السياسة في أمريكا تصنعها التفاصيل المضنية وتوصيل النقاط وصولا إلي رسم ملامح الصراع بين التيار الليبرالي والتيار المحافظ, الأول هزم خصمه في انتخابات الكونجرس والبيت الأبيض الأخيرتين والثاني يتحرك لسد الفجوة علي أمل العودة للبيت الأبيض الذي يظهر ودا للمرشحين الجمهوريين وذلك من واقع فترات الرئاسة للجانبين في الأعوام الأربعين الأخيرة. وفي الوقت الذي أعلنت الحركة الليبرالية في الحزب الديمقراطي مبدأ' الحملة الدائمة' من أجل الحفاظ علي هامش التفوق أمام الجمهوريين بعد الفوز بالرئاسة راحت الحركة الجمهورية تجمع شتاتها من جديد اعتمادا علي طموح الرئيس الشاب في نظام تأمين صحي جديد. ثم كان الاختبار الأقوي بإلقاء حركة جديدة تسمي' حفل الشاي'TeaParty بثقلها وراء المرشح الجمهوري علي المقعد الشاغر بعد رحيل أيقونة الديمقراطيين السناتور تيد كيندي في ولاية ماساشوسيتس. وحركة حفلات الشاي تتسع عضويتها ومداها الجغرافي يوما بعد, يوم بينما السياسيون النافذون في الحزب الجمهوري لا يريدون أن يعترفوا بثقل الحركة رغم ما أظهره أستطلاع أن43% من الأمريكيين لديهم إنطباعات جيدة عنها في الوقت الذي توقفت شعبية الحزبين الديمقراطي والجمهوري عند35% و28% علي التوالي. ومن مكاسب الحركة ان سارة بيلين نجمة الجمهوريين والمرشحة المحتملة للرئاسة المقبلة قررت عدم إلقاء خطاب أمام المؤتمرين السنويين لمنظمة العمل السياسي المحافظ أو اللجنة الوطنية الجمهورية وفضلت الذهاب إلي اول مؤتمر لحركة' حفل الشاي' في ناشفيل بولاية تنيسي في مطلع فبراير المقبل. وعلي قدر عنفوان حركة التغيير الليبرالية علي قدر الحالة المتشددة في صفوف الحركة المحافظة الوليد التي رفعت شعارات متزمتة ضد الرئيس أوباما من نوعية' النازي' و'الشيوعي' و'الإشتراكي' وهو ما جعل الجمهوريين المعتدلين والليبراليين يشعرون بخيبة امل من التيار الجديد بينما يراهم ليبراليون آخرون في صورة تشكيل من المتعصبين. ومن المفارقات أن حركات ليبرالية مثل'MoveOn' بدأت بمواجهة دعاية مضادة مماثلة عديدة ولكنها لعبت دورا مهما في التغيير السياسي من خلال تحفيز الملايين من الشباب علي المشاركة. واليوم تلعب سارة بيلين حاكمة ولاية الاسكا السابقة الدور نفسه من خلال ركوب موجة شعبية في أوساط الأمريكيين المحافظين بالوجود علي الإنترنت وهو ما يحفظ لها أرضية لا يقوي عليها الجمهوريون من الجيل القديم مثل بات بوكانين ورون بول. وقد بدأت حركة حفل الشاي أنشطتها بمظاهرات صاخبة ضد السياسات الحكومية في العام الماضي ثم وسعت من نشاطها لتصبح حركة معنية بتشجيع الشباب الأمريكي المحافظ سياسيا علي التعبير عن نفسه. ومن المقرر أن يخرج المؤتمر العام الأول بمسيرة تسمي' أكسبريس حفل الشاي-3' والذي سيطوف42 دولة في مدة20 يوما إنطلاقا من دائرة هاري ريد زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ بولاية نيفادا وتنتهي المسيرة في العاصمة واشنطن في يوم الضريبة الأمريكي في15 إبريل المقبل. وحزمة المعارضات التي ترفعها الحركة متنوعة وتبدأ برفض قانون التامين الصحي الجديد وزيادة الإنفاق العام والضرائب والهوس بقضية التغير المناخي. وهناك أنتقادات للحركة الجديدة لشبهة تربح قاداتها من المسيرات وتذاكر التجمعات