لم أدهش كثيرا - بحكم متابعتى من واقع انتمائى الحزبى للمهندس أحمد عز، أمين التنظيم بالحزب الوطنى الديمقراطى - للمهارة التى اتسم بها حواره أثناء مناظرة الفيديو كونفرانس عبر القاهرة وواشنطن، التى أجرتها شبكة ال«سى. إن. إن» الأمريكية، والتى جمعته بنموذجى التغيير المطروحين الآن أمام الرأى العام الأمريكى والأوروبى، واللذين يجمعهما فكر وتوجه معارضة نظام الحكم بمصر، وأعنى بهما الدكتور محمد البرادعى والدكتور سعدالدين إبراهيم، فالأول يمثل للمتابعين والمعنيين بالأمر فى أمريكا وأوروبا اليمين القومى الملتزم، والآخر يمثل اليمين الليبرالى المتحرر. والمتابع للمناظرات السياسية التى تجرى فى الغرب يدرك أن المعارضة دائما ما تكون فى موقع المهاجم بينما تكون الحكومات وممثلوها – بحكم مسؤولياتها - فى موقع الدفاع عن سياساتها وتوجهاتها وبرامجها، هذا هو العرف الذى تتسم به المناظرات سواء بين الديمقراطيين والجمهوريين فى الولاياتالمتحدةالأمريكية أو بين المحافظين والعمال فى المملكة المتحدة، وكذلك الأمر فى سائر أوروبا.. الذى أثار إعجابى فى الأمر هو الحنكة التى أدار بها «عز» دفة الحوار مستخدما ذات الأساليب الأمريكية التى برع فيها الساسة هناك، نفس المصطلحات التى اعتاد المشاهد الأمريكى والأوروبى على سماعها وذلك فى الربط بين ما هو مصرى منها وما يقابله فى الغرب لتحقيق المحاكاة فى الشرح، ولتيسير فهم الأوضاع القائمة فى مصر وحجم الخطر المحدق بها من نفس قوى الإرهاب والتطرف اللذين يهددان العالم أجمع، وذلك فى عرض سلس ومتدفق راعى قواعد اللعبة بالمعايير الغربية، فحقق فى هذه المناظرة نفس النتيجة التى جعلت من مثل هذه المناظرات وسيلة لقلب دفة استفتاءات الرأى التى تجرى قبيل الانتخابات، ومن ثم تغيير نتائج كانت قاب قوسين أو أدنى من أن تحدث.. مما لاشك فيه، أن هذه المدرسة الجديدة فى مخاطبة الرأى العام العالمى تعتبر منهجية مستحدثة واستخداماً لأدوات فاعلة فى نقل الحقيقة لمجتمعات لا تسمع إلا ما يصلها دون عناء البحث عن واقع الأمور وغزو لميديا الإعلام المعادى لمصر فى ملعبها باستخدام نفس أسلوبها وأدواتها، وهنا أنا لا أعنى على الإطلاق أيا من الدكتور البرادعى أو الدكتور سعدالدين بشخصيهما، فلكليهما منى كل الاحترام والتقدير مع اختلافى التام معهما، ولكن أقصد هؤلاء الذين يحاولون نقل وقائع مغلوطة عن الواقع المصرى لأغراض فى أنفسهم.. ورغم أن محاورة «عز» جاءت فى المنتصف ما بين حديث الدكتور البرادعى الذى لم يفتقد الهدوء والرصانة - وإن خَلَوَا من الهدف - إذ ذكر أن هدفه ليس الترشح لسدة الرئاسة ولكن الإصلاح باعتباره هدفا فى حد ذاته، وهو ما أفقد المناظرة هويتها الأساسية فى نظر المتابعين من الأمريكان والأوروبيين وحولها لاستعراض أفكار ونظريات تفتقد أدوات التطبيق، وهو أمر لم تعتده العقلية الغربية التى تتطلع دوما لمواقف وحلول نافذة، وبين تعليق الدكتور سعدالدين فى نهاية المناظرة المساند لموقف البرادعى والحديث عن مشكلاته مع نظام الحكم فى مصر، والذى استخدم فيه صور محاكمته كوسيلة للتأثير على الرأى العام مما أدى إلى شخصنة موقفه وتحويله من دفاع قومى إلى مجرد نزاع فردى.. أعزائى القراء، لقد أدرك «عز» أنه كى تصل الى عقول مستمعيك لابد أن تستخدم نفس المصطلحات التى يفهمونها، هذا هو الأسلوب الذى اتبعه عز فى الاستحواذ على المشاهد الأمريكى أولا (بحكم أن المحطة أمريكية) والعالمى ثانيا باعتبار المحطة قبلة الباحثين عن الخبر والتحليل السياسى العميق فى العالم كله، وأظنها الوسيلة الأجدى حاليا لمواجهة كل من يريد النيل من مصر فى الخارج، فخير نصر هو ذلك الذى تحققه على ملعب خصمك. *عضو أمانة العلاقات الخارجية بالحزب الوطنى الديمقراطى الأمين العام لجمعية محبى مصر السلام www.hanyaziz.net