تهدف الحكومة المصرية الى اقتراض 12 مليار دولار وهذا اكبر اتفاق تسهيل أئتمانى حصلت عليه مصر فى تاريخها من صندوق النقد الدولى ، وهو ايضا اكبر قرض منح لدوله من دول الشرق الاوسط. لكل دولة عضو فى صندوق النقد الدولى حصة فى رأسمال الصندوق وتبلغ حصة مصر التى ارتفعت فى وقت قريب الى 2.9 مليار دولار . تستطيع كل دولة ان تقترض ما يعادل 335% من حصتها اى ان مصر تستطيع ان تحصل على اقصى تقدير وفقا للوائح الصندوق على تمويل بقيمة 9.7 مليار دولار ،، ولكن فى الحقيقة لا اعلم كيف حصلت مصر على الموافقة على هذا التمويل الضخم الذى يعد الاضخم فى تاريخها وفى منطقة الشرق الاوسط، وبذلك فمصر بهذا القرض تكون استنفذت الطاقة القصوى لها فى الاقتراض من صندوق النقد باكبر رقم ممكن للاقتراض .. يخضع الصندوق لهيمنة وسيطرة الولاياتالمتحدة والتى تملك الحصة التصويتيه الاكبر والتى تستطيع ايقاف اى قرض او الموافقة على اى قرض فنظام التصويت داخل الصندوق يقوم على اساس القوة التصويتيه للحصة التى يملكها البلد العضو وكما هو معروف فان اكبر حصة تصويتيه هى من نصيب الولاياتالمتحدة والتى تمتلك 17% من رأس مال الصندوق وبالتالى فان معنى حصول مصر على قرض الصندوق يعنى ان النظام المصرى متوافق ومتفق مع النظام الامريكى فى وجهات النظر ولا يمكن ان ننسى انه تم رفض تمويل مشروع السد العالى فترة جمال عبد الناصر لان النظام المصرى كان وقتها غير متفق مع وجهات وتطلعات النظام فى الولاياتالمتحده وهذا يدل على قوة وقدرة تحكم الولاياتالمتحدة فى القوة التصويتيه لصندوق النقد والبنك الدولى . يطبق صندوق النقد ما يعرف بمبدأ المشروطية conditionality”والذى يقوم على مدى استمرارية الالتزام بتقديم القرض من الصندوق بالتزام الدولة العضو بالاصلاحات الفنيه المتفق عليها والتى تندرج فى اغلبها باتجاه تحريرسوق الصرف وازالة الحواجز والعقبات امام دخول وخروج رؤوس الاموال و الالتزام باتفاقيات تحرير التجارة الدوليه وازالة التشوهات فى اسعار الصرف واسعار الفائده وخفض الانفاق العام المتمثل فى تخفض الدعم الموجه للصناعات والذى يؤدى الى تشوه اسعار الهيكل الانتاجى مما يضر بالمنافسة الدولية مع الحفاظ على برنامج لدعم الطبقات الاكثر فقرا وخفض نمو الجهاز الادارى وبند الاجور والمرتبات فى الموازنة العامة ومن الممكن ان يمتنع الصندوق عن استكمال برنامج التمويل اذا لم يلتزم البلد المقترض ببنود القرض المتفق عليها ،، وكما ان من الممكن ان تطلب البلد المقترض عدم استكمال البرنامج فى اى مرحله من مراحل البرنامج كما فعلت مصر ذلك من قبل مع صندوق النقد عندما لم يستكمل اتفاق الاستعداد الائتماني الخاص بالفترة ( 1996- 1998) . طبقا لبرنامج المشروطية الذى ينفذه الصندوق مع الدول المقترضه فان برامج الاصلاح فى اغلب الدول التى تشهد ازمات اقتصاديه تكون مكلفه ومؤلمة فى حقيقتها لطبقات المجتمع خاصة الفقيره او المتوسطة ، وللتوضيح فان الصندوق لا يمكن فهم دوره كما يصوره البعض انه الشيطان الاعظم الذى يهدف الى تدمير الدول وقتل الفقراء ، فى الحقيقه ان كثير من برامج الصندوق وضعتها الدول المقترضه بنفسها و روجعت فقط من الصندوق كما هو الحال مع مصر فى اتفاق التسهيل الائتمانى الحالى . ولكنها تبقى فى النهاية مؤلمة لانها تعالج سلسةمن الفشل الادارى والاقتصادى والاخفاقات المتتالية والتى بالطبع يكون علاجها مؤلم لشعوب هذه الدول . فمن البديهى خفض التوسع فى الانفاق العام وخفض الجهاز البيروقراطى واكثر الامور التى يتمسك بها الصندوق خفض الدعم الموجه للصناعات حتى لا تتسبب فى تشوه اسعار الهيكل الانتاجى فيتمكن مصنع حديد عز على سبيل المثال عندما يحصل على طاقة وكهرباء مدعمه ينتج عن ذلك انخفاض فى تكاليفه ويستطيع ان ينافس الصناعات فى الدول الاخرى بهذه الميزه وبسعر منخفض لانه حصل على دعم طاقه خفض تكاليفه وبالمناسبه فان ما تدعيه الحكومه من وجوب خفض دعم الفقراء لا علاقه له بالصندوق لان الصندوق يطالب ببرامج اجتماعيه لدعم الفقراء لمساعدتهم على تحمل تأثير اجراءات الاصلاح الاقتصادى وعندما تقوم الحكومه بخفض دعم