تعجب الكثيرون كيف أن الشعب الأمريكي الذي انتخب اوباما من أجل التغيير والتخلص من الحزب الجمهوري الذي أطاح بمكانتهم وقتل أبناءهم في حروب لا طائل من ورائها وكان سبب ازمة اقتصادية طاحنة مازالوا يعانون منها, كيف ان هذا الشعب لايعطي لرئيسه فرصة إصلاح ما أفسده الجمهوريون بل يعود بهم إلي مراكز القوة واتخاذ القرار!! هذا الأمر يستغربه الكثيرون ليس فقط في منطقتنا بل في دول العالم.. من بلجيكا صرحت إحدي القيادات ان أوروبا بصفة عامة تتعجب من الغضب الشعبي علي أوباما, رغم انه أعاد لبلاده مكانتها الدولية ويعمل جادا علي تحقيق مبادئها السياسية والإنسانية وحقق بعض التقدم في مواجهة الازمة الاقتصادية. وقد يبدو ان ذلك الغضب سببه المعاناة الاقتصادية, إلا ان هناك في واقع الامر دوافع اخري متعددة المصدر, استثمرت تلك المعاناة في حرب شرسة أعلنتها ضد أوباما واستخدمت فيها اسلحة مشروعة وغير مشروعة من بينها حركة حفل الشاي وسيل الاعلانات مدفوعة الأجر.. وسوف نتناولهما تباعا.الشاي وتناول الشاي يكاد يكون مؤسسة لها اصول وتقاليد تختلف من شعب لشعب, فاليابان تحتفل به في طقوس لها تاريخ طويل, والانجليز يعتبرونه من الواجبات اليومية, فشاي الساعة الخامسة من اركان اكتمال البرنامج اليومي, ونحن في مصر وبلاد الشام وتركيا نعيش مع كوب الشاي ونعيش به.. واحتلت حفلات الشاي يوما مكانة انيقة في المجتمع المصري ايام أجدادنا وآبائنا وان كانت انحسرت مع الاجيال الصاعدة, والولاياتالمتحدة مشروبها الاساسي القهوة ليس الشاي, إلا ان هناك اليوم ظاهرة امريكية اسمها حفلة الشاي وهي ليست ظاهرة اجتماعية, لكنها تيار له اهداف معينة في غاية الخطورة علي الفكر الأمريكي وعلي اسس النظام الأمريكي ومبادئه, وكان له تأثيره علي تشكيل الكونجرس, فما العلاقة بين الشاي والانتخابات؟ في العام الماضي وفي ضاحية قرب فيلادفيا بولاية بنسلفانيا, اجتمعت اثنتان من ربات البيوت علي مائدة المطبخ يشربان الشاي يتبادلان الشكوي المريرة من الاحوال الاقتصادية المتدهورة.. انضم إليهما بعض الجيران ثم اتسعت الدائرة واخذت تتزايد بأعداد من الاصدقاء وأهل الحي.. بدأوا حملة جمع ارقام تليفونات والبريد الالكتروني لاستقطاب زملائهم المحافظين وسرعان ما ظهرت تجمعات اخري في نفس الولاية يلتقون كي يعبروا عن سخطهم خاصة من قرار الحكومة برصد819 بليون دولار لإنقاذ الاقتصاد المتعثر وشركات السيارات, وخلال ما لايزيد علي سنة ونصف اكتشفت هذه المجموعة التي اطلقت علي نفسها مائدة مطبخ المواطنينKITCHENTABLECITIZENS اعضاء جددا واصدقاء جددا داخل الولاية وخارجها واتخذت الحركة مقرا لها في مبني تدفع إيجاره مؤسسة محافظة اسمها الاغلبية الأمريكية نشط تيار مماثل في واشنطن اسمه اعمال الحريةFREEDOMWORKS تتولي اعداد اللافتات والمنشورات, ومجموعة باسم امريكيون من أجل الرخاء تنظم رحلات بالاتوبيس تجوب الولايات تدعو إلي ثورة ضد الإنفاق, وهناك قطار حفل الشاي السريع الذي ينطلق من سكرامنتو بكاليفورنيا ويزيد السخط والغضب.