وهو ما يلقي بظلال علي إمكانية استمرارها بقوة الدفع ذاتها. وتستلهم الحركة المعارضة الجديدة حفل الشاي التي جاء اسمها اختصارا للحروف الثلاث الأولي من عبارة بالإنجليزية الضرائب كافية بالفعل من تظاهرات تاريخية وقعت في مدينة بوسطن عام1773 ضد الحكم البريطاني بعد أن رفضت سلطات المدينة إعادة ثلاث سفن محملة بالشاي وقاموا بإلقاء الشحنات في مياه المحيط الأطلنطي أحتجاجا علي منح البرلمان البريطاني شركة الهند الشرقية حق أحتكار تجارة الشاي في جميع مستعمرات التاج البريطاني. وقد ادي هذا الحادث إلي تصاعد التوتر بين بريطانيا والمستعمرات الجديدة ويعتبر التمهيد الفعلي للثورة الأمريكية. لا هدنة مع الرئيس قبل شهور نصحت هيلين توماس أقدم مراسلة صحفية مخضرمة في البيت الأبيض أوباما بتجنب الصدام مع الإعلام اليميني المعارض لسياساته وقالت' إبتعد عنهم.. سوف يسقطونك.. لا أحد يستطيع ان يقتل حامل الرسالة الإعلامية'.. في العام الأول لأوباما أشتدت حدة النقد بين البيت الأبيض وخصومه, لدرجة إعلان شبكة' فوكس نيوز' المملوكة لروبرت ميردوخ إمبراطور الإعلام المحافظ المقرب من الحزب الجمهوري الحرب رسميا علي سياسات الرئيس قبل أن يكمل عامه الأول علي خلفية قضية القانون الجديد للرعاية الصحية المعروض علي الكونجرس حاليا. أوباما بشخصه قاد عملية الهجوم العكسي علي' فوكس نيوز' التي سبق أن منحها حوارا لكريس والاس في فبراير الماضي وقال ان ما تبثه المحطة غير محايد. ومن تفسيرات اليمين الأمريكي لهجوم الرئيس ورجاله أن' فوكس' تحظي بمتابعة جيدة في أوساط الديمقراطيين المعتدلين والمستقلين في المجتمع الأمريكي وهو علي خلاف متابعة أنصار كل تيار للمحطات والصحف التي تتلاءم مع توجهاته وقناعاته وبالتالي فالمحطة الإخبارية تمثل تهديدا لسطوة الإدارة الحالية علي الإعلام. كما أن قيادات في الإدارة السابقة تقول ان فريق أوباما يقوم بخطة تهميش للجمهوريين سواء في الميديا او عبر مواجهة غرفة التجارة الأمريكية- كبري جماعات المصالح في عالم البيزنس- أو مواجهة كبار المسئولين التنفيذيين في وول ستريت والذين طالبهم البيت الأبيض- في نهاية العام الماضي- بتخفيض رواتبهم لضمان استمرارهم في تلقي الدعم المالي لخطة الإصلاح. وبالفعل تبدو لهجة التهكم التي يبديها مساعدو أوباما في تصريحاتهم للإيحاء بإن ما يردده الخصوم لا يستأهل النقاش واضحة. ولو لم يكن اليمين الأمريكي يخطط لنزع المصداقية عن إدارة أوباما تدريجيا لما دخل الرئيس بنفسه في المعركة الإعلامية التي دشنت عودة الحرب الثقافية بين الليبراليين والمحافظين بعد هدنة محدودة أعقبت انتخاب أوباما. وخشية تفشي الموجة المتصاعدة التي تفتقر إلي الحرفية المهنية ظهرت مقالات عديدة في الصحافة الأمريكية تشير إلي التدهور الذي لحق بالصحافة الإخبارية والإستقصائية نتيجة تغليب النزعة التجارية في عمل الشبكات الكبري التي صارت تقتصد في الإنفاق علي المواد الجادة والإكتفاء ببرامج التوك شو لمصلحة إنتاح برامج' تلفزيون الواقع' الترفيهية المكلفة لدرجة مطالبة أحدهم لأوباما بتشكيل لجنة وطنية لمراجعة حال' الميديا الإخبارية' في الولاياتالمتحدة. محصلة العام الأول تنبئ بالكثير عما هو قادم لمستقبل أوباما والسياسة الأمريكية.. وسنري!