دولة غزت العالم بمنتجاتها، بدءاً بالأدوات الكهربائية والتكنولوجية مروراً بالملابس الجاهزة والأحذية، وصولاً إلى لعب الأطفال، أى باختصار تنتج «من الإبرة للصاروخ»، وأصبحت عبارة «صنع فى الصين»، داخل كل بيت فى مصر. هذا بالنسبة للمنتجات، لكن بالنسبة للتواجد البشرى، فهناك عشرات الآلاف من الصينيين فى مصر يديرون أعمالهم وتجارتهم واستثماراتهم، ويعتبرون البلد «منجماً للذهب»، مطالبين غيرهم بالقدوم والعمل والاستقرار هنا، فالمنافسة على عكس مناطق أخرى كثيرة تكاد تكون معدومة، وبالتالى الربح مضمون. «وسط الزحمة»، تفتح ملف الصينيين فى مصر لإلقاء نظرة على المجتمع الصينى عن قرب للتعرف على أعدادهم وحياتهم وطبيعة تعاملهم مع المصريين وأهدافهم وأحلامهم فى مصر، و«الفهلوة» الصينى التى تكاد تهزم نظيرتها مصرية الصنع. ابتسامة مرسومة بالمقاس، وجوه متشابهة لدرجة التطابق، وأياد مدربة على عرض البضاعة، ولسان يتحدث العربية بطريقة «الخواجة بيجو»، 200 ألف صينى يعيشون فى مصر غالبيتهم وجد فرصة عمل لم يجدها ملايين المصريين، وبعضهم اكتفى بالدراسة، وقليلون أتوا من أجل آثار «أم الدنيا». المحامى المصرى سيد عبدالحكم فتح عالم الصينيين فى مصر على اتساعه، كان سيد هو المحامى الرسمى لجمعية غير مشهرة قانوناً تدعى «المجموعة الصينية المتحدة» هناك حيث يجد المواطن الصينى الدعم القانونى ويستعيد مع أبناء الجالية شيئاً من رائحة الوطن البعيد. «قابلت أبو بكر عمدة الصينيين فى مصر فى كارفور منذ ثلاث سنوات بالمصادفة، كان راجل طيب وبيتكلم عربى معقول، تناقشنا فى أمور كثيرة وعرض علىّ العمل مع المجموعة الصينية كمحام بدلا من زميل آخر قررت المجموعة الاستغناء عن خدماته». ويضيف عبد الحكم: «الجمعية طبعا غير مشهرة لأن القانون يمنع إشهار جمعيات للأجانب لكن الصينيين بيستخدمونها للتعارف والتدخل فى حالة حدوث مشاكل لأبناء الجالية، خاصة أنها تقدم خدماتها مجانا ودون أدنى مقابل». يضيف المحامى: «الجالية عددها حوالى 200 ألف أو أكتر والناس دى نشيطة جداً.. الأول درسوا السوق المصرية من 10 سنين وعرفوا إيه نوعية البضاعة المفضلة عند المصريين وجهزوا نفسهم وجم بالآلاف.. وحاليا فيه 4 شركات صينية تنشأ كل شهر طبعا دول غير الشركات الوهمية اللى بيعملوها عشان الإقامة، وهما منظمين جدا فى العمل والحساب وتحس إنهم مش بيتعبوا إطلاقا». الصينيون فى مصر يتحدثون بهمس شديد عن سفارتهم، يذهبون إليها فى زيارات قليلة للغاية من أجل «الأوراق» فقط ويذهبون إلى الجمعية بحثا عن تفاصيل الحياة الأخرى. «اسمى فى الأوراق الرسمية كوه وا.. لكن إمام المسجد سمانى أبوبكر، فأنا مسلم ودرست فى الأزهر، والمسلمون فى الصين يتركون لإمام المسجد اختيار اسم للمولود لكنه يستخدم خارج الإطار الرسمى وأستعمله هنا فى مصر فقط».. كوه وا أو أبوبكر الصينى يلقبه الجميع بعمدة الصينيين فى مصر فهو يدير جمعية شين أو «المجموعة الصينية المتحدة» ويقدم خدمات لمن يريد من أبناء الجالية». ويقول: نصدر فى الجمعية مجلة «الصينيون فى مصر» وننشر أخبارا عن فرص استثمار جديدة أو أى مشاكل تواجه أبناء الجالية الصينية.. وهنا يعمل أكثر