"عروستي" و"الأراجوز" و"مسرح الطفل".. أسماء علقت بأذهان الأطفال فى تسعينيات القرن الماضى وأوائل الألفية الجديدة، واكتسبت لنفسها مكانة فى تاريخ التراث الأدبى المصري، غير أنها باتت الآن مجرد ذكريات يتغنى بها الآباء لأبنائهم، فما سبب اختفائها ومن المسؤول عن هذا التدهور وما السبيل إلى إحياء هذا التراث من جديد؟ الأديب نشأت المصري، هو شاعر وكاتب أطفال له أكثر من 100مؤلف فى أدب الطفل، وحصل على عدة جوائز أدبية، منها جائزة الدولة التشجيعية وجائزة اتحاد الكتاب فى مجالى الشعر والرواية، يرى أن اندثار أدب الطفل فى مصر على وجه الخصوص والعالم العربى بوجه عام ليس وليد مرحلة بعينها، بل هو نتاج إهمال امتد لسنوات. وقال المصري فى حواره مع "المصريون"، إنه يمكن من خلال أدب الطفل زرع قيمة إنسانية عامة وأسس علمية داخل الطفل، قد تُحدث فيما بعد نهضة علمية على قاعدة عريضة من الناس، فالتقدم العلمى يجب أن يكون على مستوى جميع العلوم. وإلى نص الحوار.. من وجهة نظرك.. لماذا غابت الأعمال الإبداعية الخاصة بالطفل؟ يرجع هذا الأمر لسبب قديم وهو عدم تقدير الدولة والصف الأدبى بشكل عام لكاتب الطفل وتصنيفه على أنه كاتب من الدرجة الثانية سواء فى المعاملة المادية أو التقدير الأدبي، كما هو الحال فى الإذاعة والتليفزيون، فهم لا يتعاملون مع كاتب الأطفال بالشكل الملائم، والسبب الآخر لهذا هو أن أدب الطفل يحتاج إلى نوع من الإخلاص والتفرغ للحصول على نوع من الإبداع والتجديد، خصوصًا أن كتاب الأطفال حاليًا لا يزالون يعزفون على أنغام قديمة ليس بها أى تجديد، بينما يركز عدد كبير منهم على التراث، التركيز على التراث هو أمر جميل لكن لا بد من التركيز على كيفية تقديم ذلك التراث بما يتناسب مع روح العصر. هل أضاعت السياسة حقوق الطفل الثقافية والفنية بسيطرة همومها على الحياة العامة؟ الاهتمام بالجانب السياسى التهم الساحة المخصصة لأدب الطفل بما فيها النوافذ الشبه حكومية كهيئة قصور الثقافة، وعلى سبيل المثال كانت مجلة قطر الأسبوعية، ثم بدأت تصدر كل أسبوعين، وبالتأكيد هذا الأمر لصالح بعض المطبعات السياسية ومجاملة لبعض الشخصيات، كان لهذه السياسية عامل فى ضياع أدب الأطفال رغم أن مستقبل الطفل ليس ببعيد عن مستقبل السياسة، وبالإمكان تعريف الطفل بالكثير من المصطلحات السياسية التى هو بحاجة إليها بطريقة مبسطة وسلسلة من خلال الأدب المخصص له، وهذا الأمر مهم جدًا فى بناء شخصية الطفل لكنه يتطلب نوعًا من الوعى والتعقل بعيدًا عن الانحياز القميء لأفكار معينة ضد أفكار أخرى هل تتصورون على سبيل المثال أن مقدار معرفة الطفل المصرى يعادل عشر مقدار معرفة الطفل الإسرائيلي، وذلك نظرًا لأن ما يقدم للطفل الإسرائيلى يعادل عشرة أضعاف ما يقدم للطفل المصري، وهذا الأمر له مردود ثقافى وعلمي، حيث يمكن من خلال أدب الطفل زرع قيمة إنسانية عامة وأسس علمية داخل الطفل قد تُحدث فيما بعد نهضة علمية على قاعدة عريضة من الناس، فالتقدم العلمى يجب أن يكون على مستوى جميع العلوم.
