محافظ الإسكندرية: جاهزية كاملة للجان دائرة الرمل للتيسير على كبار السن وذوي الهمم    وزير المالية يُعلن التفاصيل الكاملة ل «الحزمة الثانية للتسهيلات الضريبية»    مدبولي عن معرض إيديكس: الرئيس السيسي يولي اهتمامًا كبيرًا بالصناعات الدفاعية    كأس العرب 2025.. التعادل السلبي يحسم مواجهة الجزائر والسودان    كأس العرب| تشكيل مباراة العراق والبحرين    كأس العرب - مؤتمر مدرب تونس: طوينا صفحة الخسارة أمام سوريا.. وقادرون على الذهاب بعيدا    مداهمة مصنع لتدوير الأقراص المخدرة ومصادرة مضبوطات ب 75 مليون جنيه    الداخلية تضبط سائقا يتجول بمحيط لجان انتخابية بمكبر صوت بالبحيرة    إبراهيم قاسم: قرارات الهيئة وتوجيهات رئيس الجمهورية رفعت ثقة الناخبين وقللت المخالفات    يروي قصة أرض الإمارات وشعبها.. افتتاح متحف زايد الوطني بأبوظبي.. صور    في يومهم العالمي.. 5 رسائل من الأزهر لكل أسرة ترعى طفلا من ذوي الإعاقة    "من أجل قلوب أطفالنا".. توقيع الكشف الطبي على 283 حالة بمدرسة كفر الكردي ببنها    المفوضية الأوروبية تتقدم باقتراح بشأن قرض لتمويل تعويضات لكييف    الاحتلال يكثف اعتداءاته في نوفمبر.. أكثر من 2100 انتهاك و19 محاولة لإقامة بؤر استيطانية جديدة    من واقع مذكراته وتجربته بالعراق.. كيف ينظر وزير الحرب الأمريكي لقواعد الاشتباك في الميدان؟    رئيس قطاع الثروة الحيوانية والداجنة بالزراعة: لا توجد دواجن مريضة في الأسواق.. واتهامات السردة إشاعات    دراما الأعلى للإعلام: نرفض أكاذيب قوائم الممنوعات.. وإجراءات قانونية ضد مروجي الأخبار غير الصحيحة    سكرتير عام المنوفية يشهد افتتاح معرض «ابتكار مستدام»    رومانو: برشلونة سيجدد تعاقد جارسيا لمدة 5 مواسم    عاجل- الحكومة: 6.3 مليون مواطن استفادوا من خدمات هيئة الرعاية الصحية خلال 6 أشهر    الداخلية تضبط طالبًا طمس لوحات سيارته فى البحيرة    زينة: "ماشوفتش رجالة في حياتي وبقرف منهم"    محافظ الجيزة يتفقد أعمال تطوير حديقتي الحيوان والأورمان (صور)    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 3ديسمبر 2025 فى المنيا.. اعرف مواقيت صلاتك    وكيل لجنة مراجعة المصحف ورئيس منطقة الغربية يتفقدان مسابقة الأزهر السنوية لحفظ القرآن الكريم    "القاهرة الإخبارية": إسرائيل ترسل وفدا سياسيا إلى لبنان لأول مرة وسط ضغوط أمريكية    6 قرارات جديدة للحكومة.. تعرف عليها    ريهم عبدالغفور تحيي ذكرى وفاة والدها الثانية: "فقدت أكتر شخص بيحبني"    محافظة الجيزة ترفع 500 حالة إشغال خلال حملة بشارع عثمان محرم.. صور    7 ديسمبر.. الإدارية العليا تنظر الطعون على نتيجة المرحلة الثانية لانتخابات النواب    انعقاد الاجتماع الرابع للجنة الفنية المصرية – التونسية للتعاون الاستثماري    الصليب والهلال الأحمر الدولي: فيضانات جنوب شرق آسيا كارثة إنسانية تتطلب دعما عاجلا    عاجل- رئيس الوزراء يهنئ منتخب مصر للكاراتيه على الإنجاز العالمي التاريخي    مصر