عندما ثار الشعب في 25 يناير؛ لم يثُر لخلع الطاغية فقط.. وإنما لتحسين المعيشة، واسترداد الكرامة. ويعتبر طريق بلبيس- الزقازيق من أهم الأدلة على تدهور الكرامة الإنسانية، سواء في زمن المخلوع، أو حتى بعد الثورة المباركة!. فهذا الطريق مثال حي لتغلغل الفساد وانعدام الضمير وانهيار الرقابة وإذلال المواطن لسنوات طويلة.. إذ تنفق على رصفه الملايين ثم نفاجأ بتحوله إلى ما يشبه (العَجْوة)، وينقلب إلى مرتفعات ومنخفضات (خطرة)، تعطل السير وتستهلك السيارات وتبدد العملات الصعبة في استيراد قطع الغيار وتسبب الحوادث؛ والحكومة والمحافظة بلا حس ولا خبر، لأن المواطن المسكين هو آخر ما تفكر فيه الحكومة. وقد ظل الحال هكذا لسنوات طويلة رغم أهمية الطريق.. وعندما (اختشوا) وقرروا إعادة رصفه منذ ثلاث سنوات، ظلت ثقافة إهمال المواطن وإهانته كما هي، وكأنهم يعاقبوننا عمدا بحجة تمهيد الطريق لنا!. ففي الدنيا كلها يتم الرصف بمعزل عن السيارات والمارة، بتدبير طريق بديل لجزء من المسار وإنشاء (تحويلة) مؤقتة لإبعاد السيارات عن عمليات الرصف التي ينبغي أن تتم في هدوء ودون مضايقات من حركة المرور، وفي الوقت نفسه تحفظ كرامة المواطن بتدبير طريق آدمي له، حتى وإن كان ضيقا وبطيئا، ولكنه ممهد وصالح للسير. ويتم إحاطة الجزء الخاضع للرصف بسياج مؤقت لمنع إزعاج الطرفين: عمال الرصف، وقادة السيارات. وهذا يتم في كل الدول التي تهتم بحفظ كرامة الإنسان، ويؤدي إلى رصف جيد مطابق للمواصفات العالمية؛ التي ليس لها وجود في بلادنا. ونعتقد أنه لو تم الرصف بهذه الوسائل المتحضرة لأنتج الرصف طريقا آدميا يعيش لعشرات السنين.. ولكن الواقع المؤسف يظهر بمجرد استخدام الطريق؛ إذ يعود إلى سابق عهده حيث المرتفعات والمنخفضات الخطرة؛ وكأنه مصنوع من العجوة!!. وهذا يفتح الباب لمناقشة قضية الرصف (الشائكة).. فالعبرة والإنجازات التي يتغنى بها الإعلام لا تكون (بالَكم) ولكن بالكَيْف والجودة، خصوصا في مجال الرصف. وبمقارنة الطرق المرصوفة في مصر بالطرق التي نراها في الدنيا كلها.. فإنني أزعم أنه لا يوجد في مصر كلها طريق واحد مطابق للمواصفات العالمية!، وليت أحد يدلني على طريق واحد (مُجرَّب) مطابق. وأقرب مثال أراه يوميا: طريق جنيفا بمدينة الشروق الذي صدَّعونا به وتم ترميمه مرتين خلال شهرين من الرصف! وعادت إليه الحُفر، أو طريق الإسماعيلية الصحراوي الذي ظهرت به المنخفضات والمطبات الخطرة قبل مرور عام واحد على رصفه وتوسيعه، ولم يحاولوا حتى صيانته، لأنهم لا يؤمنون بالحكمة القائلة (إذا بُليتم فاستتروا)!!!. أما ما يحدث أثناء الرصف بالأماكن المأهولة فلا يمت للآدمية بِصِلة: رصف عشوائي دون خطة أو تواصل، إذ تجد جزءا مرصوفا لمسافة طويلة يتوسطه جزء غير مرصوف وغير ممهد للسير!، وتفاجأ بانقطاع الرصف فجأة وتجد نفسك في منخفض عميق مكدس بمواد الرصف دون تحذير، ثم تفاجأ بزلزلة السيارة لظهور قطعة أخرى مرصوفة ومرتفعة. والأسوأ أنك تسير فوق مواد الرصف بدرجاتها المختلفة، منها الممهد جزئيا ومنها الملقى في أكوام، وتغوص في الأوحال أو الأسفلت الطري الذي يعرض السيارة للانزلاق وفقدان السيطرة عليها. وليت هذا العذاب لفترة محدودة، ولكنه ممتد لسنوات أحيانا.. وكأننا نعيش في بلاد واق الواق. ولا ندري ماذا يضير الشركات المنفذة للرصف إن حولت المرور لمسافة محدودة إلى جزء من الطريق المقابل، لتنجز بسرعة وهدوء ما تقوم برصفه، ثم تتحول إلى جزء آخر؟