فوجئت حين اتصلت بى معدة فى شبكة «سى.إن.إن» الأمريكية تسألني: إيه رأيك فى أحمد عز؟ كنت اتصلت قبلها بأيام بالصديق كريم حجاج، مدير المكتب الإعلامى المصرى بواشنطن، أطلب منه اقتراح شخصية سياسية من الحزب الوطنى للمشاركة فى برنامج تعده الشبكة التليفزيونية العالمية حول الحراك السياسى فى مصر، وكان لى دور «استشارى» فى البرنامج ولم يقترح حجاج أى اسم فوراً لكننا اتفقنا على ضرورة أن يكون شخصية حزبية، وكنت أتوقع أن ترشح القاهرة أحد الأسماء المعروفة من «متكلمى» الحزب، ممن لهم خبرة أمريكية لكن اسم أحمد عز لم يخطر ببالى، ربما لأننى لم يسبق لى مشاهدته فى أى حوار. الفقرة الأساسية فى البرنامج كانت تتضمن لقاء مع الدكتور «محمد البرادعى»، مع فقرة أخرى قصيرة فى النهاية مع الدكتور سعدالدين إبراهيم، حرصت على الابتعاد عن الحوار المباشر مع أى من الأطراف قبل البرنامج لكننى كنت أتابع عن قرب ما يدور من اتصالات ولفت نظرى أن أحمد عز رفض أن يشارك فى مناظرة مباشرة مع «البرادعى» أو «سعد الدين» وطلب أن يكون بمفرده فى فقرة منفصلة.. وقد يفقد ذلك البرنامج بعض حيويته، لكنها بالتأكيد حركة ذكية من عز. ففى مثل هذه المواقف يكون ممثل الحزب الحاكم، كمن يبدأ مباراة وهو متأخر بهدفين وأقصى طموحه إدارك التعادل، ووجوده مع آخرين كان بالتأكيد سيصعب من قدرته على التسجيل. ثم كان الإصرار أن يأتى دوره بعد «البرادعى» ليجعلنى أفكر قليلاً: هذه ليست «السبهللة» التى اعتدت عليها من فريق الحكومة. بدأت المباراة بالشكل المتوقع ف«محمد البرادعى» يتحدث بهدوئه المعهود عن قضية التغيير فى مصر بعد ثلاثين عاماً من حكم الرئيس مبارك، وأنه لا يسعى للرئاسة بشكل شخصى قدر اهتمامه بإجراء إصلاحات ديمقراطية ودستورية، ولم يكن من الصعب أيضاً توقع ردود «عز»، لكن المفاجأة الحقيقية كانت فى بعض العبارات التى استخدمها. «قانون الطوارئ»: إنه مثل (القانون الوطنى) الأمريكى» (لا.. ملعوبة!) صحيح أن هناك فارقاً بين القانونين لمن يعرفون الأمور، لكن هل المشاهد الأمريكى يفهم ذلك؟ حتى لو كانت هناك انتقادات لقانون الطوارئ، فالجمهور سيتذكر أيضاً الجدل بشأن «القانون الوطنى» وعدم قدرة البرادعى على الترشح؟.. من قال ذلك؟ إنه يمكنه الترشح عن نصف الأحزاب المصرية لكنه يرفض! لكن القنبلة الحقيقية كانت فى «حشر» بعض الرموز المشحونة لدى المشاهد الأمريكى: «أحمدى نجاد».. «حزب الله».. و«المتطرفون» من الإخوان المسلمين، أى من هذه الأسماء يثير التوجس وربما القشعريرة لدى المتلقى، وربط البرادعى بها قد يكون خاطئاً من الناحية الموضوعية، فهو مثل إحراز هدف من تسلل أو فاول، لكن الحكم (الجمهور) احتسبه.. والعبرة بالنتيجة. من أين ل«عز» بهذه القدرات الخاصة فى مخاطبة الأمريكيين، وهو على حد علمى ليست لديه خبرة بالولايات المتحدة؟ هنا تأتى المفاجأة الثانية: فمنذ تقرر اختيار «عز» لتمثيل الحزب الحاكم بدأ العمل سراً فى إعداده للمواجهة. والأهم أن الأمر لم يترك للفهلوة المصرية، بل تم تجنيد شركة علاقات عامة أمريكية فى «تدريبه» على كل شىء عبر «فيديو كونفرانس»، واستمر العمل والمراجعة معه لساعات بين القاهرة وواشنطن، وربما يبدو الأمر مدعاة للسخرية، لكن ما حدث كان يمثل أسلوباً احترافياً فى الإعداد يحسب ل«كريم حجاج» وفريقه بواشنطن. لم تكن نتيجة المباراة بالتأكيد انتصاراً لفريق الحكومة، فقد جاء بعده سعدالدين إبراهيم، وكانت صوره أثناء المحاكمة أقوى من الكلام، لكن يمكن القول إن «عز» وفريقه حققوا أفضل نتيجة ممكنة فى مباراة كانت نتيجتها تبدو محسومة. لكن السؤال الأهم هو: إذا كنا نستطيع أن نستعد بهذا الشكل الجيد لمخاطبة «الأمريكان» بطريقتهم وبرموزهم فى أمور تتعلق بالحزب أو النظام، فلماذا لا تظهر هذه القدرات الخلاقة فى الدفاع الإعلامى عن مواقف مصر ومصالحها؟ وأين نحن من محيطنا الإقليمى الذى تراجعنا فيه شكلاً ومضموناً، وأين رسالتنا الإعلامية المؤثرة فى دول حوض النيل التى أخرجت لنا لسانها فى شرم الشيخ، بينما أصبح الرأى العام لديها معادياً لمصر، وأين رسالتنا للشعوب العربية التى أصبحت لا ترى فى المصرى الآن إلا (فقر وعنطزة) وهل نذِّكر مرة أخرى بما حدث مع الجزائر؟ وإذا كان يمكن العمل بهذه الاحترافية فى صياغة شكل ومضمون الرسالة الإعلامية من أجل الدفاع عن النظام، فلماذا لا نكمل الجميل وندافع ببعض الاحترافية عن بلد اسمه «مصر»؟!