السلام.. إيديكس 2025.. رسائل القوة بقلم    في اليوم العالمي لذوي الهمم.. انتصار السيسي: وجودكم يضيف قيمًا وإنسانية وجمالًا لا يُقدّر بثمن    دونالد ترامب يحضر قرعة كأس العالم 2026    بداية شهر رجب 1447 هجريًا... الحسابات الفلكية تكشف موعد ظهور الهلال    ضبط سيدتين بحوزتهما كروت دعاية انتخابية بمحيط لجنة في دمنهور قبل توزيعها على الناخبين    الأرصاد: استمرار انخفاض درجات الحرارة الملحوظ على مختلف أنحاء البلاد.. فيديو    أطعمة تعالج الأنيميا للنساء، بسرعة وفي وقت قياسي    الصحة تعلن ضوابط حمل الأدوية أثناء السفر| قواعد إلزامية لتجنب أي مشكلات قانونية    لاول مرة فى مستشفي شبين الكوم بالمنوفية..استخراج ملعقة من بطن سيدة مسنة أنقذت حياتها    وزيرا التخطيط والمالية يناقشان محاور السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية    على رأسها رونالدو.. صراع مشتعل على جائزة مميزة ب جلوب سوكر    ستوري بوت | لماذا احتفى الشعب المصري والعربي ب «دولة التلاوة»؟    تفاصيل جريمة غسل أموال بقيمة 30 مليون جنيه    طلاب ثانية إعدادي يؤدون اختبار مادة العلوم لشهر نوفمبر بالقاهرة    هالاند: الوصول ل200 هدف في الدوري الإنجليزي؟ ولم لا    محافظ القاهرة يوجه بوضع خطة عاجلة لتطوير الحديقة اليابانية بحلوان    وزير البترول والثروة المعدنية يستعرض إصلاحات قطاع التعدين ويبحث شراكات استثمارية جديدة    مجلس حكماء المسلمين يشارك بجناح خاصٍّ في معرض العراق الدولي للكتاب 2025    محافظ الإسكندرية يتفقد لجان الاقتراع بدائرة الرمل    احتفاءً بأديب نوبل، القاهرة للكتاب والوطني للقراءة يطلقان مسابقة لإعادة تصميم أغلفة روايات محفوظ    أسعار الفراخ والبيض اليوم الاربعاء 3-12-2025 في الأقصر    الأمم المتحدة تحتفل باليوم الدولي للأشخاص ذوي الإعاقة    دعاء صلاة الفجر اليوم.. فضائل عظيمة ونفحات ربانية تفتح أبواب الرزق والطمأنينة    «الوطنية للانتخابات»: إعادة 19 دائرة كانت قرارًا مسبقًا.. وتزايد وعي المواطن عزز مصداقية العملية الانتخابية    «السيدة العجوز» تبلغ دور ال8 في كأس إيطاليا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في فتنة أبو قرقاص .. الصراحة ضرورة وإن أغضبت الجميع
نشر في المصريون يوم 29 - 05 - 2016

المشكلة التي وقعت في أبو قرقاص بالمنيا بين أسرتين ، مسيحية ومسلمة ، وتطوراتها التي شهدت اشتباكات واعتداءات على أفراد لم نتبين حتى هذه اللحظة طبيعتها بشكل يقيني ودقيق ، رغم الصخب الإعلامي والتشنج الكبير الذي تبديه نخب سياسية وإعلامية ، هذه الواقعة ليست جديدة بالطبع ، وقد تكررت مرارا من قبل ، لارتباطها بمعضلات ثقافية واجتماعية راسخة في الصعيد تتعلق بقضايا الشرف ، إضافة إلى بعض الحساسيات الطائفية إذا ارتبطت بتلك الأحداث ، والغريب أن ردود الفعل ذاتها تتكرر ، سواء من النخب الثقافية أو الإعلامية أو من الدولة وأجهزتها أو من بعض رجال الدين ، ومعها تتكرر نفس الأخطاء ، من الجميع .
