الفرق بين العرب وإسرائيل أن الأخيرة كيان قائم على الأساطير وترويج الخرافات، وخلق فرضيات من العدم تتأسس عليها نظريات، وبالتالى فهم يتحسبون لكل شىء مهما كان صغيرًا غير مؤثر ويعدون العدة له، ولديهم قناعة بأن الاستهتار بالعدو هو الطريق إلى الهزيمة المؤكدة، وقد تكون تلك هى أول وأهم ميزة فى العقيدة الاستراتيجية الإسرائيلية، تجعلهم يطرحون كافة الاحتمالات مهما كانت شبه مستحيلة، وعلى أساسها يفكرون ويخططون ويستعدون. التقرير الاستراتيجى السنوى الذى يصدر سنويا فى إسرائيل يختلف هذا العام عن التقارير السابقة، لأنه وضع فى اعتباره ثورة 25 يناير المصرية والتى أصبحت فى مقدمة أولويات الدراسات الاستراتيجية بإسرائيل، وتكمن خطورة هذا التقرير فيمن يقترحه لصناع القرار وهم جميعًا جنرالات سابقين فى الجيش الإسرائيلى، وخبراء استراتيجيين وأعضاء سابقين بأجهزة الاستخبارات، ومن بينهم نائب رئيس شعبة الاستخبارات الإسرائيلى، وقائد لواء التخطيط الاستراتيجى فى الجيش الإسرائيلى. التقرير الاستراتيجى الإسرائيلى هذا العام يقع فى 250 ورقة باللغة العبرية، وترجمه الأستاذ الدكتور أحمد عبد اللطيف حماد رئيس نشاط الدراسات الإسرائيلية بمركز بحوث الشرق الأوسط، ونقدم ملخصه فى السطور التالية، ونقرأ كيف يفكر اليهود. فى السنوات القادمة، حينما تواجه إسرائيل ضرورة اتخاذ قرارات سياسية واستراتيجية فى موضوعات رئيسية متعلقة بالأمن القومي، ستفعل ذلك فى ظل واقع تفوق مكوناته جدًا ما اعتادت عليه فى العقود الأخيرة، هذه المكونات هى نتيجة للاضطرابات الدرامية فى الشرق الأوسط والتى حظيت بعنوان "الربيع العربي"، وحدثت على خلفية تغيير الاتجاهات التى اتسم بها العقد الأخير من انهيار عملية السلام الإسرائيلية العربية وضعف القوة الأمريكية العظمى، هذه التطورات الثلاثة معا، وكل واحدة منها فى حد ذاتها، تهدد بإحداث أزمات جديدة وتعوق حل أو تزيد عبء إدارة أزمات قديمة مستمرة. الانتفاضات الشعبية ضد الأنظمة الراسخة فى العالم العربي، التى اجتاحت الشرق الأوسط منذ بداية عام 2011 لم تهدأ بعد وما زالت تؤثر على كل دول المنطقة، سواء بدرجة كبيرة أو بقدر محدود، سقطت ثلاثة أنظمة، فى تونس ومصر وليبيا، وفى دول أخرى - اليمن وسوريا- مازال الصراع العنيف بين الثائرين والنظام يهدد بالتحول إلى حرب أهلية مستمرة، وفى البحرين يتم قمع الاحتجاج حتى الآن بالقوة وبمساعدة دول الخليج المجاورة، واستمر الضغط فى دول أخرى على الأنظمة لتبنى إصلاحات فى نظام الحكم فى دولة واحدة هى المغرب، من المتوقع حدوث تغييرات شاملة، تمنح النظام سمات ملكية دستورية. وقد يكون لهذه الأحداث تأثير حتى على الجمهور الإسرائيلي، وسيضاف إلى باقى العناصر التى حركت "احتجاج الخيام" الذى تطور فى يوليو2011 ضد النظام الاجتماعى والاقتصادى فى إسرائيل. وأيضا لم يتضح بعد فى تلك الأماكن التى نجحت فيها الثورة، أى نظام وربما أى أسلوب سيحل محل النظام القديم: هل ديمقراطية ليبرالية بالأسلوب الغربي، وفقا للنموذج الذى يتوسط مطالب المتظاهرين الذين أشعلوا الأحداث الثورية، أم سيظهر"زعماء أقوياء" جدد، بدعم من الجيش؟ ومن المحتمل أيضا أن يحدث ما حدث فى كثير من الثورات السابقة، حيث يفتح ضعف النظام أمام الانتفاضات بابًا لاعتلاء السلطة أمام قوى لم تبادر بالانتفاضات، لكن اعتبرتها فرصة لتقديم جدول أعمال من عندهم. فى العالم العربى يبدو أن جدول الأعمال سيكون إسلاميا، ومن المحتمل أن يؤدى عدم الاستقرار فى دول مختلفة إلى ظهور نظام يكون خليطا بين احتمالات كتلك التى ذكرناها، وعلى أية حال فإن الشرق الأوسط ينتظر فترة طويلة من عدم الاستقرار، وأيضا فى الأماكن التى يبدو أن الأمر قد حسم فيها - مصر وتونس- لن يكون الانتقال من نظام مؤسسى إلى ديمقراطى سهلا ومباشرًا، وتنتقل المجتمعات التى حدثت فيها الاضطرابات من حالة عدم وجود حركات سياسية وأحزاب منظمة بخلاف العناصر الإسلامية إلى تعدد الأحزاب والحركات، وفى هذه الظروف يزداد احتمال ألا يتم الحسم بين الأحزاب الكبيرة والبرلمانيين الذين