياتنا الخاصة؟ أسئلة من الصعب الإجابة عليها، ولا يمكن التنبؤ بما سيحدث في المستقبل، ولكن كل تلك الأحداث تؤكد لنا أن استمرار وجود الحركة أصبح يمثل خطورة علينا وعلى أبنائنا بكل يجبرنا على التغاضي بعض الشئ عن الديمقراطية التى بنينها عليها دولتنا ما دام غيرنا لا يحترم أصول وقواعد تلك الديمقراطية حتى نحتمى من الإرهاب الأصولي الذي نتعرض له، ومن ثم ليس أمامنا غلا حل واحد وهو الحكم بعدم شرعية الحركة الإسلامية وطرد أعضائها من الكنيست وحظر الاتصال بهم أو التحدث إليهم. النموذج الثاني: وفي الشهر نفسه وبعد ثلاثة أسابيع تقريبا من أحداث 11 سبتمبر نشرت صحيفة معاريف في باب "برلمان معاريف" كلمة لمهندس سيارات تعمل بالقدس الغربية اسمه "دانيال شالوم" في عددها الصادر يوم 30/9/2001 تحت عنوان "القضاء على العرب الأصوليين ليس إرهابا" جاء فيها: هل يعتبر الدفاع عن النفس وقتل الأصوليين الإسلاميين إرهابا؟ سؤال كان الجميع هنا يتساءلونه منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية في سبتمبر من العام الماضى وكان من الصعب الإجابة عليه، إلا أننى وجدت أن من السهل الإجابة عليه عقب قراءتى للمقال التحليلي الذى كتبه رئيس الوزراء الأسبق بنيامين نتانياهو في صحيفة "يديعوت أحرونوت" أخيرا. والذي أشار فيه إلى أن تصفية الأصوليين من قادة الجماعات المسلحة الفلسطينية لا تعد إرهابا، وبخاصة أن وجودهم أصبح يضر بصورة بالغة بوجودنا الحضاري، وهي نفس النظرة التي تنظر إليها حاليا الدول الكبرى للإرهاب وعلى رأسها الولاياتالمتحدة التي أعلنت –عقب التفجيرات الإرهابية البشعة على أراضيها ومقتل آلاف الأبرياء بها – الحرب على كل ما هو أصولي ومتطرف على الرغم أنها تعد من أكبر الدول رعاية للحريات والديمقراطية إلا أن الوضع سيتغير عندما يتعلق بوضع الدولة وبنيانها نفسه، وفي البداية يجب أن نفهم إنه لا يوجد إرهاب سواء على المستوى المحلى أو الدولي بدون دعم خارجي له وهو الدعم الذي توفره دولة كاملة تقوم بتدريب الخارجين عن القانون ويتم عمل ما يشبه الغسيل لأدمغتهم وإيهامهم بأن قتل الأبرياء وكل ما هو صليبي أو يهودي أمر مقدس يجب التضحية بأغلي شئ من أجله حتى الحياة. وتدعم هذه الدول أولئك الإرهابيين بالمساعدات المادية والميدانية ويتم إرسالها لشن حرب عصابات ضد أعدائهم. وبالطبع ستكون في مقدمتهم إسرائيل وأمريكا اللتين تعتبران العدوين الكبيرين للإسلام حسب وجهة نظرهم ويجب الوقوف بحزم في وجه سياستهما المختلفة. وهم يسعون في سبيل ذلك لشن حرب عصابات وتفجيرات داخلية ي كلتا الدولتين وهو أمر خطير يجعل القضاء على تلك الجماعات أمرا حتميا خاصة وأنها تعمل في الشرق الأوسط، والدول العربية تحديدا متعاونة مع بعضها. على سبيل المثال فإن المنظمات الفلسطينية تعمل بالتعاون الوثيق مع حزب الله الأصولي الذي يرتبط بدورها بعلاقات مع سوريا وإيران وكلتا الدولتين ترتبطان بعلاقات مع الإرهابي الأصولي "اسامة بن لادن" والواقع أن وجود تلك المنظمات الإرهابية يرتبط في الأساس بالدعم الداخلي الذي تتلقاه من دولة مثل إيران والتى تفجرت بها الثورة الإسلامية الأصولية أواخر السبعينيات فأصبحت الملاذ الأول للإرهابين. والمثير أن عددا من التقارير تثبت أن تلك الدول تساعد وبصورة رسمية ذا الذقن المرتعدة الذي يسمى "عرفات" ويحاول هو الآخر العب بنفس الكارت القذر وهو الضغط بالجماعات الأصولية لتحقيق مطالبه والظهور