تناولت فى المقال السابق الأول من هذه السلسلة ما يمكن أن أطلق عليه إعادة هيكلة العنصر البشرى فى مبنى اتحاد الإذاعة والتليفزيون (ماسبيرو). أما هذا المقال فيتناول ما يصح أن نطلق عليه "إعادة هيكلة الوحدات".والمثال منصب بالأساس هنا على قطاع الأخبار الذى يفترض أنه درة التاج فى هذا المبنى. والغرض الأساس من إعادة هيكلة الوحدات هو القضاء على تلك المشكلة التى تعانى منها "الشاشات" المصرية وهى "الاستنساخ". فمثلا، حين نحصر فى عجالة برامج ما يسمى "التوك شو" الصباحية وهى: "صباح الخير يا مصر" على القناتين الأولى والفضائية، و"صباح جديد" على قناة النيل الأخبار، و"يسعد صباحك" على الثانية، و"نهارك سعيد" على نايل لايف، وبرامج أخرى نجد أنها تذاع كلها فى ذات التوقيت. ولا أريد هنا أن أسمع حجة من يقول إن كل برنامج له خصوصيته.فلا فرق جوهريا بين كل هذه البرامج فى الفقرات والسياسات وحتى الضيوف، اللهم إلا فى مقدميها. أما البرامج الليلية فلا أجد فارقا هامشيا- لا جوهريا- بينها.وهى تذاع فى الوقت ذاته أيضا وعلى مختلف القنوات المصرية. أما عن نشرات الأخبار فلدينا قناة النيل للأخبار والقناة الأولى والفضائية التى تذيع البرامج والنشرات التى يعدها "قطاع الأخبار القديم" قبل ضم قناة النيل للأخبار إليه. وأجد أن فى هذا إسرافا لا مبرر له؛ أن تذاع نشرتان فى آن معا على التليفزيون المصرى. كما أن قطاع الأخبار نفسه يقطع البرامج العادية للقناة الأولى ليذيع نبأ مهما أو لبث حدث ما على الهواء. ولعل "الفضائية المصرية" أحد شواهد الاستنساخ الممل الذى لا مبرر له إلا خلق مناصب و"سبابيب" (جمع سبوبة) للعاملين فيها.فالجانب الأعظم من برامجها مشترك مع القناة الأولى وقناة النيل للرياضة فى بث مباريات الدورى وقطاع الأخبار. ولا تنفرد ببرامج خاصة بالمغتربين إلا فيما ندر. أما غير ذلك من البرامج فموجود على كل القنوات الأخرى والفرق فقط فى التسمية. وبوسع المصريين فى الخارج متابعة كل هذه البرامج لأنها تبث على قنوات فضائية لا أرضية. ما أود أن أطرحه هنا يتعلق بتركيز الخدمة وتجويدها إلى أقصى حد من خلال جملة إجراءات: الإجراء الأول: تقوية إرسال قناة النيل للأخبار الأرضى لتغطى كل بقعة داخل مصر، وتختص ببث النشرات الإخبارية كل نصف ساعة وتكون معنية فقط (أكرر فقط) بالشأن المصرى. ويمكن مثلا بث نشرة على رأس كل ساعة مدتها 15 دقيقة وأخرى على رأس كل نصف ساعة مدتها 5 دقائق. ويتخلل ذلك برامج إخبارية خفيفة للتعليق على الأحداث الساخنة. أو مقابلات قصيرة لا تتعدى الثلث ساعة. الإجراء الثانى: ويتضمن جملة خطوات على النحو التالى: أولا: بالتزامن مع الإجراء الأول، توقف إذاعة النشرات والمواد الإخبارية على القناة الأولى والفضائية التى يذيعها قطاع الأخبار،وتعويضها (الاكتفاء) بما يبث على قناة النيل للأخبار.وفائدة هذه الخطوة منع الازدواجية وفض الاشتباك بين قطاع الأخبار وقطاع التليفزيون الذى يشكو من قطع برامجه واستيلاء قطاع الأخبار على حيز كبير من مساحة البث المخصص للقناة الأولى وبرامجها. ثانيا:إنشاء قناة فضائية أرضية (يغطى إرسالها كامل الأرض المصرية). كلمة إنشاء هنا لا أعنى بها إلا تخصيص تردد أرضى وتخصيص تردد الفضائية المصرية الحالية لهذه القناة. ليكن اسم هذه القناة مثلا "ستديو مصر" على اسم أحد البرامج الليلية الحالية. وتبث هذه القناة برنامج "توك شو" متواصلا على مدار 24 ساعة تتم فيه غربلة كل برامج التوك شو الصباحية والمسائية الحالية التى تبث على قنوات التليفزيون المصرى لتذاع من خلال هذه القناة. التى تتابع آنيا- وربما بعمق أكبر من قناة الأخبار- الشأن المصرى من خلال تخصيص حيز زمنى أكبر لعرض كل وجهات النظر المفسرة والشارحة لقضية ما من القضايا. ويراعى فى هذه القناة- ولا أحب أن أطلق عليها لفظ الجديدة- أن تخصص حيزا من بثها للمصريين فى الخارج. وفارق التوقيت بين الأمريكتين وأوروبا والدول العربية يتيح أن يكون بثها على الهواء 24 ساعة ويخدم الجاليات المصرية فى كل أنحاء المعمورة. أما عن التكاليف المادية فتخصيص مثل هذه القناة وتقوية إرسال قناة النيل للأخبار أرضيا يمكن توفيرها من الميزانيات المتناثرة لكل برامج التوك شو صباحا ومساء من خلال تخصيص فريق عمل قوى من مقدمى هذه البرامج للعمل فى قناة "ستديو مصر"، بمن فيهم مذيعو ومعدو قطاع الأخبار الذين سيعملون فى هذه القناة وقناة النيل للأخبار. الإجراء الثالث:توجيه القنوات المحلية لإعداد نشرة أخبار محلية خالصة تعنى بشئون المواطن فى كل إقليم. ويتم إنشاء إدارة للتنسيق الإخبارى فى قطاع الأخبار للتواصل مع إدارات الأخبار فى كل هذه القنوات المحلية لأخذ بعض ما تبثه من أخبار لها الصفة القومية مثل قيام مواطنى قرية ما فى محافظة من محافظات الصعيد مثلا بقطع خط القطار. الإجراء الرابع: تصفية ما لا لزوم له من قنوات عفى عليها الزمن. وأضرب هنا مثالا بقناة النيل للمعلومات التى انتهت صلاحيتها بظهور شريط الأخبارعلى القنوات كافة. فقد أصبح هذا الشريط يقوم مقام ما تبثه القناة. ومثل هذا النوع من القناة (الوحدات) "المركونة" آفتها أنها تكون مفرخا قويا للفساد المادى والإدارى والمهنى أيضا.