، أم إنها الاستهانة بالمواطن؟. وأنا لا أدري حقيقة كيف يتحلى الناس بصبر أيوب أثناء عمليات الرصف، ولم يفكر أحد من المسئولين في مكافأة هؤلاء الصابرين ولو بسرعة الإنجاز لتقليل المعاناة؟!. لقد شاهدت العمال الهنود وهم يقومون بالرصف في دول الخليج.. وبالمقارنة بما نراه هنا فإن عمليات الرصف في مصر لا يمكن أن تسمى رصفا على الإطلاق؛ فهل نحن في حاجة لاستيراد عمال هنود للحصول على الجودة؟!.. بالطبع لا لأن العمال المصريين سبقوا الهنود- قبل أن يتم استبدال الهنود بهم- وكانوا يعملون بالجودة نفسها، المشكلة إذاً في الإدارة وليس في العمال. أيها الحكومة.. إن الشعب لن يصبر كثيرا على استمرار النظم والإجراءات العشوائية التي تركها المخلوع ونظامه، ولن يصبر على استمرار تجاهل الكرامة الإنسانية. إننا يمكن أن نصبر على الإصلاحات التي تحتاج إلى موازنات كبيرة أو دراسات وخطط متأنية.. أما ما يحتاج إلى مجرد إجراءات ولوائح وتشريعات، أو مراجعات ذكية للأنظمة البالية، أو تعزيز عمليات التدريب والرقابة والتفتيش؛ فلا يمكن أن نصبر عليه. إن الطرق في المحافظات كلها رديئة جدا.. وإذا كنا نريد أن نؤسس شبكة طرق جيدة؛ فلابد من البدء بهذه الطرق التي يعاني منها عشرات الملايين، وهي أولى من التوسع في الطرق الصحراوية التي يستخدمها نسبة أقل من المواطنين. واجبات شرطة المرور: لا شك أن الشرطة هي أول المتضررين من نظم الرصف العشوائية الرديئة المعمول بها في مصر.. فالشرطة في الدنيا كلها تحرص على تكثيف الإجراءات التي تؤدي إلى سيولة المرور وعدم تعطيله، وهي التي تأمر البلدية أو المقاول بتدبير الطريق البديل وبسرعة الإنجاز، ولا يتم إقرار النظام المتبع أثناء الرصف إلا بموافقة الشرطة، بعد تأكدها من عدم تعطيل حركة المرور وعدم (بهدلة) الناس. كما تحرص على مراجعة الشواخص المرورية واللافتات التحذيرية والإرشادية اللازمة أثناء عمليات الرصف، ولا توافق على بدء عمليات الرصف دون التأكد من وجود كل ما يسهل للناس ممارسة قيادة المركبات دون مُنغِّصات. ولا يفوت الشرطة أن تراجع ما تم رصفه واستكمال مرافقه المرورية قبل السماح بفتح الطريق للاستخدام. وللأسف فهذا النظام غير معمول به على الإطلاق في بلادنا، ويبدو أن الشرطة مستبعدة تماما، أو أنها تبعد نفسها، عن هموم عمليات الرصف، رغم أنها أساس عملها. وللآسف لم نجد الشرطة أثناء الرصف إلا لاصطياد من يضطرون للمخالفة هربا من خطر انزلاق السيارة، أو الخوف على السيارات الجديدة.. فيتركون فخاخ عمليات الرصف (في جزء من الطريق) إلى الطريق المخالف، فتظهر الشرطة لسحب رخص المجبرين على المخالفة!. لا بديل عن تدخل الشرطة لحماية المواطن وإلزام شركات الرصف باستخدام النظم العالمية المتبعة في الدنيا كلها.. وكفى ما كابده الناس من عذاب وهوان. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.