«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر أكبر من الباشا والزعيم والمعلم .. ومن سؤال الهوية

■ انتهت الحلمية إلى الأبد. وعندما تحاسب نفسك ستقيس بمعيار: إلى أى مدى تحقق الحلم الذى يرتبط عادة بفعل الكتابة؟ إلى أى مدى أنت راض عن «الليالى»؟
- تحقق الكثير، لكن المؤشر المهم هو درجة استجابة الناس. فأنا لا أقيس النجاح أو الفشل إلا بهذا المعيار، وأعتقد أن الحلمية حققت تأثيراً من هذه الناحية أكثر مما كنت أتوقع.
الحلمية، على مستوى الدراما أو الفن ستظل حافزاً لأعمال كثيرة قادمة، وتحدياً حقيقياً لكل من عملوا فيها وليس فقط بالنسبة لى. الحلمية من هذه الناحية أصبحت كعداء حقق رقماً قياسياً وعلى الآخرين- من بعد- أن يحطموه.
على المستوى السياسى أعتقد أن الحلمية أثرت كثيراً فى مفاهيم الناس ورؤيتهم لما يجرى. وهى أول عمل فنى يجمع كل الملاحظات المتناثرة للناس على حياتهم وسياسة بلدهم وتاريخها القريب، وأعتقد أنه من جملة الملاحظات التى تكونت أصبح المشاهدون أكثر تمسكاً بضرورة تجاوز مستوى الجدية الذى حققته الحلمية. أما على المستوى الفكرى فقد فرض المسلسل إنجازاً كبيراً فى مجال الأدب التليفزيونى، ولم يعد سهلاً تجاوز هذه القضية.
أخيراً.. فالحلمية لم تكن نصاً والسلام. إنما تطورت لدرجة أنها أصبحت «حالة» بالنسبة للممثلين. هناك تاريخ طويل لكل شخصية عبر ثلاثة أجزاء سابقة، هناك أيضاً حالة الانتشاء بالنجاح الجماعى، جعلت الممثلين فى سباق مع أنفسهم والآخرين لتأكيد هذا النجاح.
■ على ذكر الشخصية المرسومة يأتى الحديث عن سليم البدرى: كان واضحاً أنك وضعت فيه ثلاثة أرباع ما تعلمته فى الدراما.. لا لشىء إلا لتقول: إن سليم البدرى هو نموذج ل«الرأسمالى» الذى تحتاجه مصر، ما كل هذا الإعجاب يا أستاذ أسامة؟!
- أولاً: من هو سليم البدرى؟ هو ممثل الرأسمالية المصرية، وهذا واضح من الجزء الأول. ما لناش دعوة بالإقطاع.. ما لناش دعوة بالباشوات «الوحشين» الذين كانوا يضربون الفلاحين بالكرابيج ويغتصبون بناتهم.. لأن هذا نوع من ال«ستريو تايب» عولج فى أعمال كثيرة عقب ثورة يوليو مباشرة، وكان الغرض منه تكتيل مشاعر الناس فى اتجاه أهدافها وأحلامها.. إلى حد أصبحت كلمة «باشا» مرادفاً لسلوكيات وأنماط من البشر مكروهين ومتجبرين و«أولاد ستين كلب»!!
عندما كتبت الحلمية حاولت قدر جهدى أن أفلت من هذه المصيدة. لم أكن أريد الباشا على طريقة زكى رستم.. الباشا النمطى بتاع الأفلام المصرية، وإنما أردت أن أكتب عن باشا يمثل طبقة. وتعمدت أن يكون سليم من أسرة صغيرة فى الأصل. وقلت فى الجزء الأول إن جده كان عاملاً فى أول ترسانة أنشأها محمد على، ومن ثم فأصوله الأسرية لا هى أرستقراطية ولا هى منتمية للأتراك.. بالعكس هى أصول مصرية.. عمالية.. والسؤال كيف تكونت ثروات هؤلاء الناس؟
إسماعيل البدرى- والد سليم- لم تكن ثروته من عمل طفيلى أو بالنهب إنما هو رجل أرسى صناعة لها فى مصر تاريخ طويل ومهم هى صناعة الغزل والنسيج. ودوره كان ككل المصريين الذين ساهموا فى بناء اقتصادى مصرى سليم.. صح!!
