فى المستشفى العام بمنية النصر بالدقهلية، يرقد عجوز نحيل يبلغ من العمر (62 عاماً) فى إضراب مفتوح عن الطعام منذ 19 مارس الحالى فى انتظار عودة طفلته المختفية فى «بيت الباشا» منذ 12 عاماً. على السرير أدوية وجلوكوز وأدوات طبية يحاول بها طاقم المستشفى الحفاظ على حياة المواطن محمد زكى، وبينما يجاهد العجوز بين الحياة والموت لا يخرج من فمه سوى نداء واحد يلخص مأساته: «إنصاف». «منهم لله خطفوها من حضننا وماحدش عارف عنها حاجة لحد دلوقتى»، هكذا بدأ أحمد محمد زكى (29 عاماً) الابن الأكبر للرجل المضرب عن الطعام حديثه: «كنت صغيراً وقتها، كان عمرى تقريباً 16 أو 17 سنة، وكان أبويا اللى راقد دلوقتى فى المستشفى سابنا وراح اتجوز واحدة تانية.. كانت أمى، الله يرحمها، معاها ولد و5 بنات شقيت عليهم بعد ما أبويا هج.. وكانت أمى بتخرج تشتغل عند أصحاب الأراضى القريبة من البيت علشان توفر مصاريفنا، حظها وقعها فى واحد صاحب أرض كان جايب ماكينة جديدة، وكان عنده مشاكل مع مأمور قسم ميت سلسيل علشان مش عنده رخصة للماكينة الجديدة اللى شغال عليها، المأمور وقتها كان محتاج شغالة تقعد مع أمه المسنة فطلب منه يشوف له بنت صغيرة تشتغل عنده فى البيت، الراجل ده كان ساعتها مستعد يعمل للمأمور أى حاجة علشان يخليه يعرف يشتغل، فطلب من أمى ياخد واحدة من بناتها تشتغل عند المأمور أسبوع واحد لغاية ما يلاقى له بنت تانية، أمى كانت على نياتها وأديتهم أختى إنصاف، كان عمرها وقتها 8 سنين». حسب رواية شقيق إنصاف ذهبت الفتاة إلى بيت «الباشا» لتعمل فى خدمة والدته المسنة ولمدة أسبوع واحد فقط «كنا فاكرينها هاتشتغل فى منية النصر فى مكان قريب مننا، وأسبوع واحد وهتروح تجيبها، بعد أسبوع لما راحت تاخدها عرفت انها شغالة فى المنصورة وبتخدم بيت من 5 أدوار لوحدها 24 ساعة وهى عيلة صغيرة.. فى الأول البيه المأمور رفض يدى البنت لأمى، لكن أمى صممت والجيران اتلموا فالباشا اضطر يديها البنت، وبعدها مافيش يومين لقينا عربية شرطة ونازل منها أتنين عساكر جايين ياخدوا البت، بس لحقنا نخبيها منهم، وبعد شوية فوجئنا بالشرطة بتقبض على أبويا اللى كان سايبنا وراح يشتغل سواق على جرار، وقتها اتقبض على أبويا بدون سبب كدا.. واتحجز كام يوم وبعدها طلع وكل همه إنه يجيب إنصاف للباشا، لكن أمى خبت البنت منه، فراح خد بدالها أختى التانية وكانت 7 سنين وقتها وراح للباشا». ذهبت الصبية ذات السنوات السبع إلى بيت الباشا عوضاً عن شقيقتها التى تكبرها بعام واحد، ورغم رضوخ الأب بعد إلقاء القبض عليه إلا أن ما أعطاه الوالد لبيت الباشا لم ينل إعجابا «مراة المأمور أول ما شافت أختى التانية شتمتها وقالت: بقى بعد ما نضفنا البت التانية تجيبوا لنا دى؟ رغم كده فأختى ما استحملتش ويومين وقدرت تهرب، وبعد هروبها بيوم واحد لقينا عربية الشرطة جايه تانى بالعساكر لغاية البيت عشان تاخد إنصاف بالذات، والمرة دى قدروا ياخدوها، حاولت أمى تتفاهم وقتها بالراحة مع البيه المأمور لكنه رفض التفاهم وهددها لو ماسكتتش وبعدت عنهم هيودينى أنا ورا الشمس! أمى ساعتها خافت عليا، وماقدرتش تتكلم وسابت البنت، ومن ساعتها ولمدة 12 سنة واحنا بنحاول نرجعها ومش عارفين .. المأمور السابق حاططها فى بيته زى ما تكون معتقلة فى معتقل خصوصى». سماح شقيقة إنصاف والطالبة بالصف الثانى الثانوى تروى القصة من وجهة نظرها «أنا عمرى ما شفت إنصاف.. باسمع عنها زى الأشباح لكنى عمرى ما شفتها.. البيت كله بيتكلم عنها وكلنا عارفين هى فين بس ماحدش قادر يجيبها علشان إحنا على قدنا.. وشكلى هافضل كده ما اشوفهاش باقى عمرى». لم يكن والد إنصاف هو الوحيد الذى أضرب عن الطعام للمطالبة بحقه فى رؤية ابنته فالأخ الأكبر هو الذى بدأ مشوار المطالبة «11 بلاغ قدمتهم للشرطة، من قسم لقسم ومن مركز لمركز ولا حد سأل فيا.. الظباط قالوا لى حد يشتكى الحكومة للحكومة.. وأنا فضلت ورا إنصاف هاجيبها بيتها اللى اتحرمت منه يعنى هاجيبها». إصرار أحمد لم يكن من فراغ، فهو يشعر بأن خوف والدته عليه هو السبب فيما وصلت إليه حالة إنصاف «أمى صحتها راحت من الحزن على إنصاف، وجات لها جلطة فى المخ ونقلناها مسشفى طوارئ المنصورة، ما كانتش عايزة حاجة قبل ما تموت غير إنها تشوف إنصاف لآخر مرة.. بس نعمل إيه البيه المأمور رفض يخرجها وماتت أمى من غير ما تشوف بنتها المحجوزة عند الباشا» حاول أحمد مرة أخرى فى يوم زفافه هذه المرة عبر زوجته. تقول زوجة أحمد «رحت معاهم عند الباشا قبل الفرح، قلت يمكن قلبه يحن ويخليها تيجى تحضر فرح أخوها لكن الباشا رفض يدخلهم ووافق بالعافية يدخلنى أنا وأختها ولقينا قدامنا البنت متبهدلة جدا ومراة المأمور قاعدة معانا فى الصالة عندهم، وقتها إنصاف ما فتحتش بقها بنص كلمة، كانت بتبص لى ولأختها اللى اتعلمت وتبص للأرض وتعيط». القصة لا تنتهى فصولها هنا، فهناك اللواء السابق والمحامى حاليا الذى حمل فى جعبته اتهامات مختلفة لأسرة إنصاف «الحكاية وما فيها إن البنت دى ليها عندى شوية دهب وفلوس وأبوها وأخوها طمعانين فيهم عشان كده عايزين ياخدوها، وعملوا محاضر كتير والنيابة حققت معانا، والبنت رافضة ترجع لهم وهى فى سن يسمح لها بده وجات قدام النيابة وقالت إنها قاعدة عندى بإرادتها وخلاص مش عايز كلام فى الموضوع ده تانى». ويرد أحمد على رواية اللواء قائلا: «أنا مش عايز الذهب والفلوس اللى بيقول عليهم الباشا، يخليهم عنده ويخرج لى بس أختي، أعرف هى مستريحة ولا لأ، ولو مستريحة تخرج لنا يوم أجازة بس كل شهر حتى تقعده معانا قبل ما ننسى شكلها». يضيف أحمد: «أختى قاصر، المفروض انها هتكمل عشرين سنة كمان شهرين أنا عايز أرجعها خلال السنة دى لأن بعدها هتبقى مش قاصر ومش هيبقى لنا حق حتى نشوفها.. أختى ضاع عليها التعليم ولو فضلت كده مش هتتجوز.. هى مش من حقها تعيش حياة طبيعية زى البنات؟».