سيعتمدون على نتائجها فى الانتخابات الحرة، إذا تمت فعلا، وستشكل الحكومة من بقايا أحزاب، وتتسم هذه الحكومات الائتلافية بعدم الاستقرار. هناك قاسم مشترك بين الأنظمة الجديدة والقديمة التى ستنجح فى الحفاظ على السلطة فى يدها، وهو الاعتراف بضرورة الإنصات لصوت الشعب كشرط للبقاء، ويمكن اعتبار مشهد موجة الاضطرابات وجها إيجابيا لزيادة الوعى باعتباره أحد العناصر الأساسية فى النظام الديمقراطي، وفى نفس الوقت فى ظل الواقع الاجتماعى والسياسى السائد فى الدول العربية، هناك أيضا خطر الانجراف نحو السياسة الشعوبية، التى تعكس تطلعا لإرضاء الجماهير من خلال تلبية رغباتهم الآنية، ومن المتوقع أن يؤدى المضى فى هذا المسار إلى صعوبة التعامل مع المشاكل الحالية، التى حركت بالفعل الاحتجاجات الجماهيرية، والتى تتطلب أحيانا خطوات تقشف وضبط حاد للنفس. وأيضًا فإن الفشل فى التعامل مع هذه المشاكل يمكن أن يزيد من اتجاه الحكومات إلى تنبيه الجمهور إلى "التهديدات" الخارجية. تتسم التطورات فى هذا الاتجاه بالواقع الذى توجد فيه الولاياتالمتحدة، الدولة العظمى الرئيسية، فى حالة ضعف وتبدى صعوبة متزايدة فى مواجهة مشاكلها الداخلية، وهكذا أيضًا أغلب حلفائها الغربيين، والدول الأخرى المرشحة لدور الدولة العظمى، مثل الصين، يحركها منظور ذاتي، وبالتالى فإنها ليست مستعدة لتحمل مسئولية منصب "الشرطى العالمي" أو "المصلح العالمي"، والمعنى الذى نخرج به من هذه الديناميكية العالمية هو أنه لا يوجد الآن عنصر خارجى يمكنه أن يقر الوضع فى الشرق الأوسط ويساعد دول المنطقة فى التغلب على الأزمة الاجتماعية - الاقتصادية الحادة التى أحدثها "الربيع العربي"، سواء من خلال استخدام "العصا" العسكرية أو"الجزرة" الاقتصادية، وبالتالى فإن الدول العربية ستضطر إلى مواجهة عملية التغيير بنفسها، وهى العملية التى يصعب التكهن بمدتها واتجاهات تطورها. قد يستطيع العالم الغربى المساعدة بتصريحات التأييد، لكن يصعب عليه تقديم المساعدة العملية، يمكن أن تساعد تعبيرات التأييد العلنية فى استقرار السلطة فى تونس، التى تعتبر حالة يسهل نسبيا إنهائها، لأن عدد سكانها قليل، ومثقف نسبيا، ووضعها الاقتصادى ليس سيئا، لكن هناك شكًا فى استقرار السلطة فى مصر التى تعد مشاكلها الاجتماعية الاقتصادية حادة، إذا لم يصاحب التأييد مساعدة حقيقية. وأيضا فإن قدرة التدخل العسكرى الخارجى على حسم مصير السلطة محدود، وبالفعل فإن نظام القذافى قد سقط فى نهاية رحلة معاناة طويلة وكثير من الإصابات، لكن ليبيا ما زالت بعيدة عن الاستقرار، والفرضية القائلة بأن التدخل العسكرى فى سوريا يمكن أن يؤدى إلى إنهاء الوضع فيها لا يمكن تنفيذها بسبب عدم القدرة على حشد ائتلاف دولى لعمل عسكرى لإسقاط نظام بشار الأسد. هذا الوضع المركب يظهر فى الوقت الذى تكون فيه العلاقات بين إسرائيل وجيرانها فى أسفل الدرج، خاصة بعد ما بدا على أنه انهيار للعملية السلمية وحينما تكون النظرة السائدة فى العالم العربى وأيضا فى الساحة الدولية - هى أن سياسة إسرائيل الرافضة مسئولة بدرجة كبيرة عن هذا الطريق المسدود. سجل العامين الماضيين فى العلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين تدهورًا جوهريًا، مقارنة بالانطلاقة التى حدثت فى بداية التسعينيات - آنذاك بدأ الحوار بين الطرفين، ووقعت بينهما اتفاقات، وكان يبدو أن الطرفين قد تخلصا من نظرية الديناميكا بينهما "كلعبة المبلغ صفر"، والآن لا يمكن لإسرائيل والفلسطينيين إجراء حوار مباشر بينهم بسبب عدم الثقة العميقة المتبادلة بينهم، ومن ناحيتهما، اعتبار العلاقات" لعبة "المبلغ صفر" هى عودة للحكم بالقهر، إسرائيل والفلسطينيون متورطان فى لعبة تنافسية حيث يوجه سياستهما عزم على منع الطرف الثانى من تحقيق الربح، حتى وإن أدى ذلك فى النهاية إلى تكبدهما خسائر فادحة، فأى من الطرفين لا يبدى استعدادًا أو قدرة على مساعدة الطرف الثانى للتراجع عن مواقفه المتعنتة، التى لا تتيح استئناف الحوار، على أساس الاعتقاد بأن أى إنجاز محتمل للطرف الثانى هو