«أتيت إلى هنا للبحث عن بداية جديدة بين الولاياتالمتحدة والعالم الإسلامى، استنادا إلى المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل... إننى أقوم بذلك وأنا أدرك أن التغيير لا يحدث بين ليلة وضحاها ولا يمكن لخطاب واحد أن يلغى سنوات من عدم الثقة كما لا يمكننى أن أقدم الحل لكل المسائل المعقدة التى أدت بنا إلى هذه النقطة»، هذا ما قاله الرئيس الأمريكى باراك أوباما قبل عام، معلناً رغبته فى البحث عن بداية جديدة بين بلاده والعالم الإسلامى ولكنه حذر من أن تحقيق أى تقدم سيكون بطيئا وصعبا وقد تقابله عقبات كثيرة أو الفشل أحيانا. ورغم ذلك، كانت التوقعات عالية حسب استطلاعات الرأى وعلق الكثيرون آمالا كبرى، معتبرين أن أوباما قد يستطيع سد الفجوة بين أمريكا والعالم الإسلامى سريعا. وبعد مرور عام على خطاب أوباما البلاغى للعالم الإسلامى تراجعت ثقة المسلمين فى إدارة أوباما، فالتقدم الذى حققه فى تنفيذ بعض وعوده التى أكد أنها تتطلب وقتا طويلا طغى عليه الفشل وذلك فى تنفيذ بعض الوعود الأخرى وزاد عليه الفشل فى تحقيق توقعات كثيرين من العالم الإسلامى اعتبروه قادرا على علاج مشاكلهم. القضية الأولى فى خطاب أوباما التى أكد ضرورة مواجهتها هى «التطرف العنيف بجميع أشكاله»، وتعهد أوباما بأن «أمريكا ليست ولن تكون أبدا فى حالة حرب مع الإسلام». وسعى أوباما لتنفيذ هذا الوعد، عبر قيامه بتغيير استراتيجية الأمن القومى الأمريكى. وبخلاف سلفه جورج بوش الذى وضع مبدأ «الحرب على الإرهاب والتطرف الإسلامى»، جاءت استراتيجية أوباما التى أعلنها، نهاية الشهر الماضى، بعد مباحثات طويلة لتضع مبدأ جديداً هو أن أمريكا لا تخوض «حربا عالمية على تكتيك هو الإرهاب أو ديانة هى الإسلام»، وتحدد مواجهتها مع تنظيم القاعدة وفروعه فقط. وفى إطار القضية الأولى التى ناقشها أوباما فى خطابه كان هناك جزء خاص بالانسحاب من أفغانستان والعراق. ولكن أوباما لم يضع تاريخا محددا لمغادرة قوات بلاده أفغانستان وجعله رهنا بالأوضاع هناك. أما العراق، فقد حدد عام 2012 موعدا للانسحاب، مما يجعل الحكم على نجاحه أو فشله فى تنفيذ هذا الوعد مؤجلا. وتعهد أوباما أيضاً بإغلاق معتقل «جوانتانامو» فى يناير 2010، وهو الوعد الذى فشل أوباما فى تنفيذه حتى الآن. أما القضية الثانية فى خطاب أوباما الخاصة بالصراع الإسرائيلى - الفلسطينى، فيعتبرها كثير من المحللين السبب الرئيسى لتراجع ثقة العالم الإسلامى فى الرئيس الأمريكى. ورغم أن أوباما أكد فى خطابه أنه لا يستطيع فرض السلام، فإن استمرار ضعف الموقف الأمريكى إزاء الانتهاكات الإسرائيلية بل ودعمها أحيانا حسب الوضع السائد فى العلاقات التاريخية بين الحليفين، يُحمّل أوباما مسؤولية الفشل ليس فقط فى دفع مفاوضات السلام بل أيضا فى اتخاذ موقف حيادى بين طرفى الصراع. «حقوق الدول ومسؤولياتها بشأن الأسلحة النووية» كانت القضية الثالثة فى خطاب أوباما. ورغم تركيز أوباما فى هذه النقطة على الملف النووى الإيرانى فإنه أشار إلى امتلاك إسرائيل الأسلحة النووية دون تسميتها وأكد «التزام أمريكا بالسعى من أجل عدم امتلاك أى من الدول الأسلحة النووية». واستجابت الولاياتالمتحدة لرغبة الدول العربية فى مؤتمر «مراجعة حظر الانتشار النووى» الذى عقد فى نيويورك، الشهر الماضى، بالتوصل إلى اتفاق يتناول إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية فى الشرق الأوسط، القضية الرابعة فى خطاب أوباما كانت «الديمقراطية». ورغم تأكيد أوباما أهمية تعزيز الديمقراطية وحقوق الانسان فإنه قال فى خطابه إنه «لا يمكن لأى دولة ولا ينبغى لأى دولة أن تفرض نظاما للحكم على أى دولة أخرى»، وهو مبرر يتيح لإدارته التعاون مع حلفائها من حكام الدول الإسلامية السلطويين بهدف تحقيق المصالح الأمريكية. وتعد تلك القضية واحدة من أهم النقاط التى أدت إلى تراجع ثقة العالم الإسلامى فى إدارة أوباما، حيث علق الكثيرون آمالا كبيرة على أوباما، متوقعين أن يعمل على تحقيق التغيير فى بلادهم. القضية الخامسة التى طرحها أوباما فى خطابه عن الحرية الدينية لم تشهد أى تقدم أو جهد ملحوظ من الإدارة الأمريكية، وهو ما يرجعه المحللون إلى انشغال إدارة أوباما بالمشاكل الداخلية كضعف الاقتصاد الأمريكى والتأمين الصحى. والأمر كذلك أيضا بالنسبة للنقطة السادسة فى خطابه التى أكد فيها أهمية حقوق المرأة. القضية السابعة فى خطاب أوباما كانت التنمية الاقتصادية، وتعهد أوباما باستحداث هيئة جديدة من رجال الأعمال المتطوعين لتكوين شراكة مع نظرائهم فى الدول الإسلامية. وفى أبريل الماضى، استضاف أوباما قمة ريادة الأعمال فى واشنطن وأعلن عن تبنى مبادرات جديدة لتعزيز الشراكة بين الولاياتالمتحدة والمجتمعات الإسلامية. وأكد أن القمة فى واشنطن هى مجرد نقطة انطلاق لعقد مؤتمرات إقليمية عدة ستبحث فرص التنمية الاقتصادية وتفعيل التطور التكنولوجى فى الدول الإسلامية. أوباما قام بتحويل بعض وعوده إلى واقع. ومازال يسعى لتحقيق وعود أخرى، وضع لها مبررات الإخفاق مسبقا فى خطابه، ولكنه فشل فى تحقيق توقعات لم يتعهد بها بل كان يأملها الكثيرون.