ما السبب وراء تراجع الدولة وغياب مسؤوليتها تجاه هذا الأمر؟
دور الدولة فى هذه المسألة كان متراجعًا حتى منذ أيام سوزان مبارك، وكان الأمر حينها يتم بشكل دعائي، لهذا نجد أن التركيز كان منصبًا على طفل المدينة، الذى فى اعتقادي، ليس بحاجة كبيرة لهذه الخدمة، بينما طفل الشعب فى النجوع والقرى لا يحصل على هذه الخدمة بشكل مؤثر، كما أن للمدرسة دورًا مهمًا فى هذا الأمر، فالمناهج المهتمة بالطفل داخل المدارس قليلة جدا وليست مقدمة بالشكل المرجو، وأحيانا تتضمن مغالطات تاريخية، فعلى سبيل المثال المناهج التعليمية للمرحلة الابتدائية تم تعديلها مؤخرًا لخدمة التيار السياسى وليس من أجل الارتقاء بمستوى الطفل، مما يعكس عدم وجود خطة علمية فعلية لخدمة العلم وبات العلم فى مصر والعالم العربى بوجه عام خادمًا للسلطة. فى نظرك.. كيف يمكن إعادة الاعتبار لثقافة الطفل وحقوقه الفنية؟ علينا البدء من المدرسة، فهى الشيء الملموس الذى يمكن أن ننطلق بسرعة من خلاله، وذلك بتخصيص ميزانية أعلى لأنشطة الأطفال، والنقطة الأخرى هى تقليص الاندفاع لسياسة المدارس الأجنبية، التى أصبحت تسيطر على المناخ الدراسى فى مصر، لهذا لا بد من أن نعيد للمدارس الحكومية اعتبارها، وهو الأمر الذى يتطلب رصد أموال لتقليص عدد الطلاب داخل الفصل الواحد لتقديم خدمة تعليمية أفضل، بمعنى أن الأمر له بُعد اقتصادى بجانب الجانب الأدبى أو الجانب الخاص بالمناهج الدراسية، فواضعو المناهج التعليمية فى مصر يرتكزون فى نهجهم على نوع من المجاملة، بينما نحن بحاجة إلى تربويين بمقدورهم تطوير هذه المناهج بعيدًا عن المناخ السياسي. البيت أيضًا له عامل كبير فى هذه المسألة، فالأب والأم لا يقرآن وبالتالى يرتبط الطفل منذ الصغر بالإنترنت، ويقتصر مفهوم الكتاب عنده على الكتاب المدرسي، لهذا من الممكن أن تنفذ الدولة حملات توعية وتكوين مكتبة داخل البيت، وبالتالى سيعتاد الطفل على القراءة منذ الصغر. هل ترى أن إحياء الفعاليات الثقافية من مسارح وحفلات إلى ما شابه سيسهم فى القضاء على الظواهر السلبية التى انتشرت مؤخرًا بين الأطفال؟ بالتأكيد، وخصوصًا النشاط المسرحي، نظرًا لأنه يؤثر مباشرة فى الطفل ويتفاعل معه، وأعتقد أن وزارة التربية والتعليم تضم قسمًا لرعاية النشاط المسرحي، لكنه يعمل بشكل روتيني، ويكاد يكون توقف تمامًا منذ فترة كبيرة بناء على غياب النشاط المسرحى بالمدارس، لهذا لا بد من إعادة أحياء هذا النشاط، والأمر لا يتطلب تكلفة كبيرة، فكل ما يحتاجه هو مكان ملائم مزود بتجهيزات بسيطة. هل لديك كلمة أخيرة تريد أن تقولها؟ أرى أن مشكلة الطفل هى جزء من مشكلة الثقافة العامة التى أصابها نوع من التردى والتدهور، وهو الأمر الذى ينعكس فى أوساط خريجى الجامعات الذين يعانى جزء كبير منهم من ضحالة فى العلم والثقافة، وأصبح الأمر بالنسبة لهم مجرد مسألة نجاح أو سقوط، على عكس ما هو متعارف عليه فى المدارس بالدول المتقدمة، لهذا أقترح أن نطلع على الجوانب العلمية فى المدارس الأجنبية، بل ونقلها كما هى واقتباس الجوانب الأخلاقية والنظرية بما يتوافق مع مجتمعنا على أيدى أناس مخلصين، كما أننا بحاجة إلى جرأة فى تغيير المناخ المدرسى وتجديده، وهذا الأمر مرتبط بالتيارات السياسية، ففكرة القهر فى حد ذاتها، تمنع المواطن العربى من تطوير ذاته، وبالتالى تحرم المجتمعات العربية من مكاسب كثيرة.