خسارة بالنسبة له، وهكذا لا تستطيع إسرائيل أن تعرض على السلطة الفلسطينية الحد الأدنى المطلوب لها لكى تساعدها فى التراجع عن المطالب التى وضعتها كشرط لاستئناف المفاوضات، أى استعداد إسرائيلى مبدئى لتسوية إقليمية على أساس خطوط 1967 مع تبادل أراضي، والسلطة الفلسطينية من جانبها لا تستطيع الاستجابة لمطلب الحكومة الإسرائيلية بالاعتراف بإسرائيل كدولة للشعب اليهودي، وهى خطوة تساعدها فى الدخول فى المفاوضات على أساس خطوط 1967. ونتيجة لذلك وصلت الأمور إلى طريق مسدود، لن يربح منه الطرفان، فالسلطة لا يمكنها التقدم نحو إقامة دولة فلسطينية، وإسرائيل نفسها تتقدم نحو وضع يصعب عليها فيه تحقيق نبوءة الدولة اليهودية الديمقراطية، وفى ظل هذه الظروف من عدم الثقة، وقبل أن يغير الطرفان من نظرتهما لجدول الأعمال وغاية الحوار بينهما، هناك شك كبير فى أن يؤدى استئناف المفاوضات نتيجة لضغط دولى كبير عليهما، إلى بلورة تفاهمات والتوقيع على اتفاقات قابلة للتنفيذ. وإزاء عدم فائدة المفاوضات تبنى الفلسطينيون استراتيجية اللجوء إلى المجتمع الدولى بطلب الاعتراف باستقلالهم السياسي. من الممكن جدا أن تجسد الأزمة التى يمكن أن تحدث على خلفية التأييد الدولى المحتشد لفكرة الاعتراف بدولة فلسطينية، التكامل بين الاتجاهات الإشكالية الثلاثة فى البيئة الاستراتيجية لإسرائيل: انهيار عملية السلام، ضعف الولاياتالمتحدة و"الربيع العربي". إن تدويل المشكلة الفلسطينية هو فى حد ذاته نتيجة مباشرة لعدم القدرة على استئناف الحوار الإسرائيلى الفلسطينى وعدم قدرة الولاياتالمتحدة على فرض رغبتها وإعادة الطرفين إلى مائدة المفاوضات، يتركز الحوار السياسى والجماهيرى فى إسرائيل عن اعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة بدولة فلسطينية حول المعانى القانونية واحتمالات هذا التطور. آثار "الربيع العربي" على السياسة المحلية للدول العربية، سوف يرمى على إسرائيل، حيث ستنضم إلى عملية عزل إسرائيل المتزايدة وإحياء الحوار الإسرائيلى الفلسطينى على أساس عدم قدرتها على تغيير منطلق الحكومة الإسرائيلية بالنسبة لشرط السقف فى المفاوضات، تضع إسرائيل أمام تحديات أخطر من تلك التى واجهتها فى السنوات الأخيرة. أيضا لن يمر تأثير "الربيع العربي" على المجتمع الفلسطينى مر الكرام، فدور الشباب فى المجتمع الفلسطينى يفوق دورهم فى المجتمعات العربية، فقد زادت التقلبات ونتائجها بين الشباب الفلسطينى الإيمان، بأنه يمكنهم تحقيق الأهداف السياسية التى توجههم، بنفس الوسائل التى اتبعها الشباب فى الدول المجاورة، وبخاصة بالمظاهرات غير العنيفة. هذا الإحساس بالقوة، إلى جانب الإحباط الذى سينشأ بعد التصويت فى الأممالمتحدة حينما يتضح أن الاعتراف الدولى بدولة فلسطينية لا يكفى لتحقيق التطلع إلى السيادة، يمكن أن يتجلى فى مظاهرات صاخبة فى الشارع الفلسطيني، وبصورة محتملة فى صورة تحرشات زائدة مع إسرائيل. خبرة الماضى الإسرائيلى الفلسطينى، وأيضا دروس الانتفاضات فى العالم العربى حيث واجهت هذه الانتفاضات فى بعض منها مقاومة عنيفة من الأنظمة والمواجهات العنيفة بين المتظاهرين وقوات الأمن تشير إلى أن طريق الصدام بين إسرائيل والمتظاهرين الفلسطينيين سيكون قصيرا، وسيزيد الانفصال بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وأيضا التأثير المحدود للولايات المتحدة على الطرفين، من صعوبة احتواء الأزمات التى ستنشأ على هذه الخلفية وتهدئتها. يمكن أن يعتبر أنصار سياسة الطرف الواحد فى إسرائيل انهيار العملية السياسية فرصة لتنفيذ البدائل أحادية الجانب، وعلى رأسها تعيين حدود إسرائيل مع الدولة الفلسطينية دون مفاوضات مع طرف فلسطيني، وقد يكون الاقتراح الذى طرحته فى إسرائيل عناصر يمينية للرد على اللجوء الفلسطينى لاعتراف الجمعية العامة، بضم أراضى هو صدى لهذه النظرة، لكن هناك شك كبير فى إمكان إسرائيل تنفيذ هذا العزم إزاء مقاومة وانتقادات متوقع أن يثيرها ذلك فى الساحة العالمية. كما أن ضعف تأثير الولاياتالمتحدة على الشرق الأوسط، وكذلك