كش قضاء.. كش «مرسى»

أنظار المصريين اتجهت أمس إلى مجلس الدولة، أكثر مما اتجهت إلى الكلية الحربية.. كان الرئيس والمشير يحتفلان بتخريج الدفعة 106 حربية.. الأهمية القصوى كانت لمجلس الدولة، أكثر من الكلية الحربية.. فى الظروف العادية الخبر الرئيسى «المانشيت» حيث يكون الرئيس.. الآن معايير الصحافة تغيرت.. دعك من تقاليد الصحف الرسمية.. خبر حل «التأسيسية» أهم من كل ما قاله الرئيس فى الكلية الحربية!
المناخ حول المحكمة كان ينذر بالخطر.. مصير مصر السياسى على المحك، خاصة أن الأمر يتعلق بالتأسيسية، والشورى، والإعلان الدستورى المكمل.. بات العشرات فى شارع مراد ليلة الحكم.. توافد المئات منذ فجر أمس.. أصبحت الأعداد بالآلاف، عندما انعقدت جلسة الحكم استشعرت هيئة المحكمة خطورة ما يجرى.. وصفته بأنه يستهدف التأثير على المحكمة.. قلت من قبل إنه إرهاب!
للأسف كان المشهد فى مجلس الدولة مهزلة.. المشهد داخل قاعة المحكمة كان فضيحة.. المستشار عبدالسلام النجار، رئيس الدائرة الأولى، التى تنظر دعاوى حل الجمعية التأسيسية الثانية، اضطر أن يقول إنه حتى الآن لم يولد بعد من يحاول أن يؤثر على المحكمة، أو يملى عليها حكماً بعينه، ولا أحد، أياً كان، يستطيع أن يؤثر علينا، وعلى قراراتنا بإصدار حكم معين.. قابل التهديد بالتهديد!
التأثير على المحكمة جريمة.. إرهاب القضاة جريمة أكبر.. الهتافات فى مواجهة هيئة المحكمة مصيبة.. أفهم أن تكون الإجراءات قانونية فى مواجهة المنصة.. لا أفهم أن تكون الاحتجاجات هى الحل.. لا أفهم أى معنى لإرهاب المحاكم.. غير مقبول أن يقدم الإسلاميون نموذجاً كهذا للتعامل مع القضاء.. المفترض أن الجمعية التأسيسية وطنية أكثر منها إسلامية.. لماذا يقاتل الإسلاميون لبقائها؟!
بغض النظر عن نتيجة الحكم، أشعر بألم شديد لما جرى.. أشعر بالخوف على مستقبل مصر.. سمعت كلاماً غريباً أن الفلول هم من يريدون حل التأسيسية والبرلمان.. أصحاب الدعاوى ثوريون أكثر من الإسلاميين.. منهم أبوالعز الحريرى، وحمدى الفخرانى، وشحاتة محمد شحاتة.. من الفلول فيهم؟.. سمعت كلاماً أكثر خطورة أن القضاة يلعبون سياسة.. محامو الإخوان طالبوا برد المحكمة (!)
تشويه القضاة جريمة قد تؤثر بدرجة خطيرة على مستقبل الوطن.. كائنات غريبة على شاشة قناة الجزيرة، لا تصدق نفسها.. تتحدث بوعى ودون وعى.. تتحدث فى أى شىء.. تهتف ضد العسكر وضد الفلول، فى قاعة المحكمة.. تريد تحويل الأمر إلى قضية سياسية مع أنها قضية قانونية.. الذين رفعوا القضايا لا يمكن أن يكونوا موجهين.. لو وجّههم أحد ربما سحبوا قضاياهم ضد «التأسيسية» فوراً!
لماذا يحاصر الإخوان وحدهم مجلس الدولة؟.. لماذا لا يوجد معهم أطياف مختلفة؟.. السبب أنها جمعية طائفية وليست وطنية، كما أنها جمعية فئوية، لا تعبر بصدق عن ملامح شعب مصر، على اختلاف شرائحه.. هنا كان الاحتجاج، وهنا كانت الدعاوى القضائية لملاحقة التأسيسية الثانية.. الحكاية واضحة جداً، أن الإخوان يريدونها مغالبة لا مشاركة.. القضية عندهم قبل أن تكون عند المحامين أو القضاة! اتهام القضاة باللعب فى السياسة خطيئة.. وضع المحاكم تحت الحصار سلوك سندفع ثمنه.. سيدفع ثمنه الإخوان.. سيدفع ثمنه الرئيس مرسى.. تصورت أن الرئيس سيوجه كلمة تدعو لاحترام القضاء، وضرورة فض الاعتصامات.. للأسف الشديد لم يفعل.. الرئيس نفسه هدد منتقديه.. أنصاره يهددون القضاة أيضاً!