لا يهمنى أن ثورة يوليو قد جاءت بعد ذلك واختلفت مع هؤلاء الناس وأممتهم.. ولا يهمنى إن كان ذلك قراراً صائباً أم خاطئاً. فنحن نعرف أن من أهم أخطاء الثورة أن قرارات التأميم شملت رجلاً مثل سيد ياسين، وفشلت صناعة الزجاج فى مصر لهذا السبب. هناك عناصر من هذه الطبقة قدمت للرأسمالية المصرية وللصناعة المصرية خدمات عظيمة. طلعت حرب وسيد ياسين ومحمد فرغلى باشا ليسوا باشوات بقدر ما هم رجال اقتصاد وطنيون.. وكذلك سليم البدرى.
نحن نحتاج رأسمالياً ماركة سليم البدرى، ليس دفاعاً عن سليم كممثل للباشوات أو الإقطاع أو الرأسمالية المستقلة كما سماها الميثاق إنما دفاعاً عن أمر واقع كان موجوداً قبل الثورة. فمادامت العجلة دارت إلى الوراء.. لابد أن يكون هذا هو الخيار، وأن يكون سليم البدرى هو المثال الذى نحتذيه. وأعتقد أن شخصية سليم كانت من الغنى والثراء (ليس المادى) بحيث لم يكن ممكناً أن تتحول إلى نمط.. إنما مزيج من كل حاجة.
■ وضعت سليم فى مواجهة مع ابنه على البدرى، وحسمت الصراع بين على «ابن علية» وعلى «ابن سليم».. لصالح الأخير، وكنت قاسياً فى «تأزيم» على.. ابن الاثنين.. ما الحكاية؟
- لا تقس الأمور بمعيار أخلاقى، عندما نتحدث عن «على» لابد أن نتحدث عن ناجى السماحى، الأول لم يستطع - بسبب كثرة الصدمات - أن يستمر كما كان، هذا مستحيل على المستوى الفكرى والنفسى والإنسانى، وخطأ من الناحية الدرامية، لماذا؟ لأن على هو ابن سليم (هذا ما قالته أنيسة فى أحد المشاهد)، فأين المواجهة..!!
على.. ليس بالضبط رمزاً للناصريين لكى يقال إنها «مواجهة».. على واحد من ملايين الشباب الذين ارتطمت أحلامهم بالأرض فى 67.. حاولوا أن يستعيدوا توازنهم بعد ذلك.. توحدوا بشكل أكبر مع شعارات المرحلة، دخل منظمة الشباب والتنظيم الطليعى، وفوجئ بسبب انتمائه أنه صار متآمراً خائناً ودخل السجن بحكم محكمة، خرج يبحث عن قشة يتعلق بها، وكان كل شىء قد أصبح حطاماً، لم تكن هناك مؤسسة أو نظام يستوعبه.. إلا ثروة سليم باشا، ثروة تتيح له فرصة الرد على كل من داسوا أحلامه وقهروه.. فكيف نلومه على هذا التحول؟ كيف تقول إننى كنت قاسياً فى «تأزيمه»؟ وكيف تقول إننى انتصرت لسليم ابن الملك والاحتلال والإقطاع.. على حساب على.. ابن الأحلام الكبيرة والانكسارات الأكبر!
■ لم نشعر فى المسلسل بأن عبدالناصر «تأثر» بما حدث بعد النكسة، لم نسمع كلمة إدانة واحدة له.. على لسان أى من الشخصيات، رغم اختلاف مواقفهم منه، بمن فيهم عاصم السلحدار (الشيوعى المتطرف).. وباستثناء شماتة سمو الأميرة نورهان (سمية الألفى)، واليهودى المصرى الأصل «داود»؟
- الشعب المصرى يجيد الحكم على الناس جيداً ولم يستطع حاكم فى تاريخ مصر أن يخدع هذا الشعب حتى لو بدا مستسلماً، دعك مما حدث يومى 9 و10 يونيو، فقد يكون ما حدث.. قد حدث تحت تأثير اللطمة المفاجئة، لكن.. ما قولكم فى موقف الناس من جنازة عبدالناصر، وموقفهم من جنازة السادات، الأول «هزمنا» فى يونيو كما يقول القائلون، والثانى «عبر» بنا فى أكتوبر.
