فراش المرض فى معهد ناصر لا يعرف الفرق بين الفصائل الفلسطينية، فعلى هذا السرير يرقد مصاب من فتح، وبجواره مصاب من حماس، وكلاهما ضحايا الاعتداءات الصهيونية البشعة على غزة. المعهد استقبل 38 حالة من المصابين بينهم 4 سيدات والباقى رجال وأطفال. جناح كامل بالدور الرابع بالمستشفى تم إخلاؤه للمصابين، وذكر الأطباء أن هناك 15 حالة تحتاج إلى عمليات جراحية، تم إجراء 4 منها فى الأيام الأولى بالمستشفى، وفى انتظار إجراء باقى العمليات حسب جدول غرفة العمليات. الطفل محمد إسماعيل وادى (14 سنة) فى الصف الثالث الإعدادى يشغل أول سرير فى أول غرفة بالجناح، وتجلس والدته شكرية يوسف بجواره، تقول: "فى اليوم الأول للاجتياح الإسرائيلى لغزة رفضت خروج محمد من البيت، ولكنه أصر على الذهاب إلى المدرسة وأخذ حقيبته وخرج". محمد يكمل: كنت أسير أنا وزملائى فى طريقنا إلى المدرسة حين سمعنا صوت صاروخ أصاب أحد المنازل، فغيرنا طريقنا وجرينا نحو المنزل المصاب حتى ننقذ سكانه ونسعفهم، لكننا وجدنا المنزل مدمراً تماماً، وبعض الأطفال يصرخون تحت الأنقاض، فبدأت مع زملائى فى إزالة حطام المنزل لإخراجهم، وبالفعل أخرجنا أكثر من طفل مصاب، وحاولنا إخراج أختهم فوجدناها قد استشهدت، فأخرجنا جثتها، ثم وجدنا رضيعاً يبكى ولم يتعد عمره 4 شهور، والغريب أنه لم يصب بأى خدش، وعندما شاهدنا الجنود الإسرائيليون نساعد الجرحى، وكانوا على بعد 50 متراً منا، أطلقوا علينا قذيقة دبابة فأصيب 7 منا، رغم أننا كنا عزلاً لا نحمل أى سلاح، ولم تكن سن أكبرنا تزيد على 15عاماً، كما أننا لم نحاول مقاومتهم بل فوجئنا بوجودهم، وبعدها جاءت سيارة الإسعاف لتنقلنا مع أهل المنزل المدمر إلى المستشفى، أطلق عليها الجنود الإسرائيليون القذائف، فهربت السيارة من مرمى النيران، وظللنا ننزف على الأرض لمدة ساعة ونصف، حتى رحل الجنود، وجاءت سيارة الهلال الأحمر، فنقلتنا إلى مستشفى الشفاء بغزة، ثم تم نقلنا إلى مستشفى العريش ثم معهد ناصر". الآن شكرية تقول: الفصائل تتقاتل وتتناصر ونحن الضحية لا نجد أكلاً ولا شرباً ولا ملابس ولا تعليماً. على السرير المجاور يرقد محمود عبد الرازق الدغمة (19سنة)، يقول: "أنا طالب بالثانوية العامة، ولدى 11 أخاً وأختاً وأنا أصغرهم، وحتى أستطيع الإنفاق على دراستى فتحت مطعماً أنا وأحد زملائى، فى يوم الإصابة كنت أحمل نقود المطعم، وذهبت لفكها لإعطاء شريكى نصيبه، فوجدت مجموعة من الناس، سألتهم عن الفكة، فقالوا لى: هل دخل اليهود إلى البلدة فعلاً؟ فقلت لهم: لا أعرف، وكررت سؤالى عن الفكة، لكن فجأة وجدنا صاروخاً ينفجر فينا، وتطايرت أجساد بعض الذين كانوا يقفون أمامى منذ قليل أشلاء، واستشهد معظمهم، وأنا أصبت فى جسمى كله بالشظايا، ولا توجد عظام فى ساقى بطول 25سم، بخلاف إصابة شديدة وكسور فى ذراعى. محمد زكى عثمان (22سنة) يدرس بجامعة الأزهر بغزة يرقد فى السرير المجاور، برفقة أخيه أنيس الذى يقول: "محمد لا يستطيع الكلام بسبب الإصابة، حيث أصيب بتهتك وكسور فى الفك الأيمن والفك السفلى ودخل لسانه إلى الخلف، كما أصيب فى صدره فتم عمل فتحة حنجرية له ليتنفس منها، ويأكل ويشرب عن طريق خرطوم موصل بالمعدة". أنيس يضيف: "محمد ينتمى إلى صفوف المقاومة لطرد القتلة من أراضينا، وأصيب هو وأخونا الأكبر بصاروخ من طائرة أباتشى فاستشهد أخونا الأكبر على الفور". أنيس يقول:"ليس أمامنا إلا الشهادة أو تحرير الوطن، وكل من ينضم إلى المقاومة يدرك هذه الحقيقة جيداً". جهاد زياد أبو نعم (19 سنة) يرقد فى الغرفة الثالثة، وقد أصيب بالعمى مع كسر فى عظام الفخذ الأيمن، وتهتك فى عظام الساعد الأيمن، وكسر بعظام الذراع الأيسر. أما إبراهيم الجرجاوى (35 سنة) من خان يونس فيرقد إلى جوار جهاد، يقول: كنت فى البيت حين علمت أن صاروخاً إسرائيلياً أصاب منزلاً مجاوراً فنزلت للمساعدة فى إنقاذ الضحايا فسقطت على كتلة كبيرة من حجارة البيت المدمر، هى السبب فى إصابتى". زميلهما فى الغرفة خضر إسماعيل خضر (20 سنة) من خان يونس يدرس بالفرقة الأولى فى الجامعة الإسلامية، يقول: أصابنى قناص إسرائيلى من برج مراقبة أثناء تواجدى مع المقاومة، وهذه هى الإصابة الخامسة لى، ورغم هذا لم أتوقف عن المقاومة، لكن هذه المرة قال لى الأطباء إننى قد أصاب بالشلل لأن الإصابة فى الرقبة، لكن الحمد لله بدأت يدى اليسرى تتحرك قليلاً، لكن باقى أطرافى ترفض الاستجابة حتى الآن. حكايات وجيه أحمد، ومعطى، وصفية أحمد، وإسلام عسلية من على فراش المستشفى تنطق هى الأخرى بوحشية العدوان الإسرائيلى. الدكتور محمود الهباش وزير الشئون الاجتماعية والزراعة فى الحكومة الفلسطينية يقول إنه يحاول مع السفارة حل مشكلات المصابين، خاصة عدم وجود مرافقين مع بعضهم، ويضيف الوزير أن غزة الآن فى حاجة إلى أكبر قدر من الأدوية بعد حملة الإبادة التى تعرضت وتتعرض لها، ويطالب الوزير الفصائل الفلسطينية المتناحرة بضرورة الاتحاد من أجل مشكلة اجتياح إسرائيل لغزة. مدير مستشفى معهد ناصر الدكتور بهاء الدين أبو زيد يؤكد أن المعهد على استعداد كامل لاستقبال أى عدد من المصابين الفلسطينيين، ويضيف أنه تم تركيب عدد من أجهزة"اليزاروفط" لعلاج الكسور المضاعفة، حتى تلتئم عظام المصابين بأفضل وضع. يذكر أن عدد الجرحى الفلسطينيين فى مصر حالياً يبلغ 185 جريحاً، 38 منهم فى معهد ناصر، و17 فى مستشفى الهرم، و2 بقصر العينى، و7 بالمستشفى الجامعى بالإسماعيلية، و60 بالعريش، ينتظر تحويلهم إلى القاهرة، ومصر تتحمل تكلفة علاجهم بالكامل.