تأثيرها المحدود على إسرائيل كما تجلى فى عدم قدرة الإدارة الأمريكية على دفع حكومة إسرائيل إلى تغيير سياستها فى مشكلة استئناف الحوار مع السلطة الفلسطينية، لا يخلق فرصا لإسرائيل، بل العكس هو الصحيح، فإن تحسن العلاقات الإسرائيلية مع روسيا ومع دول أمريكا الجنوبية أو مع الصين لن يعوض إسرائيل عما تفقده اذا ساءت علاقاتها مع الولاياتالمتحدة. حتى وإن كان ظهور هذه القوى مهمًا لإسرائيل على المدى البعيد، فإنه على المدى القصير والمتوسط لن يستطيع أى طرف منحها الدعم الاستراتيجى الذى تمنحه لها الولاياتالمتحدة فى كل المجالات. إضافة إلى ذلك، فإن ما يقال عن عزم إسرائيل البحث عن حلفاء بديلين، يساعد فقط فى تفاقم الأزمة بين الحكومة الإسرائيلية وإدارة الرئيس أوباما، وهى أزمة يمكن أن تظهر فى الإضرار بالمصالح الرئيسية لإسرائيل إذا استمرت، وبخاصة إذا انتخب أوباما لفترة رئاسية ثانية. ومع ذلك، إزاء الطريق السياسى المسدود فى الحوار الإسرائيلى الفلسطينى والصعوبات التى أثيرت فى العلاقات بين الحكومة الإسرائيلية وإدارة أوباما، وهى مليئة بالمخاطر، والمخاطر تتجسد فى الربيع العربى إضافة إلى مخاطر التغييرات، يمكن أن تجعلها إسرائيل فرصة بالنسبة لها، فيمكن أن تؤثر الأحداث الداخلية فى الدول العربية وتغيير الأنظمة على السياسة الداخلية فى الدول العربية، وأيضا تحريك تغييرات فى سياستها الخارجية وإحداث تغييرات فى منظومة العلاقات بينهم. على سبيل المثال، إذا سقط نظام الأسد فى سوريا وحل محله نظام برئاسة أغلبية سنية، تكن ضغينة لإيران وحزب الله بسبب تأييدهم لنظام الأسد، فإنه يمكن أن تحدث تغييرات فى التوجهات السياسية السورية، ويمكن أن ينهار المحور الذى تقوده إيران بدرجة كبيرة، نعم هذه التحولات تتيح لتركيا فرصة لتحسين وضعها الإقليمى وطرح نظام الحكم فيها كنموذج للتقليد، ذلك لأن النموذج التركى للتغيير الديمقراطى والتركيز على الاحتياجات الاجتماعية - الاقتصادية للجماهير يناسب منظور محدثى الانتفاضات فى العالم العربي، أكثر من طريق المعارضة والممانعة الذى تمثله إيران، وعلى الرغم من التحرش بينها وبين الحكومة الحالية فى تركيا، يمكن أن تخرج إسرائيل بمكاسب من تبنى النموذج التركى فى العالم العربي. وأيضا قد يساهم خروج الدول العربية من المعسكر والانحطاط الذى أظهروه فى العقود الأخيرة فى إقامة شرق أوسط يتسم بالتوازن بين القوى السياسية المختلفة وتلبية احتياجات المجموع، مع تقليص الفضاء الخالى بين النظام والجمهور، الذى تتطلع عناصر راديكالية لاستغلاله، وكان التعاظم الكبير والسريع فى تأثير إيران الإقليمى فى نفس العقود نتيجة لنفس الفضاء الخالي، الذى خلقه فناء وغروب الأنظمة العربية، وليس قوة إيران، على الرغم من أن هذه الدولة لا تعدم الضعف الواضح. ويمكن القول أن الشرق الأوسط الذى سيتسم بقيادة مصر الفعالة التى كانت أيضًا عنصر توازن بين إيران وتركيا، سيكون أكثر مناسبة لإسرائيل من شرق أوسط يمكن أن تكون إيران هى عنصر القوة الرائدة فيه، وهناك تغيير آخر يتشكل أمام أعيننا فى أعقاب العاصفة فى العالم العربى هو زيادة يقظة السعودية، فبعد أن جسد التمرد فى البحرين اقتراب الخطر منها، أبدت السعودية إصرارا على اتباع سياسة فعالة أمام العناصر التى تهدد مصالحها، وعلى رأسها إيران. قدرة إسرائيل على المناورة فى الشرق الأوسط سريع التغير والتعامل مع الأزمات المتوقعة، ترتبط بدرجة قاطعة بقدرتها على إحداث تغيير جوهرى فى الخطوط الأساسية لسياستها فى عدة موضوعات رئيسية، وعلى رأسها التحدى الإيرانى والتحدى الفلسطيني. لقد أثبتت "أحداث الربيع العربي"، على عكس الاتجاه السائد فى المنظومة السياسية فى إسرائيل باعتبار إيران مسئولة عن جزء كبير من التطورات فى الشرق الأوسط وتأثيرها على إسرائيل، وهو تأثير سيتفاقم حينما تحقق إيران القدرة النووية العسكرية- أن قدرة إيران على توجيه الأحداث فى الشرق الأوسط العربى محدودة إلى حد ما. وسوف تضطر إيران للتعامل مع الاضطرابات التى حدثت فى المنطقة والعمل على تهدئة الخطر على مصالحها