من 20 ألف صينى فى مهن مختلفة غالبيتها فى قطاع التجارة سواء الجملة أو القطاعى، ولدينا الآن بضائع تملأ السوق بالفعل. ورغم الاقتصاد المزدهر بالصين، فإن هناك تنافسا شديدا بين الشركات وكل أسبوع تعلن شركة واحدة على الأقل إفلاسها.. أما هنا فلا منافسة حقيقية وشركاتنا تنفرد بالسوق تقريبا.. والزيادة الحقيقية حدثت مع تولى د. محمود محيى الدين وزارة الاستثمار ربنا يخليه». العمدة الصينى يرى مصر «منجم ذهب لا يعرف أهله قيمته كأنه منجم مهجور.. والمصريون شعب استهلاكى بطبعه، والقوة الشرائية للمصريين تزايدت بعد وصول وزير الاستثمار الحالى.. ولكن مازال الغالبية لا يقدرون قيمة هذا البلد ولا يعرفون شيئا عن خيراته، والحكومة فى الصين تملك كل شىء والشعب كله مجموعة من المستأجرين.. بعكس الحال فى مصر التى تسمح حكومتها للجميع بشراء الشركات الحكومية». عمدة الجالية يتحدث عن التسهيلات ويعتب على «الروتين الذى يعذب أى مستثمر»، لكنه يبدو متفائلا بمستقبل «واعد» للصينيين فى مصر. فى وزارة الاستثمار كانت بيسى وزونج الصينيتان تجلسان فى توتر بانتظار إصدار تصريح بإقامة شركة لصناعة المنسوجات، جلستا أمام الموظف مع المحامى وحين جاءت الموافقة انطلقت «زغرودة صينى» ورفعت السيدتان علامة النصر. «وصلت إلى مصر منذ عامين وافتتحت مع صديقتى بيسى محلا لبيع الملابس بمركز تجارى مهم بالقاهرة، وبعد شهور كانت الأرباح أكبر مما تصورنا، فخططنا لإقامة مصنع للمنسوجات فى مصر ومرة أخرى سوف تكون بضاعتنا أرخص من أى مصنع آخر وبذلك نضمن المزيد من الأرباح». الوجه الآخر للعملة تحكى عنه صفاء المترجمة الخاصة بأحد رجال الأعمال الصينيين فى مصر «الصينيون مثلنا.. فهم أيضا أبناء حضارة زراعية ولديهم تقاليد تحض على الكرم والبشاشة.. ولديهم دأب كبير خاصة فيما يخص العمل ومازالت التقاليد تحكم تصرفاتهم الاجتماعية.. فالرجل يدفع للمرأة فى المطعم والكبير يدفع للصغير وهكذا». تضيف صفاء «المشكلة الحقيقية ليست مع طباع الصينيين فهم لطفاء بشكل عام، لكن الكثير منهم يتحايل على القوانين المصرية التى تلزم كل صاحب شركة بتوظيف 9 مصريين مقابل كل موظف صينى.. إلا أنهم ينجحون فى التحايل على القانون فهم يرون العامل المصرى كسولا وغير منظم بعكس العامل الصينى، ورجل الأعمال الذى أعمل معه يحاول طردى باستمرار لأنه لا يريد أى مصرى رغم أنه أتى لهذا البلد ومهنته الرسمية طباخ وهو الآن مليونير حقيقى ويمتلك مطعماً ليس به عامل مصرى واحد ويقدم أوراقاً تحمل أسماء وهمية لهيئة التأمينات ويدعى بعد ذلك انقطاعهم عن العمل، وحتى الآن يدير المطعم دون ترخيص حتى لا يسدد ضرائب إضافية.. وحين سألته كيف تعمل دون ترخيص أخبرنى أنه يدفع رشوة لأى مأمور ضرائب يسأله عن الرخصة». بدت صفاء ناقمة على الصينيين فى مصر، وكى تؤكد روايتها ترجمت خبرا منشورا فى مجلة «الصينيون فى مصر»، كان الخبر يتحدث عن سائحة صينية زارت مصر لكنها لم تشتر هدايا لأهلها وأصدقائها لأن كل هدايا خان الخليلى صنعت فى الصين. وتؤكد صفاء «بكرة تلاقى كل اللى شغالين فى خان الخليلى والحسين وكل المزارات السياحية من الصين.. وبكرة ده مش بعيد على فكرة».