يسرب أحدهم خبرا عن واقعة معينة ، فتهيج الدنيا ، ويتراشق الجميع بالاتهامات ، ويستحضر الجميع وثائق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان !!، ويتطوع كثيرون بإعطاء الشعب دروسا في التحضر والاستنارة ، ولا بأس من وصف الشعب المصري بأخس الأوصاف وقد وصل الحال لاتهام الشعب المصري بأنه داعشي المزاج والتكوين ، ثم تسأل أحدا من هؤلاء "المحترمين" عن مصدره الموثوق للواقعة وتفاصيلها ، لا تجد سوى أنه تابع صفحات التواصل الاجتماعي ، تقول له المحافظ نفى ، يقول لك المحافظ كذاب ، تقول له عمدة القرية نفى ، يقول لك العمدة يخفي الحقيقة ، تقول له أن شهود عيان هناك قالوا بغير تلك الرواية بمن فيهم أقباط يقول لك لا تدفن رأسك في الرمال ، تقول له : طب اعطني دليلا قطعيا على الواقعة التي أهاجت شعورك ، يختفي وراء السباب والاتهامات المتنوعة .
حتى هذه اللحظة لا نعرف بوجه القطع ، في الواقعة الأكثر إثارة وهي تعرية السيدة المسيحية والدة الشاب المتهم بالاعتداء الجنسي على سيدة مسلمة ، هل حدثت تعرية فعلا لها ؟ ، هل الواقعة تتلخص في نزع طرحتها من على رأسها كما حكى البعض ؟ ، هل الذي حدث تمزق في بعض ثيابها ؟ ، هل تم زفها في الشوارع عارية كما تم تصوير المشهد المسرحي ؟، طيب هل هناك أي صورة أو فيديو توثق ما حدث إن كان فعلا حدث ، سواء من مواطن مسلم أو مسيحي ، هل اختفت الموبايلات من البلد بكاملها في تلك اللحظة ، طيب هل تم الحصول على رواية متكاملة من صاحبة الأزمة نفسها ، طيب هل استمع أحد إلى الروايات الأخرى من أهالي القرية التي توضح صورة ما جرى حتى تتكامل الصورة ، لا شيء من تلك البديهيات نعرفه ، ومع ذلك قرر الجميع الهجوم والنقد والإهانة للشعب المصري واتهامه بأحط الأوصاف ، والطريف أن نفس هؤلاء جميعا كانوا يعطوننا دروسا في ضرورة أن يكون للقانون والدستور كلمة ، وأن المجالس العرفية تهريج ، في حين أن كل سلوكياتهم تجاه المسألة لا تتصل بقانون ولا دستور ولا أخلاق ، وإنما بتهريج إعلامي ودعوات "عرفية" للثأر والتحريض على أهالي القرية لأنهم جميعا أصبحوا في وجه المدفع ، لدرجة أن قدم الأهالي استغاثة تطالب بوقف الحملة ضدهم والبحث عن المتورطين في الأحداث لمحاسبتهم .