ورغم ذلك: شوف الفرق!! الشعب المصرى أجاد الحكم على عبدالناصر وعرف مأساته الحقيقية، عرف أنه راجل جدع قوى.. بس يا عينى رسموا له «الخية» ووقع فيها، والمشهد الفاجع يوم وفاته.. لم يكن تعبيراً عن الحب فقط.. وإنما عن إحساس الناس بأن الرجل الذى كان باستطاعته أن يصلح ما فسد... مات، يعنى خلاص.. رحنا فى داهية، ومع ذلك.. لم يخل مسلسل (ليالى الحلمية) من عبارات تبلغ حد السخرية من عبدالناصر، وعلى لسان جميع الشخصيات بمن فيهم زينهم السماحى، ويوم أخذوا زكريا (سيد عزمى) ليلة زفافه ليعتقلوه.. عبر زينهم عن خيبة أمله قائلاً: يا خسارة يا جمال.. ماكانش العشم!!
هذه النغمة.. تتردد فى المسلسل من وقت لآخر لأنى سمعتها، أنا شخصياً كتبت رسالة لعبدالناصر وقتها (طبعاً لم يقرأها لأنها بالتأكيد لم تصله..)، قلت له فيها: إنت جاى دلوقتى تقول مراكز القوى عملت وسوت.. أمال انت كنت فين؟.. كنت نايم..؟ لم أكن أعرف - كمواطن عادى - أن هناك صراعاً بين المؤسستين السياسية والعسكرية، وأن عبدالناصر ليس مطلق اليد كما كنا نتصور، وأنه فشل مثلاً فى تغيير قائد الطيران - محمد صدقى محمود - بعد 1956، وعجز عن فصل ضابط صاعقة يسمى جلال هريدى بعد فشل تجربة الوحدة عام 1961..
كل ذلك وغيره عرفته فيما بعد.. إنما وقتها كان عبدالناصر موضع انتقاد الجميع وسخريتهم، وهذا قيل فى (ليالى الحلمية)، وإن كنت لم أذكر ما كان يردده بعض الشامتين والكارهين، واكتفيت بما قاله سليم البدرى: مش حتبطلوا الكلام ده.. إنتو لسه بتقولوا نفس الكلام.. مش كفاية اللى حصل..!!، وهذا يؤكد من ناحية أخرى أن سليم البدرى لم يكن متعاطفاً مع عبدالناصر، وإنما مع قضية بلده، فأنا حاولت بشكل صادق وأمين أن أقول كل ما كان يقال.
■ طوال حلقات المسلسل.. تلح على تبرئة ساحة عبدالناصر مما حدث، وتلقى بكل التهم والمسؤوليات على من حوله، وهناك رأى ماركسى يقول إن هذا التدنى تجاه الزعيم المعصوم، ضحية حاشيته الفاسدة، إنما يعد تعبيراً عن خلل فى الفهم والوعى، لم ينج منه حتى الماركسيون أنفسهم الذين أصيب بعضهم بانتكاسة - عقب هزيمة يونيو - وآثر أن يحمّل الفروع جرائم يخشى أن يواجه بها الأصول، وانتهى الأمر بتتويج عبدالناصر «إلهاً» فى وجدان الناس.. ما قولك؟
- اسمح لى أن أسأل: من الذى صنع من ستالين إلهاً؟ أليسوا هم الماركسيين؟ مسألة مهابة الحاكم أو تأليهه فى مصر.. تراث لا يخص عبدالناصر وحده، ولكنه ممتد من أيام الفراعنة، من أيام: (أنا ربكم الأعلى)، (وهذه الأنهار تجرى من تحتى).
ورغم ذلك.. لم يكن هناك تأليه لعبدالناصر بهذه الطريقة، الناس توحدوا مع عبدالناصر منذ أن قال: ارفع رأسك يا أخى، لأن ذلك يمثل للشعب المصرى نوعاً من رد الاعتبار.. نوعاً من الكرامة التى أهدرتها سنوات طويلة من القهر والخنوع للأجنبى، الشعب المصرى رفع عبدالناصر إلى هذه المكانة ليس خوفاً من بطشه، وإنما لأن هذه إرادته ورغبته، وما يقال عن تأليه عبدالناصر.. لا يعدو أن يكون «ثرثرة ماركسية» عفا عليها الزمن، لأنهم ناس عجزوا - أساساً - عن تحليل واقعهم وفهم شعبهم، وهذه كارثة اليسار المصرى منذ بدايته.
