فى طريقك إلى المطار، سوف تقع عيناك على مساحة من الأرض، كانت أقرب إلى الخرابة منها إلى أى شىء آخر، وكانت عبارة عن مبنى متهالك، ثم مبنى قديم إلى جواره، وكان الأول محطة مياه للمطار، وكان الثانى محطة بنزين، وكان منظرهما، مع مبنيين آخرين كانا مقرين لمحطتى كهرباء، لا يسر أحداً، وكانت الكآبة هى السمة الغالبة على المساحة إجمالاً! وفجأة.. اختفى ذلك كله، كأن عصا سحرية قد مسته، فتحول من حال إلى حال، وقامت، فى المكان ذاته، حديقة مبهجة، تكاد تكون صورة مصغرة من حديقة الأزهر الجميلة، ولم يعد للمبنى المتهالك الكالح مكان، ولا المبنى الآخر الذى كان يتولى توزيع الاكتئاب بالعدل على المارين، والمسافرين، والعائدين! وسوف يكتشف الذين يمرون على الموقع، ذهاباً وإياباً، أن الحديقة، التى ملأت الأرجاء، ليست من النوع التقليدى، وليست مجرد غرس شجرة هنا، ثم أخرى هناك، ولا هى مجرد ارتفاع سور يتزين أو يتجمل فى أعين الناس، ولكنها حديقة «عصرية أصيلة» بالمعنى الشامل للكلمتين معاً.. ففيها تنتشر الخضرة فى كل ركن، وتطل من كل زاوية، وفيها صالة باتيناج، وهى اللعبة التى كادت تنقرض، وفيها مسرح للأطفال، وسينما للأطفال، وأيضاً مكتبة للأطفال، وفيها أشياء كثيرة من هذا النوع، نبحث عنها فى الزحام، ولا نجدها! وقد كان الرجل الذى وقف وراء تحويل المساحة، من حالة مقبضة إلى حالة مفرحة، حريصاً، وهو يشرف عليها من بعيد، على أن تخاطب أشياء غابت عن عين المواطن، وهو يلهث على مدار اليوم، ليس فقط من حيث المضمون المتمثل فى السينما، والمسرح، والمكتبة، وغيرها، وإنما أيضاً فى الشكل المعمارى، الذى يحاكى ما كان، وربما لايزال، فى منطقة الكوربة فى مصر الجديدة، بكل ما تحتشد به من طراز مبهر، يجمع بين العراقة والحداثة، فى إطار واحد فوق كل جدار! يعرف الرجل، الذى مست عصاه المكان، أننا قد مللنا القبح الذى يطاردنا من كل اتجاه، ويحاصرنا فى كل حارة، ولذلك كان رهانه على أن تكون هذه المساحة المتاحة راحة للعين من كل أذى، إذا مرت عليها! وكأن الفريق أحمد شفيق، الذى لا يعرف الناس أنه هو الذى يقف وراء «الواحة»، وهذا هو اسمها، قد أراد أن يكون الاسم على مسمى حقاً، وأن تقترن الواحة بالراحة فى أى لحظة يأوى فيها أى مواطن إلى بقعة من بقاع الهدوء، وسط صخب يتجسد فى كل حركة، وضوضاء لا تغيب عن كل خطوة! يأخذ الفريق شفيق عهداً على نفسه، منذ تولى مسؤولية وزارة الطيران، بأن تكون بوابات مصر ومطاراتها، ثم طائراتها، على مستوى يليق بالخدمة الآدمية، التى يتعين أن يحصل عليها كل مصرى يجد نفسه هناك.. ويأخذ على نفسه عهداً، أيضاً، بألا يشعر الأجنبى الذى يفارق مطار بلاده، بأن هناك اختلافاً بين ما يتمتع به فى بلده، وما يراه عندنا بين الطائرة والمطار! ولم يكن من الممكن أن تدخل مصر للطيران كشركة وطنية، تحالفاً عالمياً يضم شركات الطيران الكبرى المتميزة فى أدائها على مستوى العالم، ما لم يكن الرجل القائم على الوزارة، عنده هذا «الحس» الذى يجعله يضع الحجر فى خدمة البشر! ولابد أن ما حدث فى «الواحة» يجعلنا نطمع، ثم نطمح، إلى أن تتحول الفضاءات الممتدة حول المطار، إلى واحات مماثلة، إلى أن يأتى أوان استغلالها تجارياً فنكون قد سبقنا إليها حضارياً.