الأنبا مكاريوس ، أسقف المنيا ، كان على خط "التهييج" منذ اليوم الأول ، وتحدث بوصفه ممثل رئيس الجمهورية في المحافظة ، صاحب الولاية على "المواطنين" ، أو هو رئيس الجمهورية الفعلي ، لدرجة أن البرلمان يطلب مقابلة السيدة "المواطنة" المعتدى عليها فيرفض الأنبا مكاريوس طلب البرلمان ، ويوجه خطابا عنيفا للبرلمان قائلا : لن نسمح لكم بالمقابلة حتى يأخذ القانون مجراه ويتم ضبط المعتدين ، والبرلمان وفقا للدستور والقانون هو مؤسسة الدولة الرقابية والتشريعية ، ويبسط ولايته على كل أنحاء الوطن ، لكن الأنبا مكاريوس فوق القانون وفوق الدستور وفوق البرلمان ، وهو وحده صاحب الولاية والقرار على "المواطنة" المسيحية ، وكلمته نافذة ، ولم يجرؤ البرلمان ولا رئيسه على أن يقول له : عيب ، على الأقل : عيب ، كما وجه مكاريوس تهديدا لما يسمى "بيت العائلة" وهو مؤسسة أهلية يرأسها شيخ الأزهر والبابا تواضروس للتعامل مع الأزمات الطائفية بحلول اجتماعية عاجلة تمنع توسع العنف وتحاسب المخطئ وترضي النفوس ، وقال الرجل بلهجة حاسمة ومستعلية : (نحن نرفض رفضا تاما أن يظهر في المشهد الآن ما يسمى "ببيت العائلة" لإنهاء الأزمة بالتصالح بين الطرفين) ، ولا أعرف الضمير في "نحن" يعود على من بالضبط ، وما هي صفته ، وانتشر الأنبا مكاريوس في وسائل الإعلام متحدثا باسم الأقباط ، ومذكرا بأن حقوق الأقباط منتهكة وأنه حتى الآن لم يصعد الأمر دوليا وأن حق أقباط المنيا لا بد أن يعود ، ولم يجد الرجل أي "مستنير" من الذين أعطونا دروسا عن سيادة دولة القانون والدستور على مواطنيها ، لكي يقول له : ما هي صفتك القانونية والدستورية لكي تقول ذلك وتتحدث باسم "المواطنين" ، سواء كانوا أقباطا أو مسلمين ، الكل اعتبر أن هذا الكلام "العرفي" الذي يغتصب القانون والدستور يجوز في تلك الظروف ، لأن لغة "المصاطب" هي التي تسود الآن مع الأسف .
الوطن الذي يعاني الآن على مختلف الأصعدة ، لا ينقصه تهييج ولا إثارة ، والمشكلات ذات الحساسية العالية ، مثل القضايا ذات البعد الطائفي أو المتصل بتقاليد راسخة من مئات السنين ، لا يصح التعامل معها باستعلاء النخبة وعجرفتها ، ولا بغشومية الإعلام وصخبه ، ولا باندفاع المرجعيات الدينية وصبها الزيت على النار ، ولا بمزايدات القوى السياسية الموالية أو المعارضة للسلطة ، فالمسألة فوق السياسة وقبلها ، وكل ذلك يزيد الفتن ويعرض الوطن لمخاطر هائلة ، وإنما الوطن يحتاج هنا إلى الحكمة والعقل والإحساس العالي بالمسئولية ، وإلى التفريق بين محاسبة المخطئ بسيف "العدالة" بدون تحريض واسع على القمع والاستباحة ، وبين منع تفجر الفتن والحرائق ، لأن سجن شخص أو مائة لن يحل وحده إشكالا بهذا العمق ، بل ربما يزيد إليه مبررات الغضب والرغبة في الانتقام ، وهناك حلول أهلية عاجلة قصيرة الأمد ، وهناك حلول ثقافية وسياسية طويل الأمد ، والأفندية في القاهرة الذين صدعوا رؤوسنا طوال الأيام الماضية بدروس التنوير والتحضر ، يلزمهم أن "يعفروا" ياقات قمصانهم ، أو ذيول "جيباتهن" ببعض تراب قرى وكفور صعيد مصر ، ليعايشوا الواقع عن قرب ويدرسوه ويعرفوا مشكلاته وخلفياتها وتداخلاتها ، فهذا ربما جعلهم أكثر حكمة وأكثر واقعية وأكثر وطنية ، لو كانوا يعقلون .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.