هل هو نوع من الجنون أن يصرف العالم المليارات على مباريات كأس العالم بينما الملايين يموتون جوعاً ويمرضون ولا يجدون فرصة علاج فى مستشفى؟!.. أباطرة كرة القدم فى الفيفا يردون قائلين: دع الناس يحلمون ويستمتعون.. الناس تحلم بالذهاب إلى استاد الكرة ولا تحلم بالذهاب إلى المستشفى.. منطق برضه!. ويقال إن كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكى الأسبق، كان يتساءل فى دهشة: كيف تحلم أمريكا أن تقود العالم وهى فاشلة فى كرة القدم؟!.. والفلاسفة أيضاً دخلوا على الخط، وقالوا: مباريات كأس العالم مهمة جداً.. فهى الحروب الافتراضية التى تطفئ فيها الشعوب شهوة الانتصار والمجد والفخار بدلاً من معارك القتل والدمار.. والناس فرحون بتفريغ شحنات الكبت السياسى والاقتصادى والاجتماعى فى ماتشات الكرة.. يتصايحون ويزعقون ويلعنون غباء اللاعبين حين تضيع الفرص الذهبية.. وهم فى النهاية يعيشون أفراحاً مجانية تكاليفها لا تذكر.. هى بالفعل «أرخص ليالى» وليست تلك التى حكاها لنا يوسف إدريس فى قصصه.. حين قال إنها ليالى الحب والغرام عند الأزواج.. اتضح أنها مكلفة جداً.. وانظر إلى تكلفة فاتورة الانفجار السكانى فى مصر.. نار يا حبيبى نار.. أنا لست كروياً ولكنى عندما أجلس بين الناس فى المقاهى أجد نفسى أتحول شيئا فشيئاً.. يرتفع صوتى وأنتقد اللعيبة وأتصايح وأزعق.. وكنت فى الماضى أسميهم «المتحولين».. أصدقائى وأقاربى الناس الكُمّل الهادئون المحترمون الوقورون كيف يتحولون فى لحظة إلى دراويش وإلى مجانين يتقافزون اندماجاً وابتهاجاً بتسديد أحد الأهداف.. أراقبهم وأراقب نفسى.. هل نحن رياضيون؟!.. أبداً.. نحن مثل عواجيز الفرح.. نجلس نشاهد الرياضة ولا نمارسها.. مع أننا نتحدث كثيراً عن أهمية أن يكون الإنسان رياضياً.. وأن يمارس الرياضة باختياره قبل أن يجبره الطبيب على ذلك.. وأنه لابد لكل إنسان من ساعة يومياً يمارس فيها الرياضة.. ساعة مقدسة مهما كانت انشغالاته.. الرياضة ليست لدواعى الرجيم والرشاقة فقط ولا لدواعى الصحة العامة والدورة الدموية، ولكن أيضاً من أجل حالة مزاجية ونفسية سليمة ومبتهجة بعيداً عن ضغوط الحياة.. وبعد حفلات تعذيب الثانوية العامة.. ومع مواسم الإجازات الصيفية، أتمنى أن تفتح المدارس أبوابها فى الصيف ونترك التلاميذ والطلبة يلعبون فى ملاعبها إن وجدت، وأحواشها إن وجدت، وأن تكون خدمة وطنية تخدم أبناء الأحياء التى تقع فيها هذه المدارس.. أعلم أن أعباء الوزارة كبيرة وكثيرة، ولكن يمكن لرجال الأعمال أن يمولوا مثل هذه الأنشطة التى تساهم فى الحفاظ على أولادنا من أوقات الفراغ القاتلة التى تفترسهم فى السموم البيضاء أو الغراميات الإلكترونية أو التحرش أو التطرف الدينى.. وربما تنجح وزارة التعليم فى صناعة «مواطن رياضى»، وهى المهمة التى فشلت فيها المؤسسات الرياضية فى مصر.. فالأرجنتين والبرازيل انتشلتا شبابهما وأسستا مسابقة دولية اسمها كأس العالم للمشردين.. نحن أحق بها منهما. [email protected]