وتعود تسمية حفل الشاي إلي برنامج تليفزيوني ألقي فيه مذيع ينتمي إلي اليمين المحافظ, خطابا ناريا ضد أوباما وسياساته, اعلن ان سوف ينظم في شيكاجو حفل شاي للاعتراض الجماعي علي اسلوب اوباما في إنقاذ المتعثرين اقتصاديا لكنه تناسي ان الازمة الاقتصادية جاء بها اصدقاؤه الجمهوريون, ظهر هذا الحاديث علي الانترنت والفيس بوك وخلافه, وفي تقليعة امريكية وهم مغرمون بالتقاليع اصبح حفل الشاي مجرد اسم يشير إلي ذلك التيار الغاضب بما يتضمن من جماعات مختلفة الاسماء والاولويات, انتشرت حفلات الشاي في ولايات متعددة ينظمها مواطنون عاديون من امثلة ذلك, ربة منزل أم لثلاثة اطفال لم تمارس السياسة ابدا, نظمت حفل شاي في ميدان واشنطن في بنسلفانيا تهافت عليه المئات بصورة اثارت التعجب وعلقت عليه الصحافة. هذه الجماعات المتفرقة ليس بينها ائتلاف أو اتحاد, لكنها عبارة عن افواج من النشطاء الذين يتهمون الديمقراطيين بالتهاون في حل المشكلة الاقتصادية وكأنهم كانوا ينتظرون حلا سحريا يعالج في سنتين ما افسده بوش ومن قبله في سنوات طوال.. ورغم ان اولوياتهم مختلفة فإنهم يمثلون اليمين المحافظ وبعضهم يعتبر من اجنحة الحزب الجمهوري, هذه المجموعات ترفض ان يدعي احدها القيادة, لذلك فانه عندما حاول محام مغمور من ناشفيل تنظيم المؤتمر القومي الأول لحركة حفل الشاي في بلدته اعترضت علي ذلك الحفلات الاخري, واتهمته انه استغل الحركة لمصالحه الشخصية خاصة انه تقاضي549 دولارا ثمنا لتذكرة الاشتراك في اجتماع كانت المتحدثة الرئيسية فيه سارة بالين وتقاضت100.000 دولار لتلقي كلمتها!! ثم نصبت نفسها قائدة للتيار مما اغضب الجماعات الأخري, لكن بالين استمرت تستغل التيار في الاساءة لصورة اوباما واداء الديمقراطيين. هذا التيار بمسمياته المتعددة انتشر بصورة لم تكن متوقعة, فمنذ اقل من شهرين فقط وبالتحديد في سبتمبر الماضي كان محل تساؤلات ونشرت احدي كبري الجرائد الأمريكية ان هذه الظاهرة مازالت في مهدها ولايمكن معرفة مدي تأثيرها أو مآلها.. لكن خصوم اوباما وهم كثيرون استغلوا اغلب هذه التجمعات لصالحهم اسوأ استغلال.. فأصبحت قوة ضاربة. هذه التجمعات كلها ضد الإنفاق الحكومي يرفضون اتساع دور الدولة الذي يعتبرونه سبب عدم تجاوز الازمة الاقتصادية, ذلك الاعتقاد نجح اصحاب الاجندات الخاصة سواء الجمهوريون أو غيرهم من ترسيخه في عقول الشعب برغم ان وصولهم للكونجرس يعني تقليص البرامج والخدمات الاجتماعية, كان تعليق كارتر دقيقا وحكيما إذ يقول انها حركة صحية ايجابية تعبر عن المشاركة الشعبية, لكن يسيء اليها, انها استغلت الحراك الشعبي لأسباب غير التي كانت تعلن عنها, وهي بالفعل جعلت المواطنين يعملون ضد مصالحهم, والحديث مستمر.