بعد انقضاء أكثر من عام على انتخاب الرئيس الأمريكى باراك أوباما، لايزال مؤيدو الإصلاح السياسى وحقوق الإنسان فى العالم العربى، يحاولون أن يفهموا مقاربة إدارته للديمقراطية فى المنطقة، فمن نواح عدة، يوحى طلب الموازنة للسنة المالية 2011، الذى أحاله الرئيس أوباما مؤخراً إلى الكونجرس الأمريكى، أن هناك التزاماً بالديمقراطية والحاكمية، لكن تحولات فى الخطط التى وضعتها إدارته لبرامج الديمقراطية فى مصر تبعث إشارات مثيرة للقلق بين دعاة الإصلاح فى الشرق الأوسط. ويأتى هذا فى لحظة حاسمة فى مصر، وإثر العملية الجراحية التى خضع لها الرئيس مبارك فى ألمانيا ودخوله المستشفى هناك، أدرك مصريون كثر أن هناك احتمالاً حقيقياً جداً بحدوث تغيير وشيك فى القيادة، وقد أثارت هذه المخاوف بشأن صحة الرئيس إلى جانب عودة محمد البرادعى مؤخراً إلى مصر واحتمال ترشحه للرئاسة، نقاشات داخلية جدية حول مستقبل الحكم، وفى غضون ذلك، تواصل الحكومة المصرية اتخاذ خطوات تراجعية بعيداً عن الإصلاح السياسى، فى 6 من أبريل اعتقلت الشرطة المصرية العشرات من النشطاء فى القاهرة احتجاجاً على تخليد الذكرى السنوية لمظاهرات 6 أبريل، وهناك مشروع قانون صاغته مؤخراً وزارة التضامن الاجتماعى المصرية يهدد بالقضاء على منظمات المجتمع المدنى المستقلة، كما يتوقع العديد أن تقوم الحكومة بتجديد قانون الطوارئ القمعى فى مايو المقبل. وإزاء هذه الخلفية، أثارت التبدلات فى مقاربة إدارة أوباما للمساعدات الخارجية خلال ولايتها الأولى، قلق مؤيدى الديمقراطية، فقد خفض إجمالى التمويل المخصص لبرامج الديمقراطية والحاكمية من نحو 50 مليون دولار سنوياً، إلى 20 مليون دولار فقط، وضمن حدود هذا المبلغ، خفض مستوى تمويل المجتمع الأهلى بطريقة غير متكافئة، من 32 مليون دولار إلى سبعة ملايين دولار فقط، واعتمدت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، سياسة تقوم على حصر التمويل بالمنظمات المسجلة رسمياً التى توافق عليها الحكومة المصرية وتصنفها فى خانة المنظمات غير الحكومية، فضلاً عن ذلك، باشرت الإدارة الأمريكية مفاوضات حول إمكان إنشاء صندوق بناء على طلب الحكومة المصرية التى تسعى إلى إلغاء الإشراف من جانب الكونجرس على المساعدات الاقتصادية الأمريكية فى المستقبل. تشددت عزيمة كثر فى أوساط مؤيدى الديمقراطية عند صدور تقرير داخلى فى أكتوبر 2009، عن التدقيق فى حسابات برامج الديمقراطية والحاكمية التى تنفذها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، يعزو التقرير التأثير المحدود لبرامج الوكالة إلى غياب التعاون من جانب الحكومة المصرية: «لقد قاومت الحكومة المصرية برنامج الديمقراطية والحاكمية الخاصة بمصر التى وضعتها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وعلقت نشاطات عدد كبير من المنظمات الأهلية الأمريكية لأن المسؤولين المصريين اعتبروها عدوانية جداً». يعرض التقرير أمثلة عدة عن التدخل الحكومى المصرى: لم يتكلل برنامج للتنمية الإعلامية بالنجاح لأن «وزارة الإعلام لم تتعاون»، ولم يُطبق برنامج إلغاء المركزية لأن «الحكومة المصرية ترددت فى التحرك»، وعندما كان أحد المشاريع يحقق تقدماً استبدل الحاكم المحلى بحاكم أقل دعماً للمشروع، مما أدى إلى انهياره. يورد تقرير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بوضوح أن «مكتب الديمقراطية والحاكمية حقق نجاحاً باهراً فى برنامج الهبات المباشرة للمجتمع الأهلى»، هذا البرنامج الذى أنشئ عام 2005، هو الجزء الوحيد فى برامج الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية فى مصر الذى تُمنح فيه الأموال مباشرة إلى منظمات مصرية مستقلة، بدلاً من المرور عبر الوزارات المصرية، وعلى الرغم من أن مشاريع الهبات المباشرة أقل اعتماداً على التعاون من الحكومة المصرية وهى بالتالى أكثر نجاحاً، إلا أن الحكومة المصرية استطاعت أيضاً التدخل فى العديد من تلك المشاريع، فقد شهد تطبيق المشاريع الخاصة بالمنظمات الأهلية الكثير من التأخير، بسبب انتظار الحصول على موافقة الحكومة المصرية على المشاريع أو المنظمات المشاركة فيها، وألغت الحكومة المصرية فجأة مشاريع تدريبية مقررة حول مكافحة الفساد والإصلاح السياسى، وعلقت تسليم مواد حول التربية المدنية. ثمة درس واضح نستمده من تقرير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وهو أنه كلما كانت الحكومة المصرية أقل تدخلا فى برامج الديمقراطية والحاكمية، كانت فرص نجاحها أكبر. أمل داعمون كثر للديمقراطية فى أن تعمد الوكالة، انطلاقاً من التقرير، إلى العودة عن الخفوضات الحادة فى تمويل المجتمع الأهلى وعن قرارها حصر التمويل بالمنظمات الأهلية المسجلة، غير أن طلب الموازنة الجديدة لسنة 2011، يتجاهل استنتاجات أساسية فى التقرير، ويواصل السير فى اتجاه زيادة التمويل للبرامج التى تتم بالتعاون مع الحكومة المصرية، وخفض التمويل الممنوح مباشرة للمجتمع الأهلى. للإنصاف لابد من الإشارة إلى أن مؤسسات حكومية أمريكية أخرى «مثل مبادرة الشراكة الشرق أوسطية التابعة لوزارة الخارجية، ومكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل» توفر الدعم للمجتمع الأهلى والمنافسة السياسية، لكن مواردها محدودة جداً مقارنة بتلك التى تؤمنها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. ليس ترويج الديمقراطية مجرد برامج مساعدات وحسب، ربما اختارت إدارة أوباما دعم الديمقراطية فى مصر عن طريق دبلوماسية الكواليس، لكن إذا كان الحال كذلك، لم تظهر أى نتائج إيجابية حتى الآن، وبانتظار أن يتبدل ذلك، فإن المؤشرات التى ترسلها إدارة أوباما من خلال التغييرات فى التمويل والموازنات سوف تستمر فى إثارة قلق مؤيدى الديمقراطية فى مصر الذين يأملون فى الحصول على الدعم الأمريكى. نقلاً عن نشرة الإصلاح العربى الصادرة عن معهد كارنيجى ستيفن ماكينرنى مدير الدعوة فى مؤسسة مشروع الديمقراطية فى الشرق الأوسط