عبد الناصر طالب بالتبرع من أجل أسبوع التسليح.. مبارك كافأهم بالمناصب السياسية.. السيسي يضعهم في المتاحف.. منصور راهن على شعبيته.. ومرسى بتبرعات داخلية وخارجية نقدًا أو بشيكات بحُلي الغلابة أو "شقى السنين" قام الرؤساء بإنعاش اقتصادهم من خلال الترويج لفكرة التبرعات، زمن المرتزقة أو زمن الشحاتة المحلية والعالمية كما أطلق عليه، البعض رأى منه حلاً والآخرون وجدوا منه موضة تفتح الباب الاستغلال، فإذا أراد الحاكم بأمره القضاء على العشوائيات أو القضاء على مرض أو تطوير مستشفى فتح باب التبرعات ليبقى السؤال هل يعد التبرع الوسيلة المثلى لإنعاش اقتصاد الأنظمة وهل أصبح التبرع الميراث الشرعي الذي توارثه الرؤساء. وكانت إسهامات الرئيس عبد الفتاح السيسى في هذا المجال تبدو أكثر اختلافًا عن غيره من الرؤساء، حيث بدأ الرئيس عبد الفتاح السيسى عهده بالترويج لفكرة التبرع من خلال تبرعه بنصف راتبه وممتلكاته لدعم اقتصاد بلاده، داعيًا المصريين إلى تقديم تضحيات من أجل خفض عجز موازنة السنة المالية 2014-2015 والسيطرة على الدين العام، مضيفًا خلال كلمته في حفل تخرج دفعة جديدة في الكلية الحربية: "أنا أحصل على مرتب الحد الأقصى وهو مبلغ 42 ألف جنيه.. لن آخذ نصفه, وسأتنازل عن نصف ممتلكاتي من أجل مصر، واستطاع الرئيس بحديثه العاطفي أن يجذب مشاعر الفقراء "الغلابة" الذين انجرفت مشاعرهم وراء هذا التصريح وانهالت تبرعات الفقراء قبل الأغنياء لصندوق تحيا مصر، حيث كانت أبرز وأشهر التبرعات لرموز من أفقر فقراء مصر إلى جانب عدد آخر من رجال الأعمال.
كما أكد الرئيس أن الحكومة تحتاج لاتخاذ بعض الإجراءات، ولم يكشف عن طبيعة هذه الإجراءات، لكنه شدد على ضرورة وجود "تضحيات حقيقية" من المصريين داخل البلاد وخارجها، وتساءل: "هل نقدر أن نجد مساهمة من المصريين في الداخل والخارج ممن هو قادر من دون ضغط ومن دون حرج؟"، مشددًا على ضرورة أن تكون هناك "تضحيات حقيقية من كل مصري ومصرية". السيسى وتبرعات في المتاحف كانت الصورة الأكثر بروزًا في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسى، حلق الحاجة زينب السيدة 82 سنة، من محافظة الدقهلية والتي تبرعت بالحلق الكردان الذي ورثته من جدتها لصندوق تحيا مصر، فى البداية حاولت زينب أن تتبرع بحلق "الكردان" الذهبي الذي لا تملك غيره لصندوق تحيا مصر، إلا أن البنك رفض استلام التبرعات العينية، فقامت ببيعه في محل مجوهرات قريب من البنك، وباعته ب370 جنيهًا، ووصل الأمر إلى رئاسة الجمهورية، وطلب حينها الرئيس عبد الفتاح السيسى لقاء الحاجة زينب، وتم شراء الحلق من جديد من محل المجوهرات، وتم وضع الحلق في متحف رئاسة الجمهورية، وكافأها رئيس الجمهورية برحلة عمرة أثناء لقائه بها.
وقامت إحدى الجهات المعنية بعمل إعلان دعائي ترويجي لصندوق "تحيا مصر"، عرضت عدة لقطات من لقاء الحاجة زينب بالرئيس عبد الفتاح السيسى، وبخلفية صوتية تتحدث فيها عن مراحل حياتها، وكيف تبرعت لصندوق تحيا مصر بالحلق "الكردان" الوحيد الذي تملكه. وأثار الإعلان ضجة كبيرة في الأوساط السياسية والإعلامية، خاصة بعد أن تم عرض صور للرئيس المخلوع محمد حسنى مبارك، وهو يجلس إلى أحد الفلاحين، وزعم مروجو هذه الصورة، أن هذا الرجل هو زوج الحاجة زينب.
