الشكوى

هل نحن شعب شديد الشكوى والامتعاض بالفطرة والسليقة؟! أم أن تدنى الأحوال وتدهورها قد جعل الشكوى من الخصائص المصرية الأصيلة ولم تكن كذلك.
وللشعوب خصائص وصفات.. وأى باحث فى طبائع الشعوب يمكنه أن يتعرف على تلك الخصائص التى ترتبط كثيرا بجغرافيا المكان وتضاريسه، والمناخ الذى يحيط به، وبدورات التاريخ التى مرت عليه وجميعها مرتبط ببعضه البعض.
والمصريون كما وصفهم الراحل العبقرى جمال حمدان يتمتعون بخصائص واضحة، فهم شعب منبسط، هادئ، قنوع، يطيع السلطان فى معظم الحالات ولا ينقلب على أولى الأمر إلا فيما ندر.. وهو شعب وسطى لا يميل إلى التطرف يمينا أو يسارا، يصبغه النيل بكثير من صبغات الهدوء والحكمة والاستقرار بجوار دلتاه أو فجواه أيا كان.
ولو كان حمدان بيننا الآن لعدل دراسته للشخصية المصرية وكشف عما اعترى تلك الشخصية من تغيرات جذرية تكاد تودى بكل ما كتب عنها. فقد تحول المصرى إلى شخص عشوائى، متطرف، غاضب، ناقم، فهلوى، لا يكترث بقيمة العمل أو بذل الجهد، ووراء كل ذلك إنسان شكاء لا يملك من تغير أمره شيئا سوى الشكوى والشكوى والشكوى.
طبعا لكل ما سبق من صفات أسباب يتقدمها غياب دولة القانون، واستفحال الفساد، وانهيار الخدمات الاساسية للمواطن .. من تعليم وصحة ورعاية اجتماعية على مر السنوات.. لكن إن كان ذلك مبرر شكوى الطبقات الدنيا من المجتمع، التى تعانى عن حق من شظف الحياة وتعثرها وغياب أمل يتمسكون به.. فإن الاغرب أن تمتد صفة الشكوى للطبقات الاعلى من المجتمع.. فالاغنياء أيضا لهم شكواهم.. والأمور هنا نسبية.. فهذا رجل أعمال يشكو البيروقراطية فى تسيير أعمال الدولة، وذاك يشكو أن الدولة لا تمنح أرضا للمستثمرين للعمل عليها، وآخر يشكو تغيير القوانين مما يضر بالاقتصاد عموما.. ورابع يشكو تضارب المصالح واستغلال وزراء لنفوذهم وسلطاتهم عن غير حق.. إلخ.
وهكذا أضحت الشكوى هى سمة الشعب المصرى الغالبة فى هذا العصر.. تنتشر بين أغنيائه وفقرائه.. لا فرق. لكن السؤال: هل هناك من المسؤولين من يرى أسباب هذه الشكوى ومبرراتها؟! هل هناك من يحاول أن يعمل على تخفيف حدتها عن الفقراء على الأقل؟! هل هناك من يتساءل لماذا أصبح المصريون يشكون مع طلعة كل نهار ؟ أم أن الشعور الاغلب لدى المسؤولين هو أننا شعب لا يرضى ولا يقنع.. ومهما بذل من جهد فهو هباء منثور فى أرض جرداء.. وشعب لا يشكر!!
الشكوى هى بداية الشعور بالعلة.. وتاريخ المصريين يغلب عليه الرضا بالواقع مهما فسد، ومهما صعبت أحواله.. ولكن إلى متى؟!