لا شك أن الحكومة المصرية لديها نظرة شديدة الايجابية ومليئة بالتفاؤل والثقة تجاه الاستثمار الأجنبي وأهمية اجتذابه إلى مصر لسد الفجوة بين الادخار القومي والاستثمارات اللازم القيام بها لتحقيق النمو الاقتصادي ، ولسد الفجوة الناتجة عن انسحاب الدولة من النشاط الاقتصادي المباشر وقصر دورها على الرقابة والتنظيم وتهيئة المناخ اللازم لزيادة الاستثمار الخاص المحلى والأجنبي على السواء . غياب أسواق رأس المال وما لها من أهمية كونها تؤدي وظيفة الوسيط في الآجال القصيرة والمتوسطة، والطويلة بين الممولين والمستثمرين فهي توفر السيولة النقدية لمواجهة احتياجات الطلب على النقود وتكمن أهميتها في مصر بعد أن تم إلغاء دور بنوك التنمية الاقتصادية مثل البنك الصناعي والبنك الزراعي، وبنك الإسكان والتي كان لها دور هام في عملية التنمية نظراً لما تقدمه من قروض ميسرة تستخدم في المشاريع الاستثمارية التي توفر فرص العمل ومن الأهمية القول بأن سوق رأس المال وضرورة وجوده يؤخذ بمفهوم المقارنة بالبلدان الأخرى التي تقدم التسهيلات للمستثمرين وتعمل على جذبهم. وليس هناك وثيقة واحدة شاملة يمكن التعرف منها على موقف الحكومة بالتفصيل من هذا النوع من الاستثمار الأمر الذي يتعين معه البحث عما يرد بخصوص الاستثمار الأجنبي المباشر في عدة مصادر تعكس في مجملها وجهة نظر الحكومة المصرية. إذا كان اجتذاب رأس المال الأجنبي قرار قد تم اتخاذه ، فمن المهم التعرف على اتجاهات رأس المال الأجنبي خلال السنوات السابقة من حيث حجمه ومدى انتظام تدفقه، ومن حيث توجهاته الجغرافية والمناطق التي يفضل التوجه إليها، و القطاعات الاقتصادية التي يفضلها، ليمكن بالتالي التعرف على أهم الآثار المتوقعة على تدفقه في ظل الأزمة الحالية ، ومدى انعكاسات هذه الأزمة على التوجهات الأساسية لرأس المال الأجنبي وعلى ما ينبغي أن يتسم به من شفافية وتنافسية في الدول المضيفة. توجد العديد من العوامل المحددة لقرار الاستثمار تختلف في أهميتها باختلاف طبيعة المشروع الاستثماري وجنسية المستثمر. إذا افترضنا جدلاً بأن هدف المستثمر هو الحصول على أعلى أرباح ممكنة من المشروع الاستثماري بالتالي نجد أن الأرباح تعتمد بصفة أساسية على الإيرادات المتوقعة من المشروع والتكاليف المتحملة لإنشاء وتشغيل ذلك المشروع. أستخدم الاقتصاديون معايير مختلفة لقياس ربحية المشروعات تتمثل هذه المعايير في ما يعرف بالقيمة الحالية لصافي المتدفقات النقدية ومعدل العائد الداخلي والكفاءة الحدية لرأس المال والكفاءة الحدية للاستثمار كل هذه المعايير تعكس مدى ربحية المشروع، هذه المعايير جميعها معايير اقتصادية بحته، فهي جزء من عوامل أخرى تشكل ما يعرف بمناخ الاستثمار إن دراسة زيادة إنتاجية الشركات المحلية نتيجة وجود الشركات الأجنبية يحتاج إلى معلومات اقتصادية جزئية تفصيلية عن الشركات كمية وكيفية لعدة سنوات ولمجموعة كبيرة من الشركات. العديد من الدراسات أوضحت الآثار الخارجية للاستثمار الأجنبي فيما يتعلق بالروابط الأمامية والخلفية التي تخلقها الشركات الأجنبية، تدريبها للعمالة المحلية والأثر التوضيحي بأن تكون نموذج إنتاجي. يتمتع المشروع الإستراتيجي (مشاريع البنية التحتية) بميزة الإعفاء من ضريبة أرباح الأعمال لمدة لا تزيد عن عشره سنوات يبدأ إنفاذها من تاريخ بدء الإنتاج التجاري أو مزاولة النشاط. أهم ركائز الاستثمار وهي نقاط تعكس تحديدا غير كامل للمطلوب من القطاع الخاص الذي يشمل بالضرورة الاستثمارات الأجنبية المباشرة . وقد وتمثل أهم هذه الركائز – فيما يتعلق بموضوعنا - فيما يلي: أ – تأكيد الدور المحوري لاستثمارات القطاع الخاص في الإنتاج السلعي والخدمي، الأمر الذي يتطلب توفير أنظمة متطورة لحوافز الاستثمار والاستمرار في تطوير مناخ اقتصادي قائم على استقرار السياسات الاقتصادية وكفاءة المؤسسات والتشريعات. فتح المجال أمام القطاع الخاص للاستثمار في البنية الأساسية.