رجل عجوز، طيب الملامح، ممتلئ الجسم، له شارب كث ولحية بيضاء كثيفة طويلة، بينهما ابتسامة دائمة، يرتدي زياً أحمر اللون لا يغيره أبداً، وغطاء مميزًا للرأس.. نعم هو «بابا نويل» أو «سانتا كلوز»، تلك الشخصية التي ارتبطت في أذهاننا باحتفالات عيد الميلاد، والتي صادفتها حتماً في الأيام القليلة السابقة تمثالا يقف علي باب محل وصورة علي واجهة محل آخر، وأقنعة ونماذج صغيرة «صيني» تباع بداخلها وفي إشارات المرور. هذا المشهد الذي نراه في مصر ممتد في جميع دول العالم التي تحتفل بالسنة الجديدة مع هذه الشخصية الأسطورية المشهورة بجلب الهدايا وتحقيق الأمنيات للأطفال فهو رمز لعيد الميلاد بهدايا الجميلة لهم، وبتحقيق أماني الكبار أيضاً، إلا أن إسرائيل تحديداً رفضته وبشدة هذا العام، حتي أن حاخامات «اللوبي من أجل القيم اليهودية» في إسرائيل قد طالبت بعدم وضع «بابا نويل» في الأماكن العامة والدعوة إلي مقاطعة هذه الأماكن لأن اليهودية لا تعترف بالميلاد لأنها ترفض العذراء والمسيح معاً. فمن هو صاحب هذه التماثيل والصور التي يقتنيها الملايين عبر العالم وينزعج منها حاخامات إسرائيل! تقول الروايات التاريخية إن سانتا كلوز أصله قديس يدعي «نيكولاس» من أصل يوناني عاش في القرن الرابع الميلادي في أسرة ثرية ولكنه قرر الالتحاق بالدير وتوزيع جميع أمواله علي الفقراء والمحتاجين وكان يقوم بتوزيعها بنفسه علي بيوت الفقراء في الخفاء حيث كان أسقف مدينة «ميرا» التركية وبلغه أن أحد الرجال فقد أمواله وأصبح فقيرا ولم يستطع تزويج بناته الثلاثة، ونظراً لضيق يده قرر أن يجعلهن يعملن بأعمال مهينة فأخذ من أموال والديه ووضعها في كيس صغير وذهب ليلا إلي بيت الرجل وألقي بالكيس من النافذة فاستطاع الرجل تزويج إحدي بناته وكرر الأسقف «نيكولاس» ذلك مرة ثانية ليزوج ابنته الثانية وفي المرة الثالثة كان الرجل ينتظر لمعرفة من يلقي بالأموال من النافذة فعرف أنه الأسقف «نيكولاس». وعندما اشتهرت طريقته في فعل الخير وانتقلت سيرته إلي آسيا وأوروبا خاصة بعد وفاته في شهر ديسمبر بدأ بعض الرهبان والأساقفة في تقليده، وبدأت الشعوب تتبادل الهدايا في العيد علي اسمه، وبمرور السنين انتشر واشتهر القديس «سانت نيكولاس» في العالم كله وتحول الاسم إلي «سانتا كلوز» وفي فرنسا أصبح اسمه «بابا نويل» أي «أب العيد». أما شكله المميز المعروف عالميا الآن فبدأ في التكون علي يد الشاعر الأمريكي «كليمنت كلارك مور» عام 1823 عندما وصفه بهذا الشكل في قصيدته «الليلة التي تسبق عيد الميلاد» ليجيء رسام الكاريكاتير بجريدة هاربرس ويقوم برسمه لتولد صورة «سانتا كلوز» بشكله الحالي لأول مرة عام 1881 بملابسه الحمراء ولحيته البيضاء الطويلة وحتي حذائه الأسود اللامع. «بابا نويل» يعيش في القطب الشمالي مع زوجته وبعض الأقزام الذين يصنعون الهدايا ويتنقل عبر القارات علي زلاجة سحرية محملة بالهدايا تطير بها غزلان ليوزعها في ليلة عيد الميلاد علي البيوت عبر مداخن المدافئ والنوافذ.. هكذا يتصوره الأطفال. إلا أن الاهتمام الشديد ببابا نويل لم يقتصر علي الأطفال فقط بل شغل حيزًا كبيراً من عالم الكبار حتي أنه يتم عقد مؤتمر دولي سنوي لسانتا كلوز كل صيف في «باكن» شمال العاصمة الدنماركية «كوبنهاجن» منذ عام 1963 يحضره شخصيات بابا نويل من دول عديدة منها السويد والدنمارك والنرويج وجرين لاند وألمانيا واليابان وهولندا وروسيا والولايات المتحدة. ومن الطريف أنه خلال المؤتمر عام 2008 احتدم الصراع بين بابا نويل الفلندي ونظيره من جرين لاند حول كون أيهما هو الأصلي لانتسابه إلي موطن سانتا كلوز الأصلي وصوت ال 160 بابا نويل باستثناء صوت واحد فقط لصالح سانتا جرين لاند. ولا يزال الخلاف علي موطن بابا نويل الأصلي حيث تتسابق الدول لتروج أنها موطن «سانتا» نظرا للانتعاش السياحي بسبب ذلك ويكفي أن نعرف أن هناك قرية في فلندا اسمها قرية بابا نويل يزورها سنويا نحو 75 طفلاً مع ذويهم لزيارة سانتا والتقاط الصور معه، ويوجد هناك مكتب خاص بسانتا بالإضافة إلي مكتب بريد لاستقبال الرسائل. بقي أن نقول إن «سانتا كلوز» أو «بابا نويل» - كما نسميه في مصر - شخصية مرتبطة بعيد الميلاد، والعام الجديد، والفرحة يمتزج بها الواقع بالخيال في جو أسطوري حتي مع يقين الناس بأنه لا يحقق الأحلام إلا أن وجوده في خيالهم ربما يساعدهم علي التمسك بها.