■ لماذا أعدت فى «أرابيسك» طرح سؤال الهوية وأنت تدرك صعوبة الإجابة عنه؟.. ومتى: عقب غزو العراق للكويت؟
- كان هناك سببان: أولهما تأكيد هويتنا كمصريين. وثانيهما مواجهة الاتجاهات الأصولية التى تدّعى أنه لا يوجد شىء اسمه «وطن»، وأن هناك شيئاً واحداً هو «الدين»، ومن ثم لا ينبغى وفقاً لأصحاب هذه الاتجاهات أن تقول «أنا مصرى»، بل «أنا مسلم»، تماماً كاليهود.
وأنا أرى- وهذا ما قلته فى مسلسل «أرابيسك» أنه لا يوجد شىء يسمى «القومية الإسلامية» ولا يوجد أيضاً «قومية عربية» بل هناك «قومية مصرية». أقول هذا وقد كنت لفترة طويلة ومهمة من حياتى «قومياً عربياً» وإيمانى بالقومية العربية لم يكن محل مساومة أو شك.
ولكن دعنا نتفق على أن حرب الخليج الثانية أجهزت تماماً على هذه المسألة. والحق أننا- تاريخياً- لن نعثر على دليل واحد يؤكد أن الوحدة العربية قد تحققت فى أى يوم، ولك أن تتأمل أحوال اليمنين- الشمالى والجنوبى- وما جرى لوحدتهما.
■ هل يصلح نموذج حسن فتح الله النعمانى الشهير ب«حسن أرابيسك» مدخلاً لتعريف الشخصية المصرية، أو الهوية المصرية؟
- حسن النعمانى نموذج للإنسان المصرى الضائع، لا أقول إنه رمز، ولكنه تعبير واقعى عن أزمة هوية تعيشها مصر وتتبلور بصورة قاطعة هذه الأيام. لقد فقدنا الاتجاه، وحدث لنا نوع من «الفركشة» أو الحيرة، وأثيرت المشكلة على مستوى مفكرين ومثقفين كثيرين فيما سمى بثنائية «الأصالة والمعاصرة» ولم يصل أى منهم لحل.
المهم أن حسن أرابيسك- عودة إلى سؤالك- لم يكن تعبيراً خالصاً عن الشخصية المصرية، ولكنه يحمل أبرز ملامحها وسماتها. حسن يملك قدرات هائلة، لكن الظروف التى تحيط به.. أكثر قوة وقهراً. فهو رجل مبدع فى فنه.. لكنه أضعف من أن يسيطر على إحباطاته، وتلك هى مشكلة كل المصريين: فكلهم حسن أرابيسك، حسن الذى «يستطيع.. لكنه لا يفعل» لذا سمى المسلسل «أيام حسن النعمانى» ولم يكن «بكائية» كما فهم البعض!
■ هل تعتقد أنك وفقت فى الوصول إلى تعريف مبدئى للهوية المصرية؟ وما معنى اختيار «الأرابيسك» وهو فن عربى عنواناً للمسلسل؟
- سؤال المسلسل الرئيسى كما تعلم هو: من نحن! إذا عرفنا من نكون.. سنعرف ماذا نريد. هل نحن فراعنة أم عرب أم أتراك أم أقباط أم بحر متوسط! مبدئياً.. لا شىء يعبر عن هوية شعب أفضل من فنونه، فهل هناك فن مصرى خالص؟ قلنا: الأرابيسك. ولكن الأرابيسك فن عربى إسلامى، وأصوله غير مصرية.
البعض يرى أنه فن مملوكى، ولكن هناك من يرى أنه فن فاطمى. ويستندون فى ذلك إلى واقعة تاريخية معروفة هى أن الخشب شح فى أيام الفاطميين، فاعتمدوا على «كسر» الخشب- أى شظاياه وقطعه الصغيرة- حيث نظفوها وهذبوها وعشقوها- بتشديد الشين- بعضها فى بعض لتشكل فى النهاية قطعة الأرابيسك غير أننى أميل إلى الاعتقاد بأن هذا غير صحيح، لأن الكنائس المصرية القديمة التى كانت موجودة فى مصر قبل أن يدخلها العرب- مثل الكنيسة المعلقة- كان بها قطع فنية تنتمى إلى الأرابيسك.
