نعم تغيرت الشخصية المصرية, انتقل الصعايدة لرمال البحر, وأمواجه يتعاملون مع مائة ألف سائح يوميا, ويعيش مليون مصري في أمريكا, ويحولون لوطنهم1.1 مليار دولار سنويا. وتواصل المصريون مع العالم اقتصاديا, وإجتماعيا وثقافيا, وسياسيا, ولكن الخبراء والمختصين يؤكدون في الوقت نفسه أن الوعي الجمعي يجب عليه حماية الشخصية المصرية من القادم لأن التكنولوجيا الجديدة تنقل محتوي يحمل تهديدا لها يقتضي التحليل, واقتراح الحلول وهو ما تناولته ندوة المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية, بهذا الصدد. الدكتور علي مصيلحي وزير التضامن الاجتماعي أكد في البداية دور مراكز البحوث الاجتماعية والجنائية مع الأسرة والمدرسة والجامعة والنادي ككيانات مساعدة في استمرار البحث العلمي حول رصد التغيرات في الشخصية المصرية لأنها دراسة عميقة وصعبة ولا تعتمد علي الملاحظات السطحية, ورصد الظواهر السلبية العابرة مؤكدا إيمانه بتميز الشخصية المصرية في جميع المجالات علميا وثقافيا واقتصاديا في أمريكا وأوروبا. والعالم العربي مشيرا, إلي أنه مهما تلاحقت المتغيرات والأزمات علي هذا الشعب فإن معدنه تصهره المواقف الصعبة فطوال أيام حرب6 أكتوبر لم تقع جريمة عدوان من أي نوع( سرقة أو إغتصاب أو قتل) مشيرا لعملية جلد الذات الاعلامي اليومي التي ينبغي أن تتوقف. قواعد ذهبية الدكتور علي الدين هلال مسئول الاعلام الأول في الحزب الوطني الديمقراطي يؤكد من جهته ان علي الباحثين والأساتذة أهمية إتباع8 قواعد ذهبية في دراسة الشخصية المصرية بشكل علمي يضع أمام متخذي القرار السياسي والاقتصادي ثلاثة توضيحات أولها ما هي خصائص الشخصية المصرية المستقبلية لأن ذلك سيترجم لسياسات مستقبلية أيضا. الثاني تحديد العناصر المؤثرة علي تطور هذه الشخصية ووسائل التحكم فيما نريد أن نؤصله أو فيما تتلافاه, ويوضح أن أول يالقواعد هي عدم الانزلاق في التنميط وإعطاء احترام أكبر للتنوع في الشخصية المصرية يرتبط بالانقسام بين النخبة والجماهير فهناك التنوع المعرفي( حضر ورتب ويروي) داخل كل واحد منهم تنوع اجتماعي وفي التنوع العمري هناك أبناء العشرين والستين وفي الخبرات التاريخية للشعب هناك محافظات قاومت الاحتلال كالبحيرة والمنصورة وهناك الدمايطة والشرقاوية.. كل له سمات مختلفة.. ثم التنوع الديني مسلم ومسيحي والوسطي والعلماني والسلفي فالدراسة يجب أن تركز علي مسار تلك الشخصيات الفرعية وماذا تحمل مزيدا من التقارب أم التباعد؟؟ ويضيف أن القاعدة( رقم2): لا تصدق خرافة جمود الشخصية المصرية المعتادة علي الخنوع والتواكل والصبر بل تعلم: متي يرفض ومتي يثور..؟ ومتي يهاجر.. انظر لشعب كيف غير لغته ودينه ثلاث مرات من الفرعونية للمسيحية للإسلام؟ لماذا خلع الطربوش والجلابية البلدي المصرية المميزة ويرتدي القميص والبنطلون..؟ لماذا يختلف حجاب المصرية بألوانه الزاهية عن باقي أنواع الحجاب في العالم؟ القاعدة(3) يضيف هي: ابتعد عن التوصيفات الجامدة في أن المصري لا يثور وإدرس كيف يتوحش ويقتل أمه وأخته وجاره؟ القاعدة الرابعة إقرأ التاريخ فعهد محمد علي شهد مئات الانتفاضات من اعتصامات الفلاحين وتمخض بعدها عن نهضة شاملة وإدرسوا اعتصامات المصريين الآن فستروا أنها تبحث عن تحسين مستوي الحياة.. واقرأ وصف التاريخ في أفعالهم لا أقوالهم وإبتعد تماما عن خواطر وخطرات المستشرقين لأنها انطباعات. القاعدة الخامسة اتسم بالتواضع في وصف المصري ولا تبالغ في وصف قوة الدولة علي تغييره لأنها عملية ذاتية شخصية خاصة به وأعظم هندسة تغيير حدثت في روسيا علي مدي70 عاما, حيث ألغي الدين والفوارق, ومع انهياره عاد اليهودي يهوديا بلغته, والمسلم يقرأ قرآنه, وعادت الفوارق بين البشر. القاعدة(6) هي ابحث عن التماثل الإنساني بين الشخصية المصرية وباقي الأمم. القاعدة(7) تقول حسب الدكتور علي الدين هلال إن المصري ليس قطعة بلاستيك, بل شخصية معقدة مركبة متغيرة, وعلي الناس احترام تغيراته المتباينة, واحترام مخاوفه وأفكاره, وعليك رصد وفهم كل ذلك. القاعدة رقم(8): لا بديل عن التغيير للتقدم الاقتصادي المتسارع والتقدم التكنولوجي في العالم. رؤية مستقبلية الدكتور عبد المنعم سعيد رئيس مجلس إدارة الأهرام يشير لأستاذه الراحل د. حامد ربيع أستاذ العلوم السلوكية بكلية الاقتصاد في كيفية انتقال الوطن من حال لأفضل برؤية مستقبلية, موضحا أن التغيير المتجدد مرتبط بأربعة مصادر هي: الإنسان والزمن والسلطة والإقليم.. والأخير يتغير من ريف لمدينة ومن مدينة لضواحي ومن الوادي للبحر بمساحته المحدودة من3% لتزيد إلي7% حاليا وهذا الامتداد اتسع لرقعة الاقليم المصري نحو البحر( شرم الشيخ والغردقة) عن طريق ضخم ومتسع من سفاجة والصعيد, فعندما وطأت أقدام الصعايدة من قنا والمنيا وسوهاج بمياه ورمال البحر فانهم يختلطون يوميا بمائة ألف سائح أجنبي, ويتعاملون معهم تعاملا اقتصاديا وإنسانيا وخدميا, وهذا تغيير في اتجاه الهجرة عندما يعيش مليون مصري في أمريكا ويندمجون, لم يتحولوا لأمريكيين.. إنهم مصريون يحولون لأرض إقليمهم ووطنهم1.1 مليار دولار سنويا. وفي علاقة المصري بالزمن أشار الدكتور عبد المنعم سعيد لمدي السرعة في التغير اللحظي من الدقائق للثواني لاستخدام الهاتف المحمول للأخبار, مشيرا إلي أن الانتقال من الجمل وعبر وسائل نقل واتصال وسيطرة كبيرة خلال6 آلاف عام جعل هذه الآلة الصغيرة التي لا تزيد عن الكف تنقله غير مسبوقة في حياة العالم من معلومات واتصالات, وما يترتب عليه من اقتصاد وسياسة واعلام, دون حسابات لفوارق الزمن. وعن علاقة الإنسان بالسلطة أشار للتغيير المتمثل في جامعات تتظاهر وفئات من العمال تتحرك ناحية مجلس الشعب معلنة أن هناك ما لا يعجبها لتتعلم أن تضع مطالبها للأفضل.. إنها نقطة الوصول للديمقراطية. وهناك المدونة التي تمثل حسبما يري رئيس مجلس إدارة الأهرام نوعا متطورا من الديمقراطية, يجلس فيها الفرد ليكتب ويعبر عن ذاته وعلاقاته ومجتمع, بحيث يضع مدونة هو رئيس تحريرها ويتراسل مع المدونات الأخري, وهذا متغير وصياغة لرؤية مستقبلية للإنسان المصري مع السلطة. وهذا هو الدين, ويبحث فيه المصري عن السعادة بالأرض والرضا في السماء, مما يؤدي به وإلي تقديم العبادات والطاعات فضلا عن حجاب المصرية المتميز, وبه كل الألوان الزاهية. وهناك الاعلام, ويصفه الدكتور عبد المنعم سعيد, بأنه البوق التكنولوجي الكبير الذي يخلق من الأحداث شيئا محسوسا وملموسا ونستقبله ونستوعبه وحتي مباريات الكرة المصرية وطريقة نقلها تختلف تماما بطريقتها المصرية. والمال: متغير جوهري من يعيش ب10 آلاف دولار شهريا إذ يختلف عمن يعيش بألفي دولار, وبالرغم من اختلاف النظم في اكتساب المال من العمل بين الاشتراكية والرأسمالية, والجدل الحادث الآن حول الخصخصة بمصر إلا أن الواقع هو أن القطاع العام يستوعب4 ملايين عامل يقابله القطاع الخاص مستوعبا7 ملايين عامل, وهذا أيضا تغير اقتصادي. المستشارة والقاضية تهاني الجبالي تطرح رؤية مختلفة تماما ركزت فيها علي( الوعي الجمعي المصري), وما يؤثر فيه من متغيرات( اقتصادية وثقافية,) مشيرة إلي أن ما يحدث عالميا ومحليا أصبح قائما علي نظرية الأواني