قبل عدة أيام أطلق المستشار مجدي العجاتي ، وزير الشئون البرلمانية والقانونية للنظام ، تصريحه الخطير عن طرح فكرة المصالحة مع الإخوان وأنه لا مانع طالما لم تلوث أيديهم بالدماء ، واستخدم لغة عاطفية جديدة غير معهودة في الحديث عن "الجماعة الإرهابية" والخونة والعملاء ، التي طالما استخدمها الإعلام الرسمي في وصف الجماعة وأعضائها ، فتحدث عنهم العجاتي بلطف شديد "إنهم مواطنون ومصريون فلم لا ؟!" ، كما أكد على أن الدولة تدرس تجارب دول أخرى في المصالحات السياسية من أجل الاستفادة منها ، وهي الإشارة التي كانت أكثر دلالة على أن "مشوار" المصالحة قطع شوطا بالفعل ، وأن هناك "فريق عمل" يعكف عليه ، ليس مستبعدا أن يكون العجاتي نفسه من بين أعضائه . اليوم أعلنت كتلة "دعم مصر" وهي المكون السياسي "الحزبي" الرئيسي الداعم للرئيس عبد الفتاح السيسي في البرلمان ، وصاحبة الأغلبية الكاسحة فيه ، أعلنت عن ترحيبها بالمصالحة مع الإخوان ولكن وفق شروط ، كما عبر اللواء سعد الجمال المتحدث الرسمي باسم "دعم مصر" والذي كرر كلاما مشابها لكلام العجاتي ، وكأنهما شربا من معين واحد ، والشروط التي وضعها الجمال شروط مطاطة ورخوة ، وسهل التعامل معها إذا "خلصت النوايا" ! ، ومنها : (أن يكونوا ممن لم تتلوث أياديهم بالدماء وكانت لديهم نوايا صادقة وليس مناورة وان يعترفوا بأخطائهم ويدينوا العمليات الإرهابية التى حدثت خلال الفترة الأخيرة) . غير أن أهم ما في تصريحات "دعم مصر" أنها تعطي الانطباع بأن حديث المصالحة انتقل الآن من مرحلة "المبدأ" المرفوض سابقا ، إلى مرحلة التفاصيل والشروط ، وتلك نقلة كبيرة لم يكن أي مسئول مصري يجرؤ عليها قبل عدة أشهر ، وربما هذا ما أعطى الانطباع لدى قطاع كبير من النخبة السياسية ، الموالية والمعارضة ، بأن مشروع المصالحة قادم ، وربما أقرب مما يتخيل أحد . حديث المصالحة سابقا كان يطرح عبر تسريبات من شخصيات عامة ، أو معارضين ، مثل الدكتور سعد الدين إبراهيم والدكتور حسن نافعة وآخرين ، وكان "إبراهيم" الذي سافر سفرة طويلة نسبيا إلى تركيا ودول أخرى والتقى قيادات بالإخوان المسلمين وهو أمر يصعب تصور أنه تم بغير تنسيق مع جهات بالداخل عاد ليبشر بأن المصالحة ضرورية وأن الإخوان لديهم الاستعداد الكامل لإنجازها من أجل المصلحة الوطنية ، كما كان كلام القيادي الإخواني المهجري "إبراهيم منير" مشابها لكلامه بوضوح ، لكن هذه المرة تأتي التصريحات وليس التسريبات عبر مسئولين في الدولة ، سواء وزراء في الحكومة أو قيادات برلمانية موالية للسيسي ، وهذا هو الجديد والخطير في الموضوع . حديث المصالحة يأتي في توقيت زمني خف فيه ضغط الحديث عن "الشرعية" على النظام ، باعتبار أن الرئيس الأسبق الدكتور محمد مرسي أنهى مدته الدستورية (أربع سنوات) رئيسا للجمهورية هذا الأسبوع بالفعل ، وبغض النظر عن الطريقة التي انتهت بها ، إلا أنها من الناحية العملية والموضوعية والدستورية انتهت ، وبالتالي انتهى نزاع "الشرعية" بقوة الواقع ، ولا أدري ما إذا كانت هناك صلة بين ذلك وبين القرار المفاجئ بإعادة الجواز الديبلوماسي للفريق أحمد شفيق ثم رفع اسمه من قوائم ترقب الوصول في المطارات والحديث عن قرب عودته للقاهرة ، لأن ما يشمل "مرسي" في تلك المسألة يشمل شفيق أيضا الذي ما زال مصرا على أنه الفائز بالانتخابات ، فملف الصراع السياسي انتقل الآن من "نزاع الشرعية" إلى نضال من أجل حقوق أو حريات أو شفافية سياسية ، والحقيقة أن نزاع الشرعية رغم تجاهله علنا من الجهات الرسمية إلا أنه كان ضاغطا بقوة على النظام السياسي محليا ودوليا ، كما كانت حالة مربكة جدا ، لأنها المرة الأولى التي تنزع فيها السلطة من رئيس للجمهورية وهو يتمسك بها ، فمبارك تنازل عنها للمجلس العسكري فلم تكن هناك مشكلة ، والملك فاروق تنازل عنها لابنه الصغير ثم تنازل الوصي عنها للمجلس العسكري "مجلس قيادة الثورة" فلم تكن هناك مشكلة أيضا ، وعبد الناصر والسادات انتقلت منهما بموت الرئيس ، لكن هذه المرة غير معهودة ، وكان إصرار مرسي على شرعيته رئيسا مربكا بالفعل . ردود الأفعال التي ظهرت في الإعلام الرسمي الموالي للسيسي حتى الآن غاضبة من التوجه الحكومي الجديد للمصالحة مع الإخوان ، وهناك عصبية شديدة في الرفض ، كما أن تقديرات الأجهزة المختلفة متباينة في هذا الملف ، كما أن الأحكام القضائية المشددة التي تصدر مؤخرا تبدو محيرة ، غير أنها في النهاية ستبقى "جزءا من المساومة السياسية" ويسهل الخلاص منها بأي تسوية سياسية ، لأن الدستور يمنح رئيس الجمهورية صلاحية إسقاط العقوبات بعفو رئاسي ، وكان هناك حوالي عشرة من أعضاء الجماعة الإسلامية محكومين بالإعدام في أواخر عهد مبارك ، وينتظرون التنفيذ ، ثم قرر المجلس العسكري برئاسة المشير طنطاوي إسقاط العقوبة عنهم وأطلق سراحهم بعد ثورة يناير في تسوية سياسية مبكرة أجراها المجلس العسكري مع القوى الإسلامية .