وعدنا إلى سؤالنا: هل هناك فن مصرى؟ أنا أقول إنه بإمكاننا أن يكون لنا فن خاص يساعدنا على اجتياز الهوة التاريخية التى نعيش فيها، بدلاً من أن نظل خاضعين لثقافات وحضارات أخرى!
■ هل حكمت هاشم فى «ضمير أبلة حكمت» شخصية من لحم ودم، أم أنها مجموعة أفكار وقيم ومُثُل وأحلام؟ وفى أى من الحالتين ما المقصود درامياً بذلك؟
- الأمر الثانى هو الأقرب إلى الصواب، حكمت هاشم شخصية من نوع حاملة الفكرة أو الرسالة، فى مسلسل يعتمد فى بنائه على قضية مباشرة وعامة وليست خاصة، بمعنى أنها ليست قضية ناس فى ظروف افتراضية يفترضها الكاتب لكى يروى حدوتة أو يحكى حكاية.. فهنا لازم الشخصيات تبقى درامية بمعنى، أو كما تعودت فى أعمالى السابقة.. لا أميل لعملية (الاستقطاب) فى الشخصية بين الخير والشر، لا أميل لأن تكون هناك شخصية سوداء كل السواد أو بيضاء كل البياض.
إنما فى مسلسل يعتمد على تناول فكرة أو مشكلة عامة، مسلسل ينتهج نهج الدراما التوجيهية ولا أقول «التعليمية» حتى لا يختلط اللفظ بموضوع المسلسل - فهو دراما موجهة بمعنى أنها تتناول قضية عامة، مشكلة عامة تهم بلداً بأكمله وليست مقصورة على فئة من الفئات أو مجموعة من المجموعات.
فى مسلسل من هذا النوع لابد أن تكون هناك الشخصية حاملة الفكر، الشخصية التى تبدو كالمجموعة التجريبية فى أبحاث علم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعى، الذى هو تثبيت مجموعة لاختبار المجموعات الأخرى ف«حكمت» نقدر نقول عليها الشخصية المقابلة للمجموعة التجريبية بمعنى أن أقول: ماذا يمكن أن يواجه إنسان أو شخص فاهم المسألة صح؟ معتمد ضميره فى كل أعماله؟ ومش أى شخص.. ده شخص قايم بمهمة جليلة وخطيرة هى التربية والتعليم.
■ إلى أى مدى يمكن خلق نموذج قريب من حكمت على أرض الواقع؟ وكيف؟
- أزعم إن ممكن خلق النموذج المطابق مش القريب فقط. لو حليِّنا المعضلة التى هى: كيف تعد البشر؟ كيف تربى المدرس؟ ما انت لازم تربى المدرس كويس عشان هو يربى التلميذ كويس.
رغم الأزمة الاقتصادية الخانقة وحالة المدارس عندنا إنما هذه نقطة فرعية وليست الأساس. الأساس هو المدرس، وفاقد الشىء لا يعطيه مثلما قالت حكمت فى أحد المشاهد.
المدرس إحنا بنعده إزاى دلوقتى؟ بندخله معاهد أو كليات نحشى دماغه بنفس طريقة حشو التلميذ. هو تحفيظ وليست مسألة إعداد مهنى وعلمى حقيقى يعنى إحنا مثلاً نلاقى المسألة عندنا مقلوبة.. نجيب مدرس الابتدائى من خريجى المعلمين والمعلمات، فى حين إن ده إللى لازم يكون معاه دراسات عليا. ده المفروض لكن النظام عندنا مقلوب.
وبعدين المدرس هذا بنعلمه إيه فى كليات ومعاهد التربية؟ نظريات يرددها مثل البغبغان إنما هو كبنى آدم.. إتربى إزاى عشان يبقى مدرس؟
ده أنا لازم أبدأ معاه من ثانوى، مشاكله إيه، نشأته، بيخضع لإشراف نفسى ولاَّ لأ.. باتابعه طول مدة دراسته وأعمل له دراسات عملية حقيقية وأعيشه فى جو التربية الحقيقى ولاَّ لأ؟
(هذا الحوار مقتطفات من مجموعة حوارات متعاقبة مع الكاتب الراحل)
فيديو جنازة «سيد الدراما التليفزيونية» على الرابط التالى:


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.