تتعرض مصر في خلال ثلاث سنوات قادمة إلى "كارثة" حقيقية، متمثلة في نفاد مخزون المياه الاستراتيجي؛ بسبب التوسع في زراعة محصول الأرز الذي يستهلك المياه بطريقة شرهة للغاية. ورغم أن الحكومة قد حظرت زراعة الأرز باستثناء أماكن محددة، إلا أن عددًا كبيرًا من المزارعين لازال يرى أن زراعة الأرز هيّ الوسيلة الوحيدة لتحقيق ربح، خصوصًا أنه المحصول الوحيد المتوفر تقاويه ويُمكن زراعته بسهولة. ويُحذر خبراء الري في مصر من تحول خطير تشهده البلاد خلال 3 سنوات قليلة قادمة بعد نفاد المخزون الاستراتيجي للمياه في بحيرة ناصر وقيام إثيوبيا بحجز كميات هائلة من حصة مصر المائية خلف سدها الذي تُشيده على النيل (سد النهضة). علام: "كارثة" تنتظرها مصر في السنوات القادمة وزير الري الأسبق، الدكتور نصر الدين علام، حذّر من كارثة متمثلة في استهلاك مصر لكميات كبيرة من مخزونها المائي في زراعة الأرز والذي تظهر عواقبه خلال السنوات القادمة. وقال علام ل«المصريون» إن هناك تسيبًا في زراعة الأرز حتى عام 2008، تسبب في إهدار 2.3 مليون متر مكعب من المياه، وانخفضت هذه النسبة حتى 1.4 مليون متر خلال الفترة التي كان فيها وزيرًا للري، ثم ارتفع بعد ثورة يناير إلى 2.5 مليون متر مكعب. وأرجع «الوزير الأسبق» السبب في أزمة الأرز التي تحدث كل عام إلى "التصدير"، لافتًا إلى أن مصر يكفيها مليون و300 ألف فدان مزروعة بالقمح حتى تُحقق الاكتفاء الذاتي من القمح، وبالتالي فإن التزام مصر بزراعة هذه المساحات فقط يجعلها لا تحتاج إلى استيراد محصول الأرز من الخارج. وأوضح «علام» أنه في خلال سنوات قليلة فإن المخزون المائي الاستراتيجي سوف ينضب، وبالتالي تصبح هناك ورطة كبيرة يتحملها الأجيال القادمة، مضيفًا: "المشكلة تتعاظم في حال أقدمت إثيوبيا على بدء فترة تخزين المياه". وأضاف: وزير الري «غلبان» وهو مضطر يزيد عقوبة زراعة الأرز؛ لأن ذلك سيؤثر تأثيرًا بالغًا على المياه ومخزونها، كما أن الفلاح «غلبان أيضًا».. فماذا يزرع وسط ارتفاع سعر تقاوي المحاصيل الزراعية. أبو زيد: نقص المياه يتضح بشدة في "السدة الشتوية" من جانبه، قال الدكتور مصطفى أبو زيد، رئيس مصلحة الري والميكانيكا بوزارة الموارد المائية والري، إنه بصفته مسئولًا عن الطلمبات ورفع المياه من الترع إلى الأراضي، فإن منسوب المياه "لم يتأثر كثيرًا". وأكد أبو زيد ل «المصريون»، أن أكثر ما يُمكن أن يضر كمية المياه والمخزون منها لدى مصر هو زراعة محاصيل تستهلك مياهًا بطريقة كبيرة كالأرز، مضيفًا: "بعض المزارعين يعتقدون خطأ أنه عندما يزرع قمحًا وأرزًا فإنه بذلك يكون قد ضمن قوت أولاده". وأشار المسئول الحكومي إلى أن نقص المياه يتضح بشدة في فترة "السدة الشتوية"، وهي فترة تقل فيها المياه كثيرًا ويتضح فيها ما إذا كان المخزون الاستراتيجي للمياه قد انخفض أم لا. وتابع: لو افترضنا أن محصول الأرز يأخذ مليون متر مكعب من المياه، فمعنى ذلك أننا نصدر إلى الخارج نفس الكمية من المياه، وبالتالي فإن زراعة الأرز تحديدًا غير مربحة كما يعتقد البعض. القوصي معلقًا على انخفاض المنسوب: "كلام مصاطب وغير علمي" وفي سياق آخر، علق الدكتور ضياء القوصي، الخبير المائي ومستشار وزير الري السابق، على انخفاض مخزون مصر الاستراتيجي من المياه خلال 3 سنوات بأنه "كلام مصاطب"، لأنه من الناحية العلمية انخفاض المخزون لن يكون بهذه السرعة. وأكد القوصي ل"المصريون"، أن مصر لا يمكنها زراعة أكثر من 2 مليون فدان، وأن المساحة التي حددتها الحكومة والمتمثلة في مليون و650 ألف فدان هي المساحة المثلى التي نستطيع من خلالها تحقيق الاكتفاء الذاتي من الأرز. والبسطويسي يرد: نقص الماء يُهدد ببوار أراضي دمياط ويُضيف نقيب الفلاحين والزراعيين بدمياط، مجدي البسطويسي ل«المصريون»: "الأزمة الحقيقية في نقص المياه بنهاية الترع والمصارف"، مؤكدًا أن المجلس الأعلى للفلاحين سبق وأن حذر الحكومة من تجاهل شكاوي المزارعين المتعلقة بنقص الماء. وأوضح "البسطويسي" أن منسوب المياه في هذا العام منخفض جدًا عن الأعوام السابقة، وهو ما يؤدي إلى بوار الأرض في بعض المناطق، لافتًا إلى أن محافظة دمياط تروي أرضها من مصارف الدقهلية. وسلط الضوء على أن الدولة تظن أن المزارعين يتجهون لزراعة الأرز بعد ارتفاع سعره ويخالفون الدورة الزراعية، مشيرًا إلى أن ذلك غير صحيح. وأكد أن الحكومة إذا التزمت بتسلم المحصول من الفلاحين هذا العام فسوف يفيض المحصول ويتم تصديره إلى الخارج، مثل ما كان يحدث في وقتٍ سابق أيام وزير الزراعة الأسبق، يوسف والي. وأضاف: نُنتج حوالي خمسة ملايين طن، لأن الأرض المزروعة قمح هذا العام هيّ الأرض التي تُزرع أرز، وبالتالي فإن الدولة تواجه عجزًا في الأرز بنفس القيمة إذا لم تُترك المساحة للمزارعين لزراعته. وفيما يُحذر متخصصون من نقص الماء المتوقع خلال السنوات القادمة على الزراعة، يؤكد آخرون أن الأزمة أكبر من ذلك بكثير وتمس مياه الشرب أيضًا، ما يعني أن مصر قد تواجه في غضون سنوات قليلة إحدى أهم الكوارث في تاريخها.