في النهاية بمظهر المستنكر للإرهاب والرافض لوجوده، بشكل يوحي للجميع بأنه صاحب اليد العليا وذلك بخبث شيطاني قبيح. وبالتالي يجب علينا الوقوف في وجه عرفات حتى لا يتحول إلى وحش يقضى على كل الأخضر واليابس في بلادنا الجميلة والوقوف في وجه المساعدات الخارجية التى يتلقاها سواء من سوريا أو إيران اللتين تزعمان دائما أنهما على خلاف مع عرفات داخل العالم العربي ." والنموذجان السابقان لشخصين غير متخصصين بالإعلام، فأحدهما أستاذ جامعة، والثاني مهندس سيارات ولكن رؤيتهما اتفقتا في إظهار عداء شرس ضد الإسلام والعرب في غير مواربة. النموذج الثالث: أما النموذج الثالث فقد اخترته لأنه يعبر عن ثقة الرأي العام الصهيوني فيما سميته أول المقال ب"سطوة الإعلام" ، ويشير كاتب المقال إلى علاقة أحمد زويل بإسرائيل وما أفاضت به عليه من جوائز، في محاولة للإيحاء بأن التقدم العلمي والإعلامي الصهيوني كفيل بجلب اعتراف أعدى الأعداء ، وكاتب هذا المقال ليس صحفيا ، ولكنه مهندس فنى يعمل في القناة الأولى بالتليفزيون الإسرائيلي، ويدعى "موشيه شمعون" والمقال مأخوذ عن "موقع القناة السابعة" على شبكة الانترنت يوم 2/7/2002 وعنوانه "الحرب الإعلامية ستحسم لصالحنا في النهاية" وفيه يقول " موشيه شمعون " : هل مازال العرب بصفة عامة والمصريون بصفة خاصة يجهلون قدراتنا وإمكانياتنا الإعلامية؟ سؤال ظللت أطرحه على نفسى لفترة طويلة بعد ما علمت من وسائل الإعلام آن "التليفزيون المصري" بدأ بث برامج ثقافية وإخبارية لمدة نصف ساعة من إحدى القنوات الفضائية وهي قناة ال" Nile T.V" باللغة العبرية وآثار هذا السؤال "ضحكى" و"اشمئزازي" في وقت واحد. فقد آثار"ضحكى" لأننى أعرف بفضل عملي في التليفزيون الإسرائيلي إننا نعتمد على إمكانيات طائلة تجعل مهمة أي تليفزيون أو أي جهة إعلامية خارجية أخرى مستحيلة من أجل اللحاق بنا لأننا نعتمد على إمكانيات ضخة لا يمكن أن تتوافر أو تتواجد لدى المصريين أو أي تليفزيون عربي آخر بسهولة لأن اقتصاديات الدول العربية – حتى الغنية منها – تعاني من أزمات لا يمكن التخلص منها بسهولة حيث ترتبط بميزانية وإمكانيات محددة وضعيفة لتطوير نفسها إعلاميا، وهذا أمر لا يحدث في إسرائيل على الإطلاق لأن الإعلام عندنا جزء هام من حرية الرأي والتعبير التي توليها جميع الحكومات وكبار المسئولين أهمية خاصة جعلتها ركنا أساسيا في حياتنا اليومية. أما السبب الثاني وراء شعوري "بالاشمئزاز" اعتقاد المصريين ،وكبار مسؤوليهم بأننا سنترك قنواتنا الرسمية ونتوجه إليهم لنسمع الأخبار منهم. وهذا شئ عجيب ومقزز للغاية لأن إمكانيات تلك القناة والعاملين فيها ممن يتحدثون العبرية لن تصرفنا عن متابعة وسائل الإعلام الخاصة بنا ذات البعد الهام في التحليل والعرض السياسي والتفهم الواضح لكافة الأمور والقضايا الداخلية والخارجية المختلفة. إلا أنه يحسب المصريين نجاحهم في تشغيل تلك القناة وبثها عن طريق طاقم من الفنيين ومترجمي اللغة العبرية الشبان من الجنسين وعدد من الخبراء وهو ما يدق "جرس خطر" واضح يجب الحذر منه والاعتراف بأن المصريين حققوا سبقا إعلاميا متميزا لهم شاهده العالم كله واطلع عليه. إلا أن العزاء الوحيد لنا هو اقتراب موعد تدشيننا للقناة العربية الجديدة الخاصة في التليفزيون الإسرائيلي وهي القناة التي ستعتمد على طاقم محررين ومذيعين يجيدون اللغة العربية إجادة تامة ومتميزة إلى حد كبير، ومن المقرر