من الأمور الملاحظة في تناول «الشخصية المصرية»، وجود خلط واضح بين الثابت منها والمتغير، بين ما يعد من الخصائص والسمات، وتلك الممارسات والسلوكيات التي تتم علي أرض الواقع، وخلال تعاملات الحياة اليومية، في لحظة تاريخية معينة. وأيضًا ما يحدث من تبني اتجاهات ومواقف تشكل خروجًا علي ثوابت الشخصية المصرية التي تعد تعبيرًا عن الذات الجماعية للأمة، والرمز الذي عليه يجتمع أبناؤها: انتماء واعتزازًا تعلقًا وانتسابًا، وإن أخفق الأفراد أو الجماعات والمؤسسات في التعبير عنها، أو حاولوا الانحراف بقيمها وتشويه ثوابتها. فهذه الشخصية من صنع الأمة، ولها وحدها الحق في تعديل خصائصها وتطويرها وفق شروط موضوعية، وباختيار حر منها. ومن ثم يشكل الخروج عليها مساسًا بكيان الأمة كلها، باعتبارها النموذج والمثال الذي ينبغي السير علي منواله والحفاظ عليه، وتمثل قيمه وأخلاقياته علي جميع المستويات الفردية والجماعية. وتؤكد عشرات التحليلات والدراسات وحقائق التاريخ أن الشخصية المصرية ذات مقومات وثوابت أصيلة وراسخة، بها تتميز وتنفرد بين غيرها من الأمم والشعوب. لكن وفي الوقت نفسه تؤكد هذه التحليلات والحقائق أن مقومات وخصائص الشخصية المصرية قد تعرضت عبر تاريخها الطويل- ولا تزال تتعرض- لمحاولات الانحراف والتشويه، وإن اختلفت الدرجة من فترة تاريخية لأخري، لاختلاف الظروف والعوامل التي عملت وتعمل من خلالها. ولقد أدي هذا الانحراف والتشويه إلي ظهور العديد من الأنماط والسلوكيات أو قل من السلبيات المهددة لمقومات وثوابت هذه الشخصية بكل تميزها وتفردها. وهذا ما سبق أن طرحه شيخنا حامد عمار منذ ما يقرب من أربعين عامًا في تناوله لنمط «الشخصية الفهلوية» بخصائصها التي تدور حول: القدرة علي التكيف السريع، والنكتة المواتية، وتأكيد الذات، وإيثار العمل الفردي علي الجماعي والوصول إلي الهدف بأقصر الطرق. وغيرها من الخصائص التي تم ويتم توظيفها في الواقع وممارسات الحياة اليومية، إلي جانب ما أضيف إليها بمرور السنين وبفعل عشرات الظروف والعوامل السياسية والاقتصادية والثقافية والمجتمعية- صفات وخصائص أخري تكرس ثقافة الأنانية والفردية والتناقض والازدواجية بين الأقوال والأفعال، والشكليات وإيثار الخاص علي العام. وغيرها من السلبيات. كما طرح خالد الذكر جمال حمدان في سفره «شخصية مصر: دراسة في عبقرية المكان»، وأيضًا مفكرنا الراحل زكي نجيب محمود في الكثير من مؤلفاته العديد من الثوابت والمقومات التي تميزت بها الشخصية المصرية وتفردت، ولكن وبفعل عشرات الظروف والعوامل حدث الانحراف بها وتشويهها وتفريغها من مضمونها، وتحويلها إلي عناصر مهددة لكيان الأمة، والتشكيك في ماضيها، والطعن علي حاضرها واليأس من مستقبلها. ولما لا؟- يقول جمال حمدان- وقد تحولت «الوسطية» خاصية الخصائص، وعامل إثراء الشخصية المصرية إلي هروب من اتخاذ مواقف محددة، وبدلاً من أن تكون هذه الخاصية تفردًا في الشخصية المصرية أصبحت ازدواجية، ثلاثية ورباعية بل وبالدرجة التي معها انحرفنا بالوسطية إلي حد الابتعاد عنها وقس علي هذا خاصية «المحافظة» التي تعد أداة تماسك الأمة والحفاظ علي تقاليدها وتراثها، فقد تحولت إلي أداة للجمود والتخلف والتشبث بالماضي لذاته. أما «الواقعية» خاصية اتخاذ الواقع منطلقًا لكل توجه ولكل فكر وعمل، فقد تحولت إلي خضوع لهذا الواقع، والعجز عن تغييره. وعلي هذا الأساس نقول إن ما حدث ويحدث للشخصية المصرية من انحرافات وسلبيات لا يرجع لعيب في ثوابتها وخصائصها، وإنما للظروف والعوامل التي عملت وتعمل من خلالها عبر العصور والقرون. وبالتالي علينا للحفاظ علي الثوابت والمقومات مواجهة هذه الظروف والعوامل، والتمييز بين ما هو أصيل من هذه الثوابت وما هو طارئ عارض عليها. وهذا يتطلب من الكل في مختلف الميادين والمجالات وعلي كل الجبهات- وفي القلب منها مؤسسات بناء الإنسان المصري- العمل علي غرس قيم وثوابت ومقومات هذه الشخصية. كما يجب علي المؤسسات البحثية رصد ما يحدث لها من تغيرات. وحسنًا ما قام به المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية مؤخرًا من عقده مؤتمرًا حول «الشخصية المصرية في عالم متغير» ويجب علينا استمرارية عقد مثل هذه المؤتمرات، والقيام بالعديد من الدراسات العلمية المتخصصة في هذا المجال. ولنأخذ الدرس والعبرة من اليابان، حيث تقوم فيها المؤسسات البحثية والمعاهد العلمية المتخصصة بين فترة وأخري بدراسة الشخصية اليابانية وما أصابها من تغير، والمواءمة بين ثوابت هذه الشخصية، وما يتبناه الناس من اتجاهات وما يحيط بهم من مستجدات ومستحدثات العصر. والشخصية المصرية بهذا أحق وأقدر بعمقها التاريخي والحضاري وثراء ثوابتها مقوماتها وخصائصها في تشكيل هذه الشخصية وتكوينها.