وقع في متناول يدي كتاب غاية في الأهمية وهو " مصرية في بلاد الأفغان " للدكتورة عفاف السيد زيدان وتعتبر المؤلفة أول باحثة من بلاد العرب تذهب لنيل درجة الدكتوراه من جامعة كابل بأفغانستان وكان ذلك في عام 1968 من القرن المنصرم وكان يحكم البلاد أيامها الملك " محمد ظاهر شاة " وكانت رسالتها لنيل درجة الدكتوراه عن الأدب والشعر الفارسي وموضوعها شعر وعصر " فرخي سيستاني " وعندما تصفحت الكتاب وجدت أن المؤلفة والتي أفاضت في ذكر وبداية رحلتها إلي أفغانستان حيث وقتها لم تكن هناك حروب ولا إرهاب ولا منازعات علي السلطة وقد وصمت هذه البلد بعد ذلك وأصبحت عنوان للإرهاب والقتل والتي لم تعرفه منذ أن فتحها عثمان بن عفان 23 ه وفي أسلوب أدبي بليغ ورائع تروي لنا المؤلفة بداية سفرها وتركها ابنها الوحيد أئنذاك محمد وعمره عام وتجشمت الصعاب حتى وصلت إلي أفغانستان وقصت وروت لنا في كتابها الكثير والكثير عن هذا البلد من طبيعة الأرض والهضاب والجبال والطقس والأكلات والمطاعم والفنادق ...الخ . وقد وصفت الشعب الأفغاني بأنه شعب مضياف وكريم وكيف يستقبل الضيف وكيف يسعده وكيف يبذل كل طاقته حتى لا يجعل الضيف لا يشعر بأي غربه وقد شرحت مكان أقامتها أثناء البعثة في فيلا رجل فاضل اسمه محراب الدين خان والذي كان وكيلا لوزارة المعارف الافغانية حيث قضت أغلب سنوات بعثتها في بيت هذا الرجل والذي أكرم وفادتها هو وعائلته خاصة ابنته فائزة وقد وصفت هذا الرجل بأجل وأجمل الصفات الإنسانية وكيف بها عندما أتاها خبر وفاته في حادث هو وأولاده الذكور كيف استقبلت هذا الخبر والذي كان وقعه شديد الوطأة عليها وبكت عليه ومكثت حزينة عليه إلي يومنا هذا وقد قصت أيضاً الكثير من الخواطر والذكريات المتنوعة عنه وعن عائلته ولقد تأقلمت المؤلفة وتعودت الحياة مع الأفغان واتقنت لغتهم وكم أحبتهم وأثروا فيها تأثيراً بالغاً وكيف أن حبها لهم جعلها في صبر وسلوي وعزاء دائم في فراق ابنها الوحيد محمد الذي تركته في مصر ثم قصت لنا وروت عن جميع القبائل الافغانية من البشتون والناجيك والعزارة والازبك والتركمان ثم عرجت إلي موضوع التماثيل والتي اعتبرتها من أجمل ما رأت من الآثار في هذا البلد وأن حكومة طالبان كانت ضحية مؤامرة أمريكية لغزو البلاد وتحدثت أيضاً عن كيف أن الشعب الافغاني كان حزين وأسيف علي مصر وهزيمتها في 1967 ثم بعد ذلك انتهت رحلتها من أفغانستان وعادت حاملة الدكتوراه إلي أرض الوطن ولأبنها محمد وأسرتها وقد وصفت أفغانستان ولخصتها متمثلة في مدينة غزني بلد السلطان خليل فقالت لقد تحولت إلي خرائب بفعل أربع قوي عالمية لم ترحمها الأولي قوة المغول وقائدهم جنكيز خان عام 68 ه والذي قضي علي الإسلام والمسلمين والثانية جيوش الإنجليز في القرن التاسع عشر- والثالثة جيوش الاتحاد السوفيتي عام 1979 والرابعة الجيوش الأمريكية 2001 م فدمرت أفغانستان تدبيرا شاملاً. قاربت السطور علي الانتهاء ولأن المقال لا يتسع لعرض هذا الكتاب والسفر العظيم إلا أنني لا أملك إلا أن أحي المؤلفة والتي أصبحت بعد ذلك عميده كلية الدراسات الإنسانية جامعة الأزهر ثم أحيلت إلي المعاش وأختم يا أبيات لأبو تمام استوحتها المؤلفة من واقع معايشتها للشعب الافغاني ونقلتها في كتابها وهي تعبر عن لسان حالها عن أيامها في أفغانستان . مضت سنون بالوصال وبالهنا فكأنها من قصرها أيام ثم انثنت أيام هجر بعدها فكأنها من طولها أعوام ثم انقضت تلك السنون وأهلها فكأنها وكأنهم أحلام