المرتبطة بها، أضف إلى ذلك أن إيران هى لاعب واحد من لاعبين كثر فى المنطقة، لذلك يمكن أن تنتابنا الحيرة، هل سيكون هناك تأثير قاطع على الواقع الاستراتيجى فى الشرق الأوسط فى حال تحولها إلى دولة نووية حتى وإن استكملت البرنامج النووى الذى تعمل على تحقيقه بإصرار. إضافة إلى ذلك فإن قدرة إسرائيل النووية وتطلع دول عربية وعلى رأسها مصر إلى نزعها من خلال إحراز تقدم فى تحقيق رؤية شرق أوسط خالى من أسلحة الدمار الشامل، يمكن أن تلعب دورا مهمًا فى السياسة تجاه إسرائيل، وسيكون التعبير الأساسى عن ذلك استمرار الجهود لعقد مؤتمر إقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل فى الشرق الأوسط، المزمع عقده فى 2012 وفقا لاتفاق معاهدة وقف انتشار الأسلحة النووية، ومن ناحية أخرى، إذا اعترفت إسرائيل بالتغييرات التى حدثت فى الشرق الأوسط واعتدت بها فى إطار إعادة التفكير فى سياستها تجاه بيئتها الحالية والبعيدة فى المنطقة، فمن المحتمل أن تتمكن من تحييد قدر لا بأس به من التهديد الإيرانى الذى يتربص بها، ومن بينه عمل قاطع من جانب إسرائيل لإحياء عملية السلام الإقليمية مما يساعد الحكام العرب على رفع المشكلة الإسرائيلية الفلسطينية عن جدول أعمال سياستهم، وتحسين العلاقات مع إسرائيل. ويرجع التحدى الفلسطينى إلى السعى الإسرائيلى لتوسيع حدودها السياسية على أساس اعتقاد بأن هذا سيلبى مصالح استراتيجية جوهرية، حتى وإن كان فى ذلك قيمة عسكرية للمناطق وللعمق الاستراتيجي، ففى واقع إسرائيل الاستراتيجى يعد عنصر العمق الاستراتيجى محددا بكل حالة والصواريخ التى تطلق نحو إسرائيل من حزب الله وحماس تدل على أنه على الرغم من مداها القصير، إلا أنها تصل تقريبا إلى كل الأهداف فى إسرائيل. وفى مقابل ذلك، فإن التحدى الرئيسى الذى يواجه إسرائيل هو ترسيخ وضعها فى المنطقة، التى تعد فى أساسها عربية وإسلامية، مع الحفاظ على تأييد المجتمع الدولى لها. هذا التأييد هو ضمان حيوى لوجودها وازدهارها، لكن طالما أن الصراع مع الفلسطينيين مستمر بل ويهدد بالتصعيد بعد مناقشات الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن الاعتراف بدولة فلسطينية، لن تتمكن إسرائيل من تطوير منظومة علاقاتها القوية والمستقرة مع دول عربية. وفى الجو الحالى ، لا يمكنها تنفيذ نواياها. أحد اتجاهات التفكير التى وجدت فى إسرائيل فى أعقاب التطورات الدرامية فى العالم العربى هو النظرة التى ترى أن دول العالم العربى ستكون فى السنوات القادمة مشغولة بشئونها الداخلية، وبالتالى لن تتفرغ للاهتمام بعلاقات العالم العربى مع إسرائيل. لكن نشك فى أن يكون لهذا التقدير أساس صلب، فالتمردات فى العالم العربى ترجع فى جزء منها الى إحساس الدونية العميق لدى الجماهير العربية، صحيح أن هذا الإحساس كان بدرجة كبيرة نتيجة لطبيعة الأنظمة العربية والوضع الاجتماعى الاقتصادى فى المنطقة العربية، لكن يرجع أيضا إلى منظومة علاقات العالم العربى مع العالم الخارجى التى لعبت دورا مهما فى إشعال الاحتجاج، فعلاقة الغرب بالعالم العربى عبر سنوات طويلة غذت الإحساس بالظلم، وبهذا الشأن لعبت العلاقات بين العالم العربى وإسرائيل دورا مهمًا ورئيسيًا، فحاجة الحكومات العربية الشديدة للإنصات لصوت الشعب ستزيد فى صفوفها من الاتجاه الى الاهتمام بالموضوعات الإسرائيلية العربية، مع التركيز على المشكلة الإسرائيلية الفلسطينية. وبالتالي، لا عجب فى أن تكون إحدى الخطوات الأولى التى انتهجتها الحكومة المصرية الجديدة هى بذل جهد رئيسى فى التوصل إلى اتفاق مصالحة بين فتح وحماس، ولم يكن من قبيل الصدفة أنه تحديدًا فى عام 2011 تأخذ أحداث النكبة 1948والنكسة 1967 فى العالم العربى طابعا أكثر حدة عما قبل، وتضمنت محاولات المتظاهرين عبور حدود إسرائيل. ويمكن أن تصبح إسرائيل بؤرة غضب الجماهير فى الشارع العربى فى أعقاب أحداث مثل تصعيد العنف الإسرائيلى الفلسطينى فى قطاع غزة، وبالتأكيد إذا نشبت فى الضفة الغربية مواجهات واسعة وعنيفة بعد التصويت فى الجمعية العامة للأمم المتحدة على