تنسيق الجامعات 2025.. إعلان نتائج تنسيق الشهادات المعادلة العربية والأجنبية    تعليم القاهرة: انتهاء كافة الترتيبات لاستقبال 2.596.355 طالبا وطالبة بالعام الدراسي الجديد 2025- 2026    رئيس الاستشعار من البعد يشارك في مؤتمر تفعيل وتنفيذ الخطة التنفيذية للابتكار في قارة إفريقيا    ذكري مرور 218 عامًا على انتصارات أهالي رشيد.. محافظة البحيرة تبدأ احتفالات العيد القومي    قيادي ب مستقبل وطن: اعتماد قرار مصر بالوكالة الذرية يعكس مكانتها الرفيعة دوليا    رئيس لبنان يبحث مع رئيس الحكومة التطورات الأمنية في ضوء الاعتداءات الإسرائيلية على قرى جنوبية وبقاعية    بأوامر نتنياهو.. عمليات تفتيش صارمة للسائقين القادمين من الأردن    سلوت: محمد صلاح لاعب عظيم.. ومن الممتع مشاهدته    كمل يا بيبو.. رسالة أعضاء عمومية النادي الأهلي ل"الخطيب"    قتلهم وكتب ينعيهم على فيسبوك.. آخر مشهد لقاتل أسرته فى نبروه بالدقهلية    القومى للمرأة يشيد بملتقى أولادنا الدولى التاسع لفنون ذوى القدرات الخاصة    مجانا.. 11 عيادة متنقلة للكشف على الأهالي بالأماكن النائية والقرى الأكثر احتياجا في دمياط    مدرسة بالإسماعيلية تستعد لاستقبال طلابها بالهدايا والحلوى (فيديو وصور)    الأنبا مكسيموس يترأس مؤتمر خدام إيبارشية بنها    رسمياً.. إعلان نتائج تنسيق الشهادات المعادلة العربية والأجنبية    زلزال بقوة 1 ,6 يضرب بابوا الإندونيسية ويسبب أضرارا متفرقة    برلماني: زيارة ملك إسبانيا تعزز الشراكة الاستراتيجية وترسخ البعد الثقافي والإنساني    تعليم القليوبية يعلن جاهزية المدارس لاستقبال العام الدراسي الجديد    مجدي عبدالغني: سأظل وفيًّا للأهلي مهما كانت حدة الانتقادات    منتخب الشابات تحت 20عامًا يواجه غينيا الاستوائية اليوم في تصفيات كأس العالم    خريطة الأسعار اليوم: انخفاض اللحوم والبيض وارتفاع الذهب    مصر تدعو إلى شبكة عربية موحدة للرعاية الصحية خلال مؤتمر الهيئات الصحية العربية    بحضور نجله.. تكريم النجم الراحل محمود ياسين بمهرجان بورسعيد السينمائي (صور)    أميرة أديب تطلق أغنية "أحمد" من ألبومها الجديد    بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من الجامع الأزهر    نائب وزير الصحة: مهلة 7 أيام لتطوير سكن الأطباء في مستشفى قلين التخصصي    رجال الشرطة يتبرعون بالدم دعما للمرضى والمصابين في الشرقية    وزير النقل يعلن فتحا جزئيا للطريق الدائري الإقليمي غدًا السبت    "يكذب على نفسه".. رئيس MI6 يهاجم بوتين بسبب أوكرانيا.. تفاصيل    ضبط متهم بالمنوفية لغسله 12 مليون جنيه متحصلة من نشاط الهجرة غير الشرعية    صالون نفرتيتي يطلق فعالية ميراث النهر والبحر في دمياط ضمن مبادرة البشر حراس الأثر    بعد تماثلها للشفاء.. أول ظهور للفنانة الشابة رنا رئيس    الداخلية: ضبط 98665 مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    سائق يرفع الأجرة ويتلاعب بخط السير فى البحيرة.. والأمن يتدخل    مصدر أمني ينفي صلة "الداخلية" بجمعية عقارية في دمياط    نائب وزير الصحة يتفقد مستشفيات كفر الشيخ ويوجه بإصلاحات عاجلة    فيديو - أمين الفتوى يكشف عن دعاء فك الكرب وكيف تجعله مستجاباً    أستاذ بالأزهر يوضح حكم استخدام السبحة: إظهارها حرام شرعًا في هذه الحالة    مصادرة 1100 علبة سجائر أجنبية مجهولة المصدر في حملة ل «تموين العامرية» (صورة)    صحة غزة: 800 ألف مواطن في القطاع يواجهون ظروفا كارثية    ملك وملكة إسبانيا يفتتحان إضاءة معبد حتشبسوت فى الأقصر.. صور    غلق كلى لشواطئ الإسكندرية بسبب اضطراب حالة البحر    أسعار المستلزمات المدرسية في قنا 2025: الكراسات واللانش بوكس تتصدر قائمة احتياجات الطلاب    "نور بين الجمعتين" كيف تستثمر يوم الجمعة بقراءة سورة الكهف والأدعية المباركة؟    