ولم تكن الحاجة زينب النموذج الوحيد، حيث نافسها على شرف التبرع من أجل مصر أم المنايفة سميرة عبد المجيد عبد الغفار -77 عامًا- والتي عملت على مدار 30 عامًا في المملكة العربية السعودية مع زوجها وقررت التبرع بجميع أموالها لصندوق تحيا ومنزلها القائم على قيراط ونصف، لبناء مدرسة و45 قيراطًا لبناء مستشفى تابعة لمستشفى 57357، وطلبت الحاجة سميرة مقابلة الرئيس عبد الفتاح السيسى، مؤكدة ثقتها في قدرته على النهوض بالوطن.. وأنها تثق فيه وستعطى له أموالها يدًا بيد.
وكان الكفيف بلال جمعة من أكثر النماذج التي عكست قدرة الرئيس على جذب تبرعات الغلابة بأسلوبه العاطفي، حيث قام الفائز بالمركز الثاني في الفرع الثالث بمسابقة القرآن الكريم العالمية «بلال محمد السيد جمعة»، بالتبرع ب5 آلاف جنيه لصندوق «تحيا مصر » من قيمة جائزته التي تبلغ 25 ألف جنيه.
ولم يكن الرئيس عبد الفتاح السيسى الرئيس الوحيد الذي أحيا فكرة التبرعات، وإنما تعد ميراث الرؤساء لحل أزماتهم والتي اختلفت باختلاف المصادر التي اعتمدوا عليها حيث كان السيسى أول من اعتمد على الغلابة.. وترصد "المصريون" أبرز مصادر التبرعات التي لجأ إليها الرؤساء:
عدلى منصور وسيل تبرعات لم يقف عدلي منصور صامتًا أمام فكرة التبرع، وإنما ساهم بقدر كبير في الترويج لهذه الفكرة من خلال تبرع المستشار عدلى منصور، رئيس الجمهورية المؤقت، براتبه من مؤسسة الرئاسة وراتبه من المحكمة الدستورية لمدة 3 أشهر للمساهمة في بناء مصر من خلال صندوق دعم مصر، وكتب عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "السيد الرئيس يتبرع براتب الرئاسة وبراتب 3 أشهر من المحكمة الدستورية للمساهمة في بناء مصر.. للتبرع رقم الحساب 306306 في جميع البنوك".
وعقب هذا التصريح سيل من التبرعات التي شارك فيها العديد من الفئات للتبرع وكان من أبرز هذه التبرعات، ما أكده المستشار أحمد الزند -رئيس نادي القضاة- أن القضاة سيتبرعون لصالح "صندوق دعم مصر" بحساب 306306 وأنه سوف يقترح عليهم التبرع براتب شهر كامل، موضحًا أنه عن نفسه فقد قرر التبرع ب25 ألف جنيه، فضلاً عن قيام رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة خلال مداخلته الهاتفية في برنامج "ممكن" بإعلان تبرع شركة حديد المصريين لصالح الصندوق بدعم مالي سيكون مفاجأة لجميع المصريين رافضًا الإفصاح عنه في ذلك الوقت، كما قامت الفنانة ليلى علوي بالتبرع ب10 آلاف دولار لصالح الصندوق.