الاعتراف بدولة فلسطينية، قد ترتفع التطورات فى هذا الاتجاه أيضا لتصل إلى تصعيد المخاطر الأمنية على حدود إسرائيل الأخرى، وكل ذلك على خلفية الرفض الدولى المتزايد لسياسة إسرائيل، وستجد إسرائيل صعوبة فى وقف اتجاه التدهور فى علاقاتها مع الفلسطينيين وفى وضعها فى المجتمع الدولي، إذا لم تقم بمبادرة لإحداث انطلاقة حقيقية فى العملية السياسية. نظرتهما لجدول الأعمال وغاية الحوار بينهما، هناك شك كبير فى أن يؤدى استئناف المفاوضات نتيجة ضغط دولى كبير عليهما، إلى بلورة تفاهمات والتوقيع على اتفاقات قابلة للتنفيذ. وإزاء عدم فائدة المفاوضات تبنى الفلسطينيون استراتيجية اللجوء إلى المجتمع الدولى بطلب الاعتراف باستقلالهم السياسى. من الممكن جدا أن تجسد الأزمة التى يمكن أن تحدث على خلفية التأييد الدولى المحتشد لفكرة الاعتراف بدولة فلسطينية، التكامل بين الاتجاهات الإشكالية الثلاثة فى البيئة الاستراتيجية لإسرائيل: انهيار عملية السلام، ضعف الولاياتالمتحدة و"الربيع العربى". إن تدويل المشكلة الفلسطينية هو فى حد ذاته نتيجة مباشرة لعدم القدرة على استئناف الحوار الإسرائيلى الفلسطينى وعدم قدرة الولاياتالمتحدة على فرض رغبتها وإعادة الطرفين إلى مائدة المفاوضات، يتركز الحوار السياسى والجماهيرى فى إسرائيل عن اعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة بدولة فلسطينية حول المعانى القانونية واحتمالات هذا التطور. آثار "الربيع العربى" على السياسة المحلية للدول العربية، سوف يرمى على إسرائيل، حيث ستنضم إلى عملية عزل إسرائيل المتزايدة وإحياء الحوار الإسرائيلى الفلسطينى على أساس عدم قدرتها على تغيير منطلق الحكومة الإسرائيلية بالنسبة لشرط السقف فى المفاوضات، تضع إسرائيل أمام تحديات أخطر من تلك التى واجهتها فى السنوات الأخيرة. أيضا لن يمر تأثير "الربيع العربى" على المجتمع الفلسطينى مر الكرام، فدور الشباب فى المجتمع الفلسطينى يفوق دورهم فى المجتمعات العربية، فقد زادت التقلبات ونتائجها بين الشباب الفلسطينى، الإيمان بأنه يمكنهم تحقيق الأهداف السياسية التى توجههم، بنفس الوسائل التى اتبعها الشباب فى الدول المجاورة، وبخاصة بالمظاهرات غير العنيفة. هذا الإحساس بالقوة، إلى جانب الإحباط الذى سينشأ بعد التصويت فى الأممالمتحدة حينما يتضح أن الاعتراف الدولى بدولة فلسطينية لا يكفى لتحقيق التطلع إلى السيادة، يمكن أن يتجلى فى مظاهرات صاخبة فى الشارع الفلسطينى، وبصورة محتملة فى صورة تحرشات زائدة مع إسرائيل. خبرة الماضى الإسرائيلى الفلسطين، وأيضا دروس الانتفاضات فى العالم العربى حيث واجهت هذه الانتفاضات فى بعض منها مقاومة عنيفة من الأنظمة والمواجهات العنيفة بين المتظاهرين وقوات الأمن تشير إلى أن طريق الصدام بين إسرائيل والمتظاهرين الفلسطينيين سيكون قصيرا، وسيزيد الانفصال بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وأيضا التأثير المحدود للولايات المتحدة على الطرفين، من صعوبة احتواء الأزمات التى ستنشأ على هذه الخلفية وتهدئتها. يمكن أن يعتبر أنصار سياسة الطرف الواحد فى إسرائيل انهيار العملية السياسية فرصة لتنفيذ البدائل أحادية الجانب، وعلى رأسها تعيين حدود إسرائيل مع الدولة الفلسطينية دون مفاوضات مع طرف فلسطينى، وقد يكون الاقتراح الذى طرحته فى إسرائيل عناصر يمينية للرد على اللجوء الفلسطينى لاعتراف الجمعية العامة، بضم أراضى، هو صدى لهذه النظرة، لكن هناك شك كبير فى إمكان إسرائيل تنفيذ هذا العزم إزاء مقاومة وانتقادات متوقع أن يثيرها ذلك فى الساحة العالمية. كما أن ضعف تأثير الولاياتالمتحدة على الشرق الأوسط، وكذلك تأثيرها المحدود على إسرائيل كما تجلى فى عدم قدرة الإدارة الأمريكية على دفع حكومة إسرائيل إلى تغيير سياستها فى مشكلة استئناف الحوار مع السلطة الفلسطينية، لا يخلق فرصا لإسرائيل، بل العكس هو الصحيح، فإن تحسن العلاقات الإسرائيلية مع روسيا ومع دول أمريكا الجنوبية أو مع الصين لن يعوض إسرائيل عما تفقده إذا ساءت علاقاتها مع الولاياتالمتحدة. حتى