عندما تسربت دراسة استراتيجية أمريكية- العام قبل الماضي- تتحدث عن سيناريو لتقسيم السودان لثلاث دول؛ أحدها دولة في دارفور موالية لإسرائيل، كان البعض يتساءل عن أمكانية أن يكون ذلك حقيقة في بلد يدين أهله بالإسلام بنسبة 100%!!.. و لكن قراءة الأحداث على لم تزل في كل يوم تؤكد أن ثمة سعي جدي نحو هذا الهدف تتكاتف القوى اليهودية في كل مكان لتحقيقه. و في غضون الأيام القليلة الماضية كشف مدير مفوضية اللاجئين في مكتب الأممالمتحدة بالقدس (ميكي بافلي) أن تسلل السودانيين إلى إسرائيل عبر سيناء طلباً للجوء السياسي صار ظاهرة آخذة في الاتساع منذ بدء العام الحالي!!..و قد نوَّه في تصريح للجزيرة نت إلى أن العدد المتسلل حتى الآن بلغ 220 يقبعون خلف قضبان سجن الرملة!!..و قال صلاح حاج يحي سكرتير منظمة أطباء بلا حدود الإسرائيلية إن ما يتراوح بين 70-80% من المتسللين السودانيين هم من (دارفور)!!.. و حقيقة الأمر أن حمى التسلل السوداني إلى إسرائيل قد بدء في تاريخ أبعد من بداية العام الحالي..و لكن بداية خروج المسألة إلى الإعلام كانت في هذا التاريخ.. و على الرغم من أن السلطات الإسرائيلية أعلنت – إعلامياً- رفضها النهائي لقبول السودانيين استناداً إلى القانون الإسرائيلي الذي يحظر منح اللجوء السياسي لأي مواطن قادم من دولة معادية، إلا أن القراءة المنطقية تقول إن طبيعة الصورة الذهنية لإسرائيل في جميع الأقطار الإسلامية تجعل من المستحيل التسليم بفرضية أن يكون تدافع هذا التدافع تلقائياً، حيث لا يمكن أن يقدم مواطن من دولة عربية على الدخول إلى (عش الزنابير) إذا لم يكن يعلم أن الطريق ممهد لذلك، و أن هناك سوابق ناجحة و مأمونة لذلك الفعل!!..خصوصاً أن بعض أولئك المتسللين على قدر وافر من الثقافة كما تشير (سيغال روزين) من مركز مساعدة العمال الأجانب.. أضف إلى ذلك الظروف (المشجعة جداً) التي يلقاها أولئك المتسللون الذين من بينهم نساء يقمن بملاجئ خاصة في قضاء حيفا.. و حتى الذين تم اعتقالهم إدارياً في سجن الرملة ينعمون بتلك الظروف المشجعة، أحدهم – و هو كبمي أولانج 28 سنة يصف نفسه بأنه هارب من ! دارفور، وهو محتجز مع 170 آخرين منذ ديسمبر الماضي- يعبر عن هذه الظروف بقوله: (وصلت إلى مصر فوجدت نفسي كالمستجير من الرمضاء بالنار، حيث عوملنا بقسوة شديدة، فهربت إلى إسرائيل و الحمد لله هنا المعيشة في الأسر أفضل من الحياة خارجه في البلدان العربية مجتمعة) و أكد أولانج أنه يفضل الموت على أن يعاد إلى مصر.. و عموماً يمكننا القول إن إسرائيل تحاول أن لا تضيع وقتاً في مد جذورها إلى الإقليم المنكوب، فهي تعمل على جميع الأصعدة.. فعسكرياً كانت الأسلحة الإسرائيلية تتدفق إلى الحركات المتمردة في دارفور، و قد ضبت السلطات الأردنية -في وقت سابق- بعض عمليات تهريب الأسلحة عبر أراضيها في حادثة مشهورة..و سياسياً ظلت العلاقات مع قادة التمرد في دارفور مستمرة عبر الوسطاء من رؤساء الدول المجاورة أمثال أسياسي أفورقي، و إدريس دبي متواصلة، آخرها كان اللقاء الثلاثي الذي جمع (دبي- أركوي مناوي- و خليل إبراهيم) مع مسؤولين إسرائيلين قبيل توقيع اتفاق السلام الأخير.. كما أن تحركات اللوبي اليهودي عبر منظماته الكثيرة في أوربا و أمريكيا لم تعد من مسائل الأسرار.. فالمنبر اليهودي في أوربا كان و مازال يجمع الأموال لدعم الحركات المتمردة .. بينما تتحرك المنظمات اليهودية في أمريكيا و في ركابها الهيئات الإنجيلية لحشد الرأي العام الأمريكي ضد حكومة الخرطوم و لصالح التدخل العسكري في دارفور، عبر التظاهرات و المسيرات و رسومات الأطفال و الألعاب الألكترونية لتجسيد مأساة دارفور.. و اقتحام مقر السفارة السودانية تارات.. و إغاثي! اً تعمل المنظمات الطوعية اليهودية في مناطق اللاجئين السودانيين بتشاد بحرية تامة و تحتكر التعبئة ضد الوجود العربي في دارفور.. كما تعمل داخل الأرض تحت ستار منظمات طوعية كثيرة.. و يمكننا القول إن إسرائيل تستهدف في هذه المرحلة كسر الحواجز النفسية و خلق ارتباط نفسي بينها وبين إنسان الإقليم الذي أنهكته الحرب، و أعياه النزوح و التشرد، و في هذه الحالات النفسية يسهل تفريغ الموجود و ملأه من جديد.. و لا أتوقع أن يطول الجدل القانوني بشأن المتسللين السودانيين، ذلك الجدل الذي يدور بين التعامل معهم وفق (قانون منع التسلل) و بالتالي طردهم على الفور.. أو بموجب قانون الدخول لإسرائيل، و بالتالي إمكانية منحهم حق اللجوء السياسي، و هناك إلتماسات قانونية مقدمة بهذا الشأن الآن أمام السلطات الإسرائيلية.. و غالباً ما تسير الأوضاع على النحو الأخير، و هكذا ستكون القراءة المنطقية إن إسرائيل تعمدت خلق الأزمة بمنع المتسللين من الدخول حتى تأخذ القضية بعداً إنسانياً، و من ثم ينظر إلى الخطوة إلى الخطوة التي ستتخذها إسرائيل في استضافة هؤلاء اللاجئين و غيرهم وفقاً للمعيار الإنساني.. هذا من ناحية.. و من الناحية الأخرى فإن الأموال التي ستتدفق إلى دارفور عبر هؤلاء (المغتربين في الدولة العبرية) ستكون هي جواز المرور إلى قلوب أهل دارفور.. و جواز المرور لتمويل مشروعات أخرى كثيرة تخدم الوجود الإسرائيلي في الإقليم بشكل مباشر. [email protected]