الفقراء والاحتفاظ بدعم الاغنياء فهى تفعل ذلك برغبتها الخاصة لخفض الانفاق العام . وفى حقيقة لا يخفيها الصندوق فهو يهدف الى سيادة الرأسمالية العالميه وحماية النظام الرأسمالى وافكاره ،، والتى تمهد لفتح اسواق الدول الناميه امام الدول المتقدمه اما كسوق استهلاكى او كسوق ايدى عامله رخيصه بعد خفض عملات هذه الدول وهو الطلب الثانى الاكثر اهمية و الاكثر الحاحا فى كل لقاءات الصندوق مع مسؤلى الدول المقترضه . ولكن الصندوق لا يهدف الى افلاس هذه الدول وتدميرها هو يرد ادماجها فى الدور المرسوم لها فى النظام الاقتصادى العالمى وحماية الرأسمالية العالميه وفتح الاسواق امام الشركات الدولية واقتصاديات الدول الكبرى . اما اذا سلمنا بما يروجه البعض من ان الصندوق هدفه تدمير الدول الناميه فان الدول الصناعيه ستفقد اسواقها وسيفقد الصندوق سلطاته تباعا لانهيار هذه الدول وهو ما لايتفق عقلا . لماذا تتجه الحكومه للاقتراض من الصندوق ببرنامج مشروطيه معقد كهذا ؟ فى الحقيقه يجب ان تعلم ان الحكومات تتدخل فى مفاوضات برامج التسهيل الائتمانى حتى يتم الموافقه على البرنامج فيكون ذلك بمثابة شهادة جدارة ائتمانيه لهذا البلد انه يتبع الاجراءات الخاصه بحرية التجارة وتسهيل حركة رأس المال وحماية السوق وحرية التجارة وبالتالى فهذا الاتفاق فى حد ذاته يتيح حزمه تمويلية من الاستثمارات وتدفق رأس المال الدولى وامكانية الاقتراض من مؤسسات وبنوك دولية فى الدول الكبرى وبالتالى فكثير من الدول تدخل فى هذا المفاوضات لكى تحصل على نجاح المفاوضات فقط وقد لا تكمل برنامج الاقتراض او لا تنفذه بالاساس. كما ذكرنا ان هذا القرض يعد الاكبرفى تاريخ اقتراض مصرمن الصندوق حيث ان اتفاقيات التسهيل السابقة كانت كالتالى في الفترة 1987-1988، اتفقت مصر مع الصندوق على عقد اتفاق للاستعداد الائتماني بقيمة 400 مليون دولار للمساعدة في حل مشكلة المدفوعات الخارجية المتأخرة وأوجه الضعف الهيكلي وفي ظل هذا البرنامج صرفت مصر فقط 185 مليون دولار فقط من برنامج التمويل . وفي الفترة 1991-1993، عُقد اتفاق استعداد ائتماني آخر مع مصر بقيمة 375.2 مليون دولارا أمريكيا نظرا لتزايد عجز الحساب الجاري، وتراجع المنح والتدفقات الرأسمالية الداخلة ، إلى جانب قيود التمويل الخارجي ، مما أثار القلق بشأن قدرة مصر على تمويل وارداتها من المواد الغذائية والوفاء بالتزامات خدمة الديون. وفى1993-1996 وافق الصندوق على مبلغ إضافي في إطار "تسهيل الصندوق الممدد " (Extended Fund Facility – "EFF") قدره 640.3 مليون دولارا أمريكيا وبلغ مجموع التمويل المتاح لمصر في تلك الفترة 1.015 مليار دولارا أمريكيا غير أن مصر لم تسحب منها سوى 235.6 مليون دولارا وأخيرا أتاح الصندوق لمصر تمويلا إضافيا بمقتضى اتفاق جديد للاستعداد الائتماني في 1996-1998 بقيمة 434.4 مليون دولارا أمريكيا حيث كان إطار البرنامج الموضوع وفق "تسهيل الصندوق الممدد" قد أصبح لاغيا في ذلك الحين. ولم تسحب مصر أيا من الأموال المتاحة لها في ظل هذا البرنامج. لكن هذا البرنامج والسابق عليه أي تسهيل الصندوق الممدد شكلا إطارا سمح لمصر بالحصول على إلغاء 50% من دينها الرسمي المستحق لبلدان أعضاء في نادي باريس. ومنذ عام 1993 لم تطلب مصر أي قروض من الصندوق، واقتصر دور الصندوق على المشاورات والمساعدة الفنية مما يعكس خلفية وتوجه نظام مبارك والذى كان لا يريد التوسع فى الاستدانه الخارجيه على اى حال او يضع نفسه تحت رحمة بنود برنامج المشروطية الخاص بصندوق النقد ويعكس ايضا هذا ضخامة حجم التمويل المتاح ببرنامج التسهيل الاتئمانى الحالى والمقدر ب 12 مليار دولار مما يثير كثير من التكهنات وعلامات التعجب ..
* عمرو جمال الدين - باحث دكتوراة اقتصاد - حاصل على درجة الماجستير فى الاقتصاد وماجستير اخر بالقانون - واربع دبلومات دراسات عليا - واثنين مؤهل جامعى فى القانون واخر فى المحاسبة من الجامعات المصرية - ودبلومة البرامج الاقتصاديه والسياسات من معهد صندوق النقد الدولى بالولاياتالمتحدةالامريكية
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.