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة فى سوهاج    نجم الزمالك السابق يكشف سر تصدر الفريق للدوري    تشجيعاً لممارسة الرياضة.. نائب محافظ سوهاج يُطلق ماراثون "دراجو سوهاج" بمشاركة 200 شاب وفتاة    دونجا: عبدالقادر مناسب للزمالك.. وإمام عاشور يمثل نصف قوة الأهلي    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 19 سبتمبر 2025    وزير التعليم العالي يبحث مع وفد مجلس الشيوخ الفرنسي سبل تعزيز التعاون الأكاديمي    للمرأة العاملة، ممنوع وضع المعجنات يوميا فى لانش بوكس المدرسة بدلا من الساندويتشات    عمرو يوسف: مؤلف «درويش» عرض عليّ الفكرة ليعطيها لممثل آخر فتمسكت بها    وزير الخارجية: نسعى لتعزيز التعاون المصري-السعودي لمواجهة التحديات الإقليمية    أصل الحكاية| سرقة الأسورة الملكية من المتحف المصري جريمة تهز الذاكرة الأثرية    أسعار العملات الأجنبية والعربية أمام الجنيه المصري اليوم    حي علي الصلاة..موعد صلاة الجمعة اليوم 19-9-2025 في المنيا    بعد رباعية مالية كفر الزيات.. الترسانة يقيل عطية السيد ويعين مؤمن عبد الغفار مدربا    رحيل أحمد سامى وخصم 10%من عقود اللاعبين وإيقاف المستحقات فى الاتحاد السكندري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جدتى الفلاحة المصرية وفرجينيا وولف الكاتبة البريطانية

فى العاشرة من عمرى ذات صباح، رأيت جدتى جالسة على عتبة دارها فى القرية، تتطلع إلى الأفق البعيد، توجه كلمات غير مفهومة إلى السماء، عيناها متسعتان تكسوهما دمعة تروح وتجىء فيما يشبه الرجفة، أول مرة فى حياتى أرى الرجفة فى هاتين العينين الجسورتين، لم يرف لهما جفن وإن سقطت السماء على الأرض، وإن هددها العمدة بالحبس أو القتل، أو الملك فاروق أو إمبراطور الإنجليز، أو العفريت الأزرق ظهر لها فى الليل، سألتها، بابا مات؟، تصورت أن الكارثة الوحيدة التى ترجفها هى موت أبى، ابنها الوحيد، روح قلبها ونور عينها وكبدها وطحالها، تدعو له بطول العمر، أن يأخذها الله قبل أن يأخذه.
أخيرا اعترفت لى بالسر الدفين: أنا قتلت جدك أبو أبوكى يا بنت ابنى، العمدة جاى يقبض على، اوعى تقولى لأبوكى أو أمك.
قتلتيه؟ إزاى؟ ليه؟ إمتى؟ ده جدى مات قبل ما اتولد يا جدتى!!.
تحكى لى الحكاية وهى غائبة فى شرودها نحو السماء: كان راجل ندل زى أبوه، يمشى مع النسوان ويكدب ويسرق وينافق ربنا ويصلى ويصوم، ويحج كل سنة وربنا يمسح ذنوبه، كرهته وقلت يارب تاخده، لكن ربنا أخد أحسن الرجال، وجدك عايش زى الهم ع القلب، ما يقعد ع المداود إلا شر البقر يا بنت ابنى.
وبعدين يا جدتى؟ ولا بعدين، فكرت أرمى نفسى فى النيل وأستريح منه، لكن قلت لنفسى، تموتى ليه يا حمارة؟ هو اللى يستاهل الموت، مسكت الفاس وضربته ضربة واحدة على راسه، راح فيها، بعد ما دفنوه سخنت صفيحة مية وغسلت شعرى ولبست جلابيتى الجديدة وزغردت.
لم أنم ليلتها بجوار جدتى، خفت أن تضربنى بالفأس على رأسى، من شدة الخوف حكيت لأمى وأبى، ضحكت أمى وقالت إن جدتى صاحبة خيال واسع وأنها رغم جسارتها وقوتها فإنها إنسانة شديدة الرقة ولا تقتل بعوضة، أبى أكد ما قالته أمى، وأضاف: أمى لو تعلمت القراءة والكتابة لأصبحت كاتبة مبدعة مثل مى زيادة وفرجينيا وولف، هى عاقلة جدا ومجنونة جدا مثل كل المبدعين والمبدعات.
أصبحت أتطلع إلى جدتى بعيون جديدة، أريد أن أتأكد من عقلها أو جنونها، أستدرجها لتحكى لى عن زوجها أو جدى الذى مات قبل أن أولد، سألتها هل أحبته؟ شوحت بيديها الكبيرتين السمراوين وصاحت: حبه برص وعشرة خرس!، ليه اتجوزتيه يا جدتى؟ جوزونى يا بنت ابنى وعمرى عشر سنين، جوازتى كانت جنازتى! كان لازم أقتله لاجل أعيش.
لم تكن جدتى نائمة تحلم، كانت صاحية واعية تماما، بل أخذتنى معها إلى العمدة، تطلب منه القبض عليها، لكن الرجل صرفها برقة قائلا: ده هو اللى قتلك يا حاجة مبروكة، صاحت فيه جدتى: ده كان يخاف من خياله ما يقتل نملة.