محمد مرسى وتبرعات داخلية وخارجية لم يكن لدى الإخوان تصور اقتصادي يختلف عن السياسات الرأسمالية التي تبناها مبارك، حيث حاولوا حل الأزمات الاقتصادية بالاقتراض والبحث عن منح خارجية وتبرعات داخلية، واعتمد الإخوان على نجاحهم في تخطى الأزمات الاقتصادية معتمدين على خبرتهم الكبيرة في العمل الخيري لحل أزمات مصر الاقتصادية، وفى مبادرة لدعم مشروع النهضة، طالب الرئيس المعزول محمد مرسى رجال الأعمال خاصة الفاسدين بالتطهر من ذنوبهم والتبرع في حساب بنكي لمشروع النهضة!! وسعى الإخوان إلى التصالح مع رجال الأعمال الموالين لمبارك على المستوى القانوني، وضمهم إلى جمعية "ابدأ" التي أسسها خيرت الشاطر وحسن مالك، وكانت المفارقة أن جهود الإخوان الخيرية لم تساعدهم وهم في سدة الحكم. مبارك والصحوة الكبرى: تجلى دور رجال الأعمال في عهد مبارك حيث ساندهم وساندوه وتبرعوا بالكثير في عهده وأحيوا مشاريع استثمارية ضخمة بالتعاون مع النظام الذي أغدق عليهم من العطايا والمنح السياسية والمناصب ما جعلهم يحيون متكافئين مع نظامه، وسبق أن أكد مبارك في خطابه بمناسبة الاحتفال بعيد العمال دور رجال الأعمال، حيث ارتجل بعض الكلمات التي لم تكن مكتوبة في نص الخطاب، وقال إنه لاحظ في بعض الصحف والفضائيات هجومًا على رجال الأعمال، في حين أن رجال الأعمال يقومون بدور مهم ورئيسي في الاستثمار والاقتصاد وتوفير فرص العمل، وأضاف أن "هناك بعض المخالفات من بعض رجال الأعمال.. قلة منهم يتصرفون بالفشخرة والاستفزاز". وفى عام 1985 أطلق الرئيس الأسبق، محمد حسنى مبارك، حملة بعنوان «الصحوة الكبرى» داعيًا المصريين إلى التبرع من أجل سداد ديون مصر الخارجية، وشارك بها الملايين من المصريين، لكن لم يتم الإعلان عن حصيلتها أو مصير التبرعات، وفى سبيل الحملة تم فتح عدد من الحسابات البنكية والعديد من المؤسسات الحكومية، وجمع أموال من التلاميذ، كما تم تحصيل مبالغ إضافية فوق تذاكر القطارات، لكن الأمر انتهى دون معرفة مصير التبرعات.
وأقام محام دعوى قضائية ضد مبارك عقب ثورة يناير اتهمه فيها ب«اختلاس تبرعات المصريين والاستيلاء عليها»، على أساس أنه لم يصدر بيان رسمى بالمبالغ التى تم جمعها، أو يفيد كيف تم التصرف فيها.
عبد الناصر وأسبوع التسليح اعتمد عبد الناصر على الفنانين حيث كان على عداء مع رجال الأعمال وركز على جانب الفلاحين والعمال حيث أغدق عليهم من الخيرات ما لا يحصى ولا يعد، ودافع عن حقوقهم وعادى رجال الأعمال ولم يكن أمامه بدًا سوى الاعتماد على الفنانين بصورة أساسية والمثقفين وبعض الشخصيات البارزة فى ذلك الوقت.
وفى عام 1955 أقيم أسبوع بعنوان «أسبوع التسليح»، تحت رعاية عدد من الفنانين على رأسهم تحية كاريوكا، بعد قرار جمال عبد الناصر بكسر احتكار السلاح والتحول إلى المعسكر الشرقى لتسليح الجيش، ما جعل عبد الناصر يشكرها: «انتى بألف رجل يا تحية»، فردت: «كل ده من خير مصر يا ريس». وكانت الحملة عبارة عن صندوق كبير تحمله سيارة نقل، وبصحبته أحد الفنانين المتطوعين، يجوبون به المناطق والأحياء لجمع التبرعات من أجل الجيش. وبعد نكسة 1967 أُطلقت حملة التبرع من أجل إعادة تسليح الجيش المصري، ولاقت رواجًا كبيرًا آنذاك، وشارك بها عدد كبير من كبار رجال الدولة، والمثقفين والفنانين، وعلى رأسهم سيدة الغناء العربي، أم كلثوم، التى تبرعت بمجوهراتها الشخصية وأجر حفلاتها لصالح الجيش، إضافة إلى 212 ألف جنيه إسترلينى من حفل بباريس، و100 ألف دينار من حفل لها بالكويت، وغيرها، وقيل إن حصيلة حملتها وصلت إلى الملايين.
سياسى: البذخ الحكومي وفساد رجال الأعمال جعل التبرع لا مكان له فيما يرى عمرو هاشم ربيع، الباحث السياسى، أن فكرة التبرعات غير مجدية وتقل بمرور الوقت لما يراه الناس من مظاهر تجعلهم يرفضون المشاركة فى ذلك، منوهًا بأن البذخ الحكومى وهروب رجال الأعمال بالأموال بعد الفساد يجعل المواطنين يمتنعون عن التبرع. وأشار ربيع، في تصريحات ل"المصريون"، إلى أن تعامل الرؤساء مع نظام التبرعات اختلف فكل منهم استمر قرابة 30 سنة انتهج خلالها طرق عدة للتبرع مختلفة عمن سبقه، مؤكدًا أنها وسيلة غير فعالة ولا تحقق الكثير ولجأت إليها الدولة لإلزام المواطن الشعور بالمسئولية.