الإنتماء هو ارتباط الإنسان و حبه للمكان و الناس في منطقة محددة، هذا الارتباط يتمثل في ذكرياته السعيده و احساسه بمقومات هذا المكان التي شكلت شخصيته و التي تنبع من تاريخ و جغرافية المكان. ان الانتماء لا يظهر فقط في الحروب و لكنه يظهر في كل مفردات الحياة من الصناعة ، البناء،التعليم.
معظمنا يبحث عن العدالة و قليل منا لا يريدها لأنها ستأخذ كثيرا مما لديه . لكل منا مفهومه الخاص بالعدالة ، فمنا من يريدها بصيغة حضارية أو دينية أو إنسانية شاملة و هي الأفضل في نظري. و كثير قد يقبل بالقليل منها. و العدالة ليست فقط في القضاء و لكن هي في الفرص المتساوية في الحياة و القبول بالنتائج المختلفة المتوازية مع القدرات. أظن أن في كثير من الأحيان تكون هناك مبادلة غير مباشرة بين العدالة و الإنتماء، فكلما أعطيت عدالة أخذت في المقابل الإنتماء. يحضرني هنا اسم مستشار كان مرشح سابق لرئاسة الجمهورية هو المحترم هشام البسطويسي في خلال لقاء على قناة المحور تشعر خلال مشاهدته أن هذا الرجل لا يمكن أن يكون رئيسا للجمهورية ليس لقلة شعبيته أو علمه أو ثقافته و لكن لطريقة كلامه الإنسانية المثالية التي لا يمكن أن يسمح بها فريق الضباع و الغيلان المحيط بهذا المنصب و الذي لن يسمح ابدا بشخص مثله ينتمي للمدينة الفاضلة و ليس له احلام زعامية أو مالية أو شفوية دينية بالوصول إلى هذا المنصب لأن هذا سيكون معناه تقليص مصالحهم و ثرواتهم و فتح ملفاتهم. و حتى أن سمحوا له بالوصول لهذا المنصب لن يستطيعوا تغييره ليتماشى و يتمصلح معهم. قال المستشار البسطويسي، بناء على سؤال المذيع عن ما هو أكثر شيئ دفعه للترشح ، قال بالحرف الواحد، انه عندما جاءت تعليمات بتحويل جميع القضايا التي ينتمي طرف فيها للحزب الوطني المنحل إلى محاكم بعينها و دوائر بعينها و قضاة بعينهم . أغرب إجابة لم اتوقعها و لم يتوقعها المذيع أيضا و الا لتجنب ان يسأل هذا السؤال. في هذه اللحظة ظهرت عليه علامات الأنفعال و قال هذه ليست العدالة و انه لم يحتمل تنفيذ ذلك و فضل أن يسافر إلى بلد آخر ليعمل هناك ، أظن أن كل من عرف بهذا القرار و نفذه خالف المبدأ الأساسي للعدالة وهو الحيادية و ربما النزاهة ايضا، و لكن الغريب أن الدنيا استمرت عادي ، قديكون ما قاله أقوى سبب للمفكرين و الصحفيين و السياسيين لكى يفردوا صفحات و ساعات من النقاش و الاحتجاج ؛ و لكن للأسف لم يفعل أحد شيئا. بل على العكس بدؤا حملة للتقليل من شان هذا الرجل و التسخيف عليه قد تكون هذه الحملة اكثر انسانية فهي لم تحاول أن تفتك به مثل الزلطة العلاقة التي كادت أن تقتل البرادعي و لكنها أخطائه و حطمت الزجاج الخلفي لسيارته ، هذه الزلطة التي تم قذفها من قبل المواطنين الشرفاء في المقطم و الذين اظنهم كانوا مدفوعين من قبل الضباع و الغيلان.
ان كثيرا من شاهد هذه الحلقة شعر بأنه منذ سنين لا توجد عدالة و إنما قد يكون مجرد مشهد تمثيلي للعدالة . ان كثير منا الذي يطلب منه ليل نهار بالانتماء، قد يجد صعوبة في فهم و تحقيق ذلك عمليا في غياب العدالة ، و ان كان هناك الكثير مستعد أن يبادل قليل من العدالة مقابل كثير من الانتماء. ان المحاولات المستمرة و حتى لو استخدمت جميع انواع الزيوت و الشحوم و المراهم و الكريمات في دهان الناس لن تنجح في إدخالهم في زجاجة الإنتماء الحكومي دون عدالة.