وإن كان ظهور هذه القوى مهمًا لإسرائيل على المدى البعيد، فإنه على المديين القصير والمتوسط لن يستطيع أى طرف منحها الدعم الاستراتيجى الذى تمنحه لها الولاياتالمتحدة فى كل المجالات. إضافة إلى ذلك، فإن ما يقال عن عزم إسرائيل البحث عن حلفاء بديلين، يساعد فقط فى تفاقم الأزمة بين الحكومة الإسرائيلية وإدارة الرئيس أوباما، وهى أزمة يمكن أن تظهر فى الإضرار بالمصالح الرئيسية لإسرائيل إذا استمرت، وبخاصة إذا انتخب أوباما لفترة رئاسية ثانية. ومع ذلك، إزاء الطريق السياسى المسدود فى الحوار الإسرائيلى الفلسطينى والصعوبات التى أثيرت فى العلاقات بين الحكومة الإسرائيلية وإدارة أوباما، وهى مليئة بالمخاطر، والمخاطر تتجسد فى الربيع العربى، إضافة إلى مخاطر التغييرات، يمكن أن تجعلها إسرائيل فرصة بالنسبة لها، فيمكن أن تؤثر الأحداث الداخلية فى الدول العربية وتغيير الأنظمة على السياسة الداخلية فى الدول العربية، وأيضا تحريك تغييرات فى سياستها الخارجية وإحداث تغييرات فى منظومة العلاقات بينهم. على سبيل المثال، اذا سقط نظام الأسد فى سوريا وحل محله نظام برئاسة أغلبية سنية، تكن ضغينة لإيران وحزب الله بسبب تأييدهما لنظام الأسد، فإنه يمكن أن تحدث تغييرات فى التوجهات السياسية السورية، ويمكن أن ينهار المحور الذى تقوده إيران بدرجة كبيرة، نعم هذه التحولات تتيح لتركيا فرصة لتحسين وضعها الإقليمى وطرح نظام الحكم فيها كنموذج للتقليد، ذلك لأن النموذج التركى للتغيير الديمقراطى والتركيز على الاحتياجات الاجتماعية - الاقتصادية للجماهير يناسب منظور محدثى الانتفاضات فى العالم العربى، أكثر من طريق المعارضة والممانعة الذى تمثله إيران، وعلى الرغم من التحرش بينها وبين الحكومة الحالية فى تركيا، يمكن أن تخرج إسرائيل بمكاسب من تبنى النموذج التركى فى العالم العربى. وأيضا قد يساهم خروج الدول العربية من المعسكر والانحطاط الذى أظهروه فى العقود الأخيرة فى إقامة شرق أوسط يتسم بالتوازن بين القوى السياسية المختلفة وتلبية احتياجات المجموع، مع تقليص الفضاء الخالى بين النظام والجمهور، الذى تتطلع عناصر راديكالية لاستغلاله، وكان التعاظم الكبير والسريع فى تأثير إيران الإقليمى فى نفس العقود نتيجة نفس الفضاء الخالى، الذى خلقه فناء وغروب الأنظمة العربية، وليس قوة إيران، على الرغم من أن هذه الدولة لا تعدم الضعف الواضح. ويمكن القول إن الشرق الأوسط الذى سيتسم بقيادة مصر الفعالة التى كانت أيضًا عنصر توازن بين إيران وتركيا، سيكون أكثر مناسبة لإسرائيل من شرق أوسط يمكن أن تكون إيران هى عنصر القوة الرائدة فيه، وهناك تغيير آخر يتشكل أمام أعيننا فى أعقاب العاصفة فى العالم العربى هو زيادة يقظة السعودية، فبعد أن جسد التمرد فى البحرين اقتراب الخطر منها، أبدت السعودية إصرارا على اتباع سياسة فعالة أمام العناصر التى تهدد مصالحها، وعلى رأسها إيران. قدرة إسرائيل على المناورة فى الشرق الأوسط سريع التغير والتعامل مع الأزمات المتوقعة، ترتبط بدرجة قاطعة بقدرتها على إحداث تغيير جوهرى فى الخطوط الأساسية لسياستها فى عدة موضوعات رئيسية، وعلى رأسها التحدى الإيرانى والتحدى الفلسطينى. لقد أثبتت "أحداث الربيع العربى"، على عكس الاتجاه السائد فى المنظومة السياسية فى إسرائيل باعتبار إيران مسئولة عن جزء كبير من التطورات فى الشرق الأوسط وتأثيرها على إسرائيل، وهو تأثير سيتفاقم حينما تحقق إيران القدرة النووية العسكرية - إن قدرة إيران على توجيه الأحداث فى الشرق الأوسط العربى محدودة إلى حد ما. وسوف تضطر إيران للتعامل مع الاضطرابات التى حدثت فى المنطقة والعمل على تهدئة الخطر على مصالحها المرتبطة بها، أضف إلى ذلك أن إيران هى لاعب واحد من لاعبين كثر فى المنطقة، لذلك يمكن أن تنتابنا الحيرة، هل سيكون هناك تأثير قاطع على الواقع الاستراتيجى فى الشرق الأوسط فى حال تحولها إلى دولة نووية حتى وإن استكملت البرنامج النووى الذى تعمل على تحقيقه بإصرار. إضافة إلى ذلك فإن قدرة إسرائيل النووية وتطلع دول عربية وعلى رأسها مصر