أوردت الصحف منذ أيام أن الحاخامية الرئيسية فى إسرائيل طالبت أماكن الترفيه، بالامتناع عن وضع رموز دينية مسيحية مع اقتراب عيد الميلاد ورأس السنة الميلادية.. فالحاخامية تركت لتطرفها العنان بشن «الحرب» على المطاعم والمقاهى التى تضع زينة شجرة الميلاد ودمى بابا نويل، احتفالاً بالمناسبتين، وحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية، التقط اللوبى اليهودى المتطرف الخيط وبدأ مؤخراً فى العمل ضد المطاعم والفنادق التى تعتزم وضع الرموز المسيحية، وقال رئيس اللوبى إننا ندرس إمكانية نشر أسماء الفنادق والمطاعم والمحال التجارية التى تضع رموزاً دينية مسيحية والدعوة إلى مقاطعتها!.. والأكيد أنه كان يصعب على أحد أن يتصور أن الرموز المسيحية ستتعرض ل«الملاحقة» فى وطن المسيح عليه السلام ولا يستبعد أن يصدر هذا اللوبى المتطرف «مرسوماً يهودياً»، بأن السيد المسيح لم يولد أصلاً فى بيت لحم بفلسطين ولا هو عاش ثلاثة وثلاثين عاماً على أرضها وهو الذى يحمل، ضمن ما يحمل، لقب «يسوع الناصرى»، إشارة إلى بلدة الناصرة الفلسطينية، القرار الحاخامى لاقى استنكاراً عالمياً وانتقاداً حاداً من قبل حاضرة الفاتيكان، كما أنه إجراء يجرح مشاعر المسيحيين فى كل أرجاء المعمورة.. وكنت أنوى التعليق عليه بلا تحفظ ووصفه بما يليق من تعصب وكراهية للآخر وازدراء معيب لمن يدين بعقيدة أخرى غير اليهودية وهو نوع نادر من ضيق الأفق.. لكن ما «شتت صدمتى» هو ما قرأته فى عمود الزميل أحمد الصاوى «عابر سبيل»، والذى حمل عنوان «علمنى كيف أحتفل».. ووجه الصاوى سؤاله هذا إلى الشيخ يوسف القرضاوى الذى أثم من يشارك صديقاً أو جاراً مسيحياً احتفالات عيد الميلاد أو يتبادل معه الهدايا، فالشيخ العلامة الفقيه رأى فى ذلك إثماً وإفراطاً فى الإثم وتنازلاً عن الهوية الإسلامية، وقال: أنت بذلك تمسخ عاداتك وتقاليدك وأعيادك وتحتفى برموز مسيحية بحماس لا تفعل مثله فى أعيادك الأصيلة!!.. عبارات الدكتور القرضاوى صادمة حقاً، لاسيما وأن اليهود لا يعترفون لا بالإنجيل ولا بالقرآن الكريم، ومن ثم لا بالسيد المسيح ولا بالرسول الكريم خاتم الأنبياء.. أما الإسلام فهو الدين المتمم لكل الأديان السماوية والمعترف بأنبياء الله منذ آدم وحتى محمد عليهما السلام.. المحزن هو هذا الفكر الإقصائى البعيد عن روح جميع الديانات السماوية وبدلاً من أن يحض رجال الدين على المحبة والتراحم واحترام عقائد الآخرين يفعلون العكس ويزيدون الشقة.. لكن الخطير هنا هو أن الشيخ القرضاوى يتوجه «للناطقين» بالعربية على اختلاف أوطانهم من المحيط إلى الخليج ولا أظنه يجهل أن ملايين المواطنين المسيحيين يعيشون على هذه الأرض، مهد الرسالات، كشركاء فى الوطن بغض النظر عن اختلاف العقيدة، من آلاف السنين ولا أظن أن كلماته يمكن أن تنزل على هؤلاء برداً وسلاماً.. كما لا أظن أن المسلم سيفقد إيمانه إن هو شارك جاره المسيحى أو حتى اليهودى فى أى احتفال كان.. فالفرحة تكبر بالمشاركة.. أى كلما زاد عدد المشاركين فيها تزيد وتفيض.. كما أن الحزن أو الألم يصغر كلما شارك فى «تحمله» مع صاحبه عدد أكبر، فدعونا نحزن أو نتألم أقل ب«المشاركة» ونفرح أكثر وأكثر بالمشاركة، وكما يقول أحد أمثالنا من الزمن الجميل: الناس لبعضيها!!.. الناس.. بالمطلق!