والسير قدما في تنفيذ برنامج الخصخصة والتركيز على المشروعات الصغيرة والمتوسطة ونشرها بالمحافظات والاستثمار في خطوط إنتاج سلعي وخدمي موجهة للتصدير وأخري لإشباع حاجة السوق المحلية حتى لا يتحول الإنتاج المخصص للتصدير إلي السوق المحلية. في السّنوات التالية ، انخفضت الاستثمارات في ميدان المناجم ، وهذا راجع لتأميم الكثير من الشركات في الدول النامية . كما أنّ الاهتمام بالاستثمار في قطاع الخدمات قد ارتفع ، والاهتمام بالصناعات أخذ صبغة خاصّة ، حيث توجه الاستثمار الأجنبي نحو الصناعات الصيدلية ، الكيماوية ، الالكترونية والغذائية ، إضافة إلى صناعة السيارات . أمّا صناعات الأقمشة و الورق ، فقد كان الاستثمار فيها يعرف انخفاضا ملحوظا . وتستند وجهة نظر الكلاسيك في هذا الشأن إلى عدد من المبررات يمكن تلخيصها فيما يلي : 1 - صغر حجم رؤوس الأموال الأجنبية المتدفقة إلى الدول المضيفة بدرجة لا تبرز فتح الباب لهذا النوع من الاستثمارات . 2 - تميل الشركات متعددة الجنسيات إلى تحويل أكبر قدر ممكن من الأرباح المتولدة من عملياتها إلى الدولة الأم بدلا من إعادة استثمارها في الدول المضيفة . 3 - قيام الشركات متعددة الجنسيات بنقل التكنولوجيا التي لا تتواءم مستوياتها مع متطلبات التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية بالدول المضيفة . 4 - إن ما تنتجه الشركات متعددة الجنسيات قد يؤدي إلى خلق أنماط جديدة للاستهلاك في الدول المضيفة لا تتلاءم ومتطلبات التنمية الشاملة في هذه الدول . 5 - قد يترتب على وجود الشركات متعددة الجنسيات اتساع الفجوة بين أفراد المجتمع في ما يختص بهيكل توزيع الدخول ، و ذلك من خلال ما تقدمه من أجور مرتفعة للعاملين فيها بالمقارنة بنظائرها من الشركات الوطنية ويترتب على هذا خلق الطبقية الاجتماعية . 6 - إن وجود الشركات الأجنبية قد يؤثر بصورة مباشرة على سيادة الدولة المضيفة واستقلالها من خلال : •اعتماد التقدم التكنولوجي ففي الدول المضيفة على دولة أجنبية . •خلق التبعية الاقتصادية أو الاعتماد على الدولة الأم للشركات الأجنبية . •قد تمارس الشركات متعددة الجنسيات الكثير من الضغوط على الأحزاب السياسية في الدول المضيفة و هذا ما يخلق التبعية السياسية . * النظرية الحديثة * تقوم هذه النظرية على افتراض أساسي مؤداه أن كلا من طرفي الاستثمار أي الشركات متعددة الجنسيات و الدولة المضيفة يربطهم علاقة المصلحة المشتركة . فكل منهما يعتمد أو يستفيد من الآخر لتحقيق هدف أو مجموعة من الأهداف المحددة . و بمعنى آخر أنه لا يوجد مباراة من طرف واحد كما افترض الكلاسيك . ولكنها مباراة ذات طابع خاص يحصل كل طرف فيها على الكثير من العوائد . غير أن حجم وعدد ونوع العوائد التي يتحصل عليها كل طرف تتوقف إلى حد كبير على سياسات واستراتيجيات و ممارسات الطرف الآخر بشأن الاستثمار الذي يمثل أساس وجوهر العلاقة بينهما . ويرى أصحاب هذه النظرية أن الاستثمار الأجنبي المباشر في الدول المضيفة يساعد في تحقيق الآتي : 1 - الاستغلال و الاستفادة من الموارد المادية و البشرية المحلية المتاحة و المتوفرة لدى هذه الدول . 