إلى نزعها من خلال إحراز تقدم فى تحقيق رؤية شرق أوسط خال من أسلحة الدمار الشامل، يمكن أن تلعب دورا مهمًا فى السياسة تجاه إسرائيل، وسيكون التعبير الأساسى عن ذلك استمرار الجهود لعقد مؤتمر إقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل فى الشرق الأوسط، المزمع عقده فى 2012 وفقا لاتفاق معاهدة وقف انتشار الأسلحة النووية، ومن ناحية أخرى، إذا اعترفت إسرائيل بالتغييرات التى حدثت فى الشرق الأوسط واعتدت بها فى إطار إعادة التفكير فى سياستها تجاه بيئتها الحالية والبعيدة فى المنطقة، فمن المحتمل أن تتمكن من تحييد قدر لا بأس به من التهديد الإيرانى الذى يتربص بها، ومن بينه عمل قاطع من جانب إسرائيل لإحياء عملية السلام الإقليمية مما يساعد الحكام العرب على رفع المشكلة الإسرائيلية الفلسطينية عن جدول أعمال سياستهم، وتحسين العلاقات مع إسرائيل. ويرجع التحدى الفلسطينى إلى السعى الإسرائيلى لتوسيع حدودها السياسية على أساس اعتقاد بأن هذا سيلبى مصالح استراتيجية جوهرية، حتى وإن كان فى ذلك قيمة عسكرية للمناطق وللعمق الاستراتيجى، ففى واقع إسرائيل الاستراتيجى يعد عنصر العمق الاستراتيجى محددا بكل حالة والصواريخ التى تطلق نحو إسرائيل من حزب الله وحماس تدل على أنه على الرغم من مداها القصير، فإنها تصل تقريبا إلى كل الأهداف فى إسرائيل. وفى مقابل ذلك، فإن التحدى الرئيسى الذى يواجه إسرائيل هو ترسيخ وضعها فى المنطقة، التى تعد فى أساسها عربية وإسلامية، مع الحفاظ على تأييد المجتمع الدولى لها. هذا التأييد هو ضمان حيوى لوجودها وازدهارها، لكن طالما أن الصراع مع الفلسطينيين مستمر بل ويهدد بالتصعيد بعد مناقشات الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن الاعتراف بدولة فلسطينية، لن تتمكن إسرائيل من تطوير منظومة علاقاتها القوية والمستقرة مع دول عربية. وفى الجو الحالى ، لا يمكنها تنفيذ نواياها. أحد اتجاهات التفكير التى وجدت فى إسرائيل فى أعقاب التطورات الدرامية فى العالم العربى هى النظرة التى ترى أن دول العالم العربى ستكون فى السنوات القادمة مشغولة بشئونها الداخلية، وبالتالى لن تتفرغ للاهتمام بعلاقات العالم العربى مع إسرائيل. لكن نشك فى أن يكون لهذا التقدير أساس صلب، فالتمردات فى العالم العربى ترجع فى جزء منها إلى إحساس الدونية العميق لدى الجماهير العربية، صحيح أن هذا الإحساس كان بدرجة كبيرة نتيجة طبيعة الأنظمة العربية والوضع الاجتماعى الاقتصادى فى المنطقة العربية، لكن يرجع أيضا إلى منظومة علاقات العالم العربى مع العالم الخارجى التى لعبت دورا مهما فى إشعال الاحتجاج، فعلاقة الغرب بالعالم العربى عبر سنوات طويلة غذت الإحساس بالظلم، وبهذا الشأن لعبت العلاقات بين العالم العربى وإسرائيل دورا مهمًا ورئيسيًا، فحاجة الحكومات العربية الشديدة للإنصات لصوت الشعب ستزيد فى صفوفها من الاتجاه إلى الاهتمام بالموضوعات الإسرائيلية العربية، مع التركيز على المشكلة الإسرائيلية الفلسطينية. وبالتالى، لا عجب فى أن تكون إحدى الخطوات الأولى التى انتهجتها الحكومة المصرية الجديدة هى بذل جهد رئيسى فى التوصل إلى اتفاق مصالحة بين فتح وحماس، ولم يكن من قبيل الصدفة أنه تحديدًا فى عام 2011 تأخذ أحداث النكبة 1948والنكسة 1967 فى العالم العربى طابعا أكثر حدة عما قبل، وتضمنت محاولات المتظاهرين عبور حدود إسرائيل. ويمكن أن تصبح إسرائيل بؤرة غضب الجماهير فى الشارع العربى فى أعقاب أحداث مثل تصعيد العنف الإسرائيلى الفلسطينى فى قطاع غزة، وبالتأكيد إذا نشبت فى الضفة الغربية مواجهات واسعة وعنيفة بعد التصويت فى الجمعية العامة للأمم المتحدة على الاعتراف بدولة فلسطينية، قد ترتفع التطورات فى هذا الاتجاه أيضا لتصل إلى تصعيد المخاطر الأمنية على حدود إسرائيل الأخرى، وكل ذلك على خلفية الرفض الدولى المتزايد لسياسة إسرائيل، وستجد إسرائيل صعوبة فى وقف اتجاه التدهور فى علاقاتها مع الفلسطينيين وفى وضعها فى المجتمع الدولى، اذا لم تقم بمبادرة لإحداث انطلاقة حقيقية فى العملية السياسية.