كانا فى مكان عام، دخل رجل وحوله حراسة ومهرجان! نظرت الفتاة إلى هذا الرجل وقالت: إنه رجل عظيم! قال صاحبها ساخراً: ألأنه ملياردير؟ قالت: بل لأنه أحد نواب هذا الشعب! قال: ملياردير وأحد أعضاء مجلس الشعب.. أليس كذلك؟ قالت بانفعال: عجباً.. أتلومه لأنه فى أحد المناصب التى حرمك الله منها! قال: بل لعلى أحسده على براعته فى الانتفاع من جهل نفسه، وجهل هذا الشعب المسكين! قالت وهى غاضبة: كيف يكون جاهلاً وفى الوقت نفسه بارعاً فى استغلال جهل الآخرين؟ وهل أستطيع أن أصفك بأنك جاهل عالم أو عالم جاهل؟! قال بابتسامة: اسمعى هذه الحادثة التى عاصرتها! سافر صديقى إلى الخارج.. درس اللاهوت.. وسائر علوم الدين.. وعاد بالدكتوراه إلى قريته الفقيرة البائسة الجاهلة، فتألم لأحوالهم، وعزم على أن يقيم بينهم بضعة أشهر.. يعلمهم شؤون دينهم ودنياهم.. ثم يرحل إلى القاهرة! وكان على رأس هذه القرية.. شيخ يدّعى إلمامه بالدين، كان هذا الشيخ لا يقل عنهم جهلاً.. وإن كان يفوقهم خبثاً ومكراً! أحس هذا الشيخ بوجود هذا العالم الورع التقى بينهم، حتى عرف تماماً أنه سيحطم عرش جهالته تحطيماً، فأخذ يهاجمه سراً وعلناً، حتى كانت الموقعة الفاصلة.. بين العالم والجاهل.. فى سرادق عزاء، لأحد أبناء القرية.. وكانت جموع المعزين فى السرادق.. لا حصر لها! اعتلى الجاهل المنبر، وأشار بإصبعه ناحية العالم وقال: أشهد الله عليكم أيها القوم أن هذا الرجل الذى أتانا من بلاد الفرنجة.. لا يفهم من أمر ديننا الأرثوذكسى شيئاً! بل لعله مدسوس علينا لإفساد عقيدتنا وتلويث إيماننا! وأنا أتحداه ألا يهرب من الامتحان الذى سأعقده له أمامكم الآن! صُعق العالم وأخرج من جيبه شهادة الدكتوراه، وقال: أيها الجاهل.. هذه أكبر شهادة فى شؤون الدين.. حصلت عليها من كلية اللاهوت فى كمبردج! وأنا أتحداك أن تذكر لنا شيئاً من موعظة الجبل للسيد المسيح! أجاب الجاهل: أرجع أوراقك إلى جيبك، فما زال المزوّرون يمرحون فى الأرض كالأفاعى والحيات، وإذا كنت تتحدانى بموعظة الجبل.. فأنا أتحداك أيضاً أن تتلو علينا شيئاً من موعظة الجمل.. إذا لم تكن أنت من الجاهلين! صُعق العالم مرة ثانية، وضرب كفاً بكف، وقال: ليس للجمل موعظة إلا فى مخيلتك المريضة، أليس من نكد الدنيا وهذه القرية أن ترزق بأمثالك؟! نظر رجل الدين الجاهل إلى من حوله وقال: أرأيتم يا قوم، كيف يستهين هذا الكافر بأعظم موعظة للسيد المسيح.. ألا وهى موعظة الجمل؟! وهل من المعقول أن الجبل له موعظة والجمل العظيم ليس له موعظة؟! احكموا يا قوم! احكموا فقد وضح الحق لكل ذى عينين! هجمت جموع المعزين على العالم الورع التقى حامل الدكتوراه فى اللاهوت وسائر شؤون الدين، وأوسعوه ضرباً ولكماً.. وتركوه مغشياً عليه بين الموت والحياة، وخرجوا من السرادق حاملين شيخهم الجاهل على الأعناق!! قال صاحبنا لصديقته: كنت تعجبين.. كيف يكون الرجل جاهلاً، وفى الوقت نفسه.. بارعاً فى استغلال جهل الآخرين؟! لو لم يكن رجل الدين الجاهل هذا، جاهلاً.. لما طلب للجمل موعظة، ولو لم يكن جموع هذه القرية جهلة، لما صدقوا أن السيد المسيح له موعظة.. اسمها موعظة الجمل! ثم نظر صاحبنا إلى الملياردير عضو مجلس الشعب، وقال: لو لم يكن هذا الرجل الذى أمامك.. جاهلاً.. وبلا أخلاق أو ضمير.. لما فعل ببلده ما يفعل الآن، ولو لم يكن واحد من شعبنا المسكين هذا.. فقيراً.. جاهلاً.. متخلفاً.. لما انتخب مثل هذا الرجل نائباً عنه! قالت والدموع فى عينيها: ما أبرعك من متحدث، وما أقدرك على الإقناع! لأشد ما أتمنى.. أن يفارقك سوء طالعك.. فتأخذ مكانك بين القادة والزعماء! قال صاحبنا: هى ردَّة منك لعبادة الأوثان كالثروة والشهرة والمال، وهو كفر منك بهذا الحب ونعيمه.. تريدين استبداله بهذا الصنم وجحيمه، ألم تقرئى لأبى العلاء: توحدْ.. فإن الله ربك واحدٌ وابعد عن عِشرة الرؤساء؟! سامحك الله!! [email protected]