منذ أسابيع قليلة، انعقد بمدينة ناشفيل الأمريكية أول مؤتمر عام لحركة «حفل الشاى» المرشحة للعب دور مهم فى السياسة الأمريكية مستقبلا. و«حفل الشاى» اسم له دلالة رمزية مصدرها التاريخ الأمريكى. ففى عام 1773 جرى ما صار يطلق عليه «حفل بوسطن للشاى» وهو التمرد الذى ألقى خلاله الأمريكيون بالشاى من السفن لعرض البحر احتجاجا على فرض بريطانيا الضرائب عليه. وكانت تلك الواقعة إحدى الشرارات الأولى لانطلاق الثورة الأمريكية ضد بريطانيا ثم إعلان الاستقلال. ومن هنا، أطلق الغاضبون الأمريكيون الجدد اسم «حفل الشاى» على حركتهم الرافضة لسياسات أوباما والتى يعتبرونها سياسات تدفع بلادهم «على طريق الاشتراكية»! والحركة الوليدة حركة سياسية يمينية بدأت أولى إرهاصاتها فى فبراير 2009، أى بعد شهر واحد من تولى أوباما الرئاسة. وهى أخذت أول الأمر شكل سلسلة من الاحتجاجات المحلية بطول البلاد وعرضها، فيما بدا رفضا لسياسات أوباما والكونجرس الديمقراطى الاقتصادية، بدءا بقانون إنعاش الاقتصاد، مرورا بدعم البنوك والشركات الكبرى المتعثرة، ووصولا لمشروع قانون الرعاية الصحية. ثم بدأت الحركة تأخذ شكلا أكثر قوة فى الصيف الماضى أثناء عطلة الكونجرس التى يستغلها الأعضاء عادة لعقد لقاءات مع الناخبين فى دوائرهم. فى تلك الفترة، شهدت العشرات من تلك اللقاءات مواجهات عنيفة بين أعضاء الكونجرس، خصوصا الديمقراطيين، وبين ناشطى الحركة اضطر الأعضاء فى أغلبها للخروج من القاعات فى حماية رجال الأمن. والحقيقة أن الحركة مكونة من مئات الجماعات والمنظمات المحلية المستقلة التى تختلف فى توجهاتها وميولها. ورغم أن ما ترفضه الحركة واضح تماما رغم تعدديته، فإن الأقل وضوحا هو أجندتها وتأثيرها على مستقبل أمريكا. ففى الحركة قوى يمكنها الدفع نحو ترشيد السياسة الأمريكية خاصة بشأن عجز الموازنة، ولكن فيها أيضا قوى قد تدفع بأمريكا نحو الهاوية. لذلك، رغم أن الإعلام الأمريكى يعتبر الحركة تحديا خطيرا لأوباما وحزبه فى أول انتخابات قادمة، فإن ما لا يقل أهمية عن ذلك هو ما تمثله الحركة من تحد أخطر يواجه الحزب الجمهورى- حزب اليمين فى أمريكا. فالعلاقة بين الحركة والحزب الجمهورى هى التى ستحدد على الأرجح شكل السياسة الأمريكية لسنوات قادمة. فإحدى أهم مشكلات السياسة الأمريكية طوال العقدين الأخيرين كانت أن تيار الوسط المعتدل داخل الحزب الجمهورى قد تعرض بانتظام للتهميش، بينما هيمن اليمين بفصائله المختلفة على مقدرات الحزب. وفى حركة الشاى من القوى ما قد يدفع مزيدا فى هذا الاتجاه نفسه، خصوصا إذا ما تعرضت أمريكا لأزمة داخلية أو خارجية كبرى فى عهد أوباما. عندئذ من الوارد أن تهيمن القوى الأكثر تطرفا بزعامة سارة بيلين على مقدرات الحزب، وربما مقاليد السلطة أيضا. باختصار فإن فريق سارة بيلين التى صارت عنوانا لتيار الجهل الفاضح والعنصرية المستترة لا يمثل خطرا على أوباما وحزبه بقدر ما يمثل خطرا على السياسة الأمريكية كلها الداخلية والخارجية على السواء.