2 - المساهمة فيخلق علاقات اقتصادية بين قطاعات الإنتاج و الخدمات داخل الدولة المعنية مما يساعد في تحقيق التكامل الاقتصادي بها . 3 - خلق أسواق جديدة للتصدير و بالتّالي خلق و تنمية علاقات اقتصادية بدول أخرى أجنبية . - 4 - تقليل الواردات . - 5 - تحسين ميزان المدفوعات للدول المضيفة . 6 - تدفق رؤوس الأموال الأجنبية - 7 - المساهمة في تدريب القوى العاملة المحليّة . 8 - نقل التقنيات التكنولوجية في مجالات الإنتاج و التسويق و ممارسة الأنشطة و الوظائف الإدارية و غيرها . 9 - أنّ تحقيق التقدم الاقتصادي و السياسي و الاجتماعي في الدول المضيفة يتوقف إلى حد كبير على المنافع السابقة . وجدير بالذكر أن وجهة نظر رواد النظرية الحديثة يؤيدها الكثير من الأدلة و البراهين العملية . فمن ناحية نجد أن حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة المتدفقة إلى الدول النامية ( من دول المجموعة الأوروبية وحدها ) بلغ حتّى عام 1981 حوالي 14640 بليون دولار . ومن ناحية أخرى ، فان تنافس الدول النامية لجذب الاستثمارات الأجنبية إلى أراضيها أصبح حقيقة يفرضها واقع ما تقدمه هذه الدول من ضمانات متعددة و امتيازات و تسهيلات مختلفة للشركات الأجنبية و متعددة القوميات . صحيح يجب الاعتراف بوجود تعارض أو عدم تطابق بين أهداف الشركات متعددة الجنسيات و الدول المضيفة و لكن الجدل حول عدم جدوى العلاقة بين هذين الطرفين قد يجانبه الكثير من أوجه الصواب و الموضوعية . وفي هذا الشأن يشير كل من زينوف و نيجاندي و باليجا Zenoff et Negandhi et Baliga إلى الأتي : - 1 - إن الدول المضيفة لكي تحقق أكبر قدر ممكن من المنافع أو لكي تعظم عوائدها ، فإنها تحاول فرض شروط معينة على الشركات متعددة الجنسيات لكي تزيد من فرص التوظيف ، و المساهمة في تنمية الموارد البشرية ، و القيام بسلسلة من البحوث و التطوير في مجالات البيع و الإنتاج ، و تشجيع المشاركة الوطنية في الاستثمار ، و تنمية الموارد المحلية و استغلالها ، و تحسين المنتجات وزيادة الصادرات ، والحد من الواردات . - 2 - في نفس الوقت نجد أن الشركات متعددة الجنسيات تطلب من الدول المضيفة الحد من الإجراءات البيروقراطية ، و توفير كافة الخدمات المرتبطة بالبنية الأساسية ، و تحسين الشروط و القوانين الخاصّة بالعمل ، و تخفيض الرقابة على النشاط التسويقي و الإنتاجي و غيرها من الأنشطة . هذا بالإضافة إلى السماح بالتملك المطلق لمشروعات الاستثمار . وإذا نظرنا إلى المتطلبات أو الشروط السابقة باعتبارها أنماطا مختلفة لتوقعات كل طرف من الآخر ، فان ضيق أو اتساع فجوة عدم تطابق توقعات الدولة المضيفة و الشركات متعددة الجنسيات يتوقف إلى حد كبير ليس فقط على نوع و طبيعة أهداف كل طرف ولكن أيضا على درجة الفهم المتبادل لطبيعة المصلحة المشتركة بينهما. ويرجع ذلك إلي الثقافة الاستهلاكية للمجتمع والتي تختلف كثيرا من بلد إلى آخر، فعلى سبيل المثال قد تكون سلعة معينة كمالية في مجتمع ما ولكنها تعتبر ضرورية في مجتمع آخر. كذلك يلعب التطور الكبير والمتسارع في مجال التكنولوجيا ووسائل الإعلام وانتشار مراكز التسوق الحديثة التي تتوفر فيها العديد من وسائل الترفيه دورا كبيرا في تحفيز السلوك الاستهلاكي.