لم أفهم جدتى إلا بعد تعمقى فى دراسة الطب النفسى، ومعاشرة النساء القاتلات فى سجن السادات، تقتضى القدرة على القتل القدرة على الحنان والرقة فى أحيان كثيرة، أحسست من قوة شخصية جدتى ورقة قلبها أنها يمكن أن تقتل، امرأة جسورة لا تهاب الموت، تقود أهل القرية ضد العمدة والملك والإنجليز، ربطت بطنها بالحزام لتوفر لابنها مصاريف التعليم العالى.
لم تكن جدتى تستسلم للقدر، إن كرهت زوجها وأرادته ميتا فلن تنتظر القدر ليخلصها منه، سوف تقتله بيدها، هكذا قال أبى، لكن جدتك كانت تحب جدك وتخاف عليه من الهوا الطاير، وقالت أمى إن جدتى ضربت شيخ الخفر بالعصا الخرزان حين شتم جدى، وصرفت على جدى من عرق جبينها حين رقد مريضا، هلكه المرض ومات موتة ربنا وهى فى عز شبابها، جاءها رجال كثيرون يطلبون الزواج منها، رفضتهم كلهم وأقسمت ألا تتزوج بعد جدى، قالت أمى: لم تشأ أن يلمسها رجل بعد جدك من شدة حبها له، تمتمت جدتى بصوت لم يسمعه سواى: من شدة كرهى له كرهت كل الرجال.
أصبحت الحقيقة مراوغة شديدة الغموض، مثل رواية أدبية جميلة تستولى علينا فلا ننام الليل، أسأل نفسى، هل صحيح قتلت جدتى زوجها أم أنه مات من المرض؟ لكنه مات شابا وكان قوى الجسم كما سمعت، لا بد أنها قتلته، لكن كيف قتلته؟ خيالى يسبح فى السماوات السبع، هل لجدتى شخصيتان؟ يعنى مزدوجة الشخصية؟ أصبحت معلقة فى الفراغ لا أعرف الحقيقة من الخيال، هل تمنت جدتى موت زوجها حتى تخيلت أنها قتلته؟ حتى أصبحت تحلم كل ليلة أنها قتلته، وتحول الخيال إلى حقيقة فى عقلها الباطن؟
كنت أقرأ فرجينيا وولف، الكاتبة البريطانية، وأشعر أنها كرهت زوجها وأرادت أن تقتله، لكنها لم تملك الشجاعة فقتلت نفسها، هل الانتحار أو قتل الذات لا يقتضى شجاعة قتل الآخر؟ هل كانت جدتى أشجع من فرجينيا وولف، فأقدمت على قتل زوجها وليس قتل نفسها؟
هل جدتى قتلت زوجها فى الحقيقة أم فى الخيال؟
سؤال لم أعرف الإجابة عليه حتى ماتت جدتى ومعها السر، لم تعترف لأحد غيرى، أو أنها لم تعترف بالمعنى الصحيح للاعتراف، بل كانت تتذكر الحادث، تكرره وهى تتطلع إلى الأفق، تكلم نفسها ولا تكلمنى، تندم على جريمتها، تطلب من الله أن يغفر لها، تذهب إلى العمدة وتطلب العقاب، لكن العمدة كان مثل أبى وأمى يؤكد أن جدتى تمزح، أو تخلط الواقع بالخيال نتيجة الشيخوخة، أو أنها أحبت زوجها إلى حد الموت، كانت تموت فيه وهو يموت فيها، هناك علاقة فى أذهان الناس بين الحب والموت أو القتل.
أو ربما كانت جدتى روائية مبدعة، تعيش الخيال كالحقيقة، تستعذب لذة المغامرة، تغلبها رغبة الفضول والاستطلاع، تحقق لها قصة قتل زوجها متعة كبيرة فى الخيال كأنما فى الحقيقة، تنفصل عن ذاتها القاتلة المتنمرة على القضاء والقدر، إلى ذاتها الأخرى الهادئة المستسلمة للقدر وإرادة الله، كانت جدتى تؤمن بالله وعذاب الآخرة بعقلها الوادع المستكين، وتتمرد عليهما بعقلها الآخر المبدع.
هناك علاقة بين الإبداع والتمرد، بين الإبداع والجنون، لكنه جنون العقل حين يتحول اللاوعى إلى وعى أو ما يسمى الوعى الأعلى، حين يلتحم العقل الواعى بالعقل الباطن، والحقيقة بالخيال والجسد بالروح والنفس بالعقل، ويصبح الإنسان كائنا كليا مجنونا وعاقلا فى آن واحد.
فى طفولتى حين كان أبى أو أمى يرفضان خروجى للعب مع أولاد الجيران كنت أحلم بموتهما، وأحيانا من شدة الكره والحب أخنقهما فى النوم بحبل الغسيل، أما حبى الوحيد، الرجل الذى لم أتزوجه، فكان، مثل جدى، يتعرض للقتل كل ليلة وأنا نائمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.