أن يبدأ بث تلك القناة خلال شهر فبراير المقبل حسبما أطلعني أكثر من مسؤول وصرح به لوسائل الإعلام المختلفة. وستقوم تلك القناة بالطبع بتشريح المجتمعات العربية بمختلف جنسياتها وأصولها. وهذا أمر هام للغاية خاصة في ظل أحداث العنف الإرهابي ( الانتفاضة ) التي اندلعت خلال العام 2000 ومستمرة حتى الآن، فضلا عن بروز أكثر من دولة معادية لنا ولتوجهاتنا وسط العرب،وهو ما يفرض علينا معرفة وإدراك الطريقة التي يفكرون بها حتى نستطيع في النهاية مجاراتهم ومعرفة طريقة تفكيرهم والتغلب عليهم في النهاية. وتلك القناة ستكون وسيلة جيدة من أجل تحقيق ذلك النصر في النهاية وإطلاعنا بصورة متواصلة على جميع التطورات السياسية والاجتماعية والفكرية داخل المجتمعات العربية المختلفة. ومن المنتظر أن تعتمد تلك القناة الجديدة أيضا على قاعدة تكنولوجية قوية لا تتوافر في أي تليفزيون أو جهاز إعلامي عربي آخر لأن إسرائيل وصلت إلى مرحلة متطورة للغاية في مجال التكنولوجيا لم تصل إليه أي دولة عربية أخرى، فعلى سبيل المثال أنشأت شركة "مايكروسوفت" فرعا خاصا لدينا لتصنيع المكونات التكنولوجية وتصديرها بعد ذلك، وكذلك شركة "كومباك" العالمية ونفس الأمر مع شركة "انيتيل" وجمع تلك الشركات حضرت إلى إسرائيل لكي تستثمر فيها وتكون قاعدة جيدة لها في الشرق الأوسط مركزها إسرائيل ، وهو أمر يدل على مدى تطورنا الكبير. وهذا التطور اعترف به عدد كبير من العرب أنفسهم مثل العالم الأمريكي ذي الأصل المصري "أحمد زويل" الفائز بجائز "نوبل " للعلوم ، الذي قضى أكثر من عام في إسرائيل يقوم بتدريس العلوم الحديثة لطلابنا في المعاهد العلمية المختلفة. وقد حصل زويل على جائزة إسرائيل للعلوم من الطبقة الأولى من معهد وايزمان أحد أشهر المعاهد العلمية، ليس فقط في إسرائيل ، بل في العالم كله واعترف زويل أكثر من مرة بمدى التطور العلمي الكبير الحادث في إسرائيل غير مكترث على الإطلاق بالانتقادات الشديدة التي وجهت له وعنفته لقيامه بتلك الزيارة، وان رده دائما أن إسرائيل تمتلك تقنية تكنولوجية وأساسا علميا لا يوجد في أي دولة أخرى بالشرق الأوسط. الأمر الذي يؤكد أنه مهما ساءت العلاقات السياسية بينا وبين أي دولة فإن تقدمنا العلمي سيجبرها على التعاون معنا، وفتح آفاق جديدة لتلك العلاقات مع كافة الأطراف التى ستضطر لاستخدام تقنياتنا وعلومنا المختلفة المتطورة والرخيصة عن أي دولة أخرى تتعامل معها تلك الدول. وأيا كان الأمر فإن بلدنا الجميلة إسرائيل حققت تطوراً كبيرا في المجال التكنولوجي والمعلوماتي وهو ما يحقق في النهاية تطوراً ونصراً إعلاميا كبير لصالحنا. وهو النصر الذي سيستمر في التحقق ما دمنا نمتلك وسائل تقنية متطورة تعجز أي دولة عربية عن امتلاكها." النموذج الرابع: وهذا النموذج يمثل صوتا نقديا خاصا متميزا لمعلم يعمل في مستوطنة "كريات شمونة" ويدعى "يوسف رحموني" وهو مبثوث على موقع صحيفة معاريف على الانترنت في 7/4/2005 بعد وفاة بابا الكاثوليك يوحنا بولس الثاني وعنوان المقال" هل نقتل كل العالم؟" يقول فيه يوسف حرموني:" الآن بعد وفاة البابا يوحنا بولس الثاني، عادت إلى ذاكرتي أحد الأقوال البشعة التى كتبها"موشيه فيجلين"الكاتب والزميل المحترم ،والذي أحترمه برغم تطرفه ، حيث قال إبان زيارة البابا لإسرائيل " إن البابا بزيارته لإسرائيل قد دنس الأرض المقدسة ، واختار بالذات زيارة جبل البيت لكيي يستهزئ بإسرائيل ". وبقدر ما فسرت أقوال فيجلين آنذاك، على أنها رد فعل طبيعي للجمهور المتدين المتطرف الهامشي الذي يرفض نسيان الخلاف التاريخي بين اليهود والمسيحيين، بقدر ما أثبتت تلك الأقوال أن هناك بالفعل خطرا حقيقيا يمنع إسرائيل من التقارب مع الفاتيكان ، فالحاخام حنا نثيل أتورج، وهو أحد أهم الحاخامات في المستوطنات سبق أن صرح بأن " المسيحية تشبه خنزيرا ينزع أظافره، تعبيرا عن دناسته الداخلية، بل إنها أفعى تنفح برازها الذي يتسلل إلى قلوب أبناء شعب الرب "... وكذلك الحاخام روبي فايندورف" الذي قال :" كل الثقافة التى تتمجد بالأكاذيب يجب أن تنفى من العالم ...هؤلاء الأغيار ناكرو الرب ، ملزمون بأن يتحملوا نتيجة جحودهم." إن هذه الكراهية اللاذعة والاحتقار الدنيء، ورؤية الغير من خلال الطاهر الذي يخشى الدناسة – كما رأي فيجلين زيارة البابا – تصل أحيانا إلى قمة الفكر الدينى المتطرف وتخلق جوا من التطرف البشع الذي لا يمكن علينا أن نتحمله. والواقع، فإن هذه الأقوال يتأثر بها العديد من الشباب، وبخاصة صغار السن ممن يدرسون في المعاهد والمراكز الدينية اليهودية، ويكفي أن إحدى هذه المدارس، وتدعى مدرسة القبعة المقدسة، أكدت في بيان لها أن الحل لمواجهة الجوييم أو الأغيار هو قتلهم، بل والتخلص منهم حتى لا يملأوا العالم بدناستهم، وهي الدناسة التى نحاربها منذ أن تم اختيارنا كشعب مختار من بين كافة الشعوب والقبائل لكي نكون موحدين. وأؤكد للأصدقاء الأعزاء من المتشددين أنني أحترم آراءهم، بل وأقول عن هذه الآراء، وبلا شك، تثرى الواقع الديني وتجعل الفرد ملتزم بيهوديته ... ولكن لا يجب أن تذهب الأمور إلى هذا الحد من التطرف . لأنه تطرف قد ينتهي بأبنائنا لأن يسيروا في طرق يجئال عامير" مرة أخرى ، والذي انتهى به بقتل رئيس الوزراء الراحل "إسحاق رابين". والمثير أن عدد من الدراسات الاجتماعية التي صدرت عن مراكز أبحاث إسرائيلية محترمة ،سواء في إسرائيل أو في العالم ، أكدت أن ما قام به عامير يعد نتيجة طبيعية للتطرف الدراسي في إسرائيل ، وهو التطرف الذي دفع بهذا الشاب اليهودي القادم من الضلع الطاهر [ وهو تعبير يقصد به أنه من نسل يهودي طاهر غير نجس ] إلى الجنوح لهذا العنف وقتل السيد رابين، أي أن هذا التعليم زرع في هذا الشاب أن يقتل شخصا لمجرد أنه قام باتفاق سياسي رأي هذا الشاب أنه اتفاق ظالم وفاسد وغير شرعي من وجهة نظره. إذن نحن أمام مشكلة كبيرة للغاية في إسرائيل وهي مشكلة التعليم المتطرف، هذا التعليم الذى يطالبنا بأن نقتل الغير لمجرد أننا نختلف معه، وهو ما يزرع بذور التطرف الحاد بين صفوفنا . ومن ثم . لا يجب أن نصمت عنه مهما كلفنا الأمر." الدروس المستفادة يتضح من النماذج السابقة أن الإعلام الصهيوني في نظر أصحابه كان وما يزال معبودا قويا قادرا على إبادة الخصوم، وقهرهم، وإخضاعهم التام لمشيئة "هذا الشعب المختار !!" غير أن هذا المعبود الأجوف لا يختلف كثيرا عن إلههم القديم الذي صنعه لهم موسى السامري من الذهب المسروق أي أنه في نهاية المطاف :" عمل جسد له خوراً!!" وما أقل ما ينفع خوار العجول أصحاب العجول فضلا عن أن يؤثر في أصحاب العقول"!!. غير أن الإنصاف يقتضينا أن نطالب مؤسسات الإعلام العربية بفتح أبوابها بقوة أمام تيارات المعارضة الشعبية، والقوى الراديكالية لكي تعبر عن آرائها، ولو في بريد القراء – حتى تكون المعركة الإعلامية متكافئة بين الطرفين : العربي والعبري !!.