المستطرقة وهنا يحدث الاشتباك بين مفاهيم الهوية, وهل هذا الخلط يؤدي لتعافيها أو ارتباكها في الانتماء مصريا أو عربيا أو للجماعة الدينية لتختبر في مباراة كرة أو قضية دينية, وهذا يتطلب إيجاد مداخل موحدة للوعي الجمعي. فيما يتصل بالهوية والمشروع القومي وهل التعليم الأساسي والمدخل ضمن المنظومة الأشمل للاعلام والثقافة والفنون القادرة علي صياغة عقل نقدي قادر علي التفكير ونشر حالة من الوعي يستند لرؤية علمية صادقة ودراسة التاريخ من خلال حركة الفئات الشعبية في علاقتها مع الجغرافيا والدور القومي المصري. وتري أن النخبة الثقافية للمجتمع لاتزال في حالة اشتباك مما شوش الوعي الجمعي وساهم في تزييف الذاكرة التاريخية ويكفي مثالا لذلك التقييم الموضوعي لحجم التحولات التي حدثت بعد ثورة يوليو. وترصد المستشارة تهاني الجبالي أن الثورة المعلوماتية ليست فقط تكنولوجيا ولكنها أيضا محتوي وأن هناك هويات تتشكل علي حساب الخصوصية الحضارية والثقافية وتشكل انسحاقا لبعض الثقافات والهويات مما يستدعي أهمية يقظة الوعي الجمعي المصري وابداعاته والمشاركة في هذا الواقع الجديد وتركز علي أن مفهوم الأمن القومي صار يشمل مفاهيم الأمن العالمي مثل قضايا حقوق الإنسان مما يتطلب سياسة ثقافية جديدة. وتؤكد أن الشخصية المصرية مخزون استراتيجي يرتبط بتوافر العدل وهو قادر علي تحقيق المعجزات عنف الفقراء والأغنياء د. نجوي خليل, مديرة المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية ترصد أن معظم الأبحاث أظهرت أن هناك عنفا شديدا يظهر في جرائم فجة, وأنه ليس بين الفقراء بسبب ظروف اقتصادية فقط ولكنه بين الأغنياء أيضا ويرجع إلي أنانية لدي أحد الأبوين وبرغبته في ما هو أكثر من المقدم فقد تكون الزوجة ممتازة والأبناء ناجحين وينسحب أحد الوالدين لمتعة عابرة مما يحدث خللا أسريا يؤدي للألم المتراكم لدي أفراد الأسرة ويظهر في جرائم مفزعة. استيعاب الجميع د. إبراهيم بدران يقول: انه ليس قلقا علي المتغيرات والشخصية المصرية التي استوعبت22 جنسا أجنبيا غزاها واستمدت منه قوة.. لا ضعفا, مشيرا إلي أن الضعف الحقيقي الذي نواجهه الآن هو هجمة وسائل الاعلام بما فيها وسائلنا الخاصة علي خصائص هذا الشعب بإبراز السييء ونسيان الحلو, وبإظهار الجريمة وطمس الإنجازات الإنسانية اليومية عبر أطباء وعمال وعلماء ومهندسين مطالبا وسائل الاعلام بإيضاح ذلك. الدكتور مصطفي علوي قال إن النخبة هي بالمعايير الجديدة في صالح الشباب لأنهم الأقدر علي استخدام تكنوجيا المعلومات, وأنه يجب الاهتمام بشريحة الشباب في زرع الخصائص الإيجابية لا السلبية مثل قيمة العمل الجماعي مقابل الفردية التي تتمتع بها الشخصية المصرية. د. نادية حليم خبيرة التخطيط قالت إن التغيرات أفرزت سمات مستجدة علي الشخصية المصرية وبعضها سلبي مثل تدهور قيمة العمل والفهلوة والانغلاق الفكري والانكفاء علي الذات, وعدم الرغبة في التغيير لحمايته مما يخافه من التطور. د. سهير لطفي قالت إن تميز الشخصية المصرية هو نوع من الاعتزاز ونحن ذو حضارة7 آلاف سنة ولنا الحق في أن نعلن وأنا مصرية وإن طلبنا في البحوث أن نعتز بمصريتنا ونظهر مميزاتها. د. عزة كريم تركز علي أن هناك فجوات اجتماعية واسعة بين الشخصيات فهناك الطبقة الشديدة الرقي والترف وهناك العشوائيات. وكان مؤتمر الشخصية المصرية في عالم متغير انعقد لمدة3 أيام برئاسة د. نجوي خليل رئيس المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية, وناقش خمسة محاور تضمنت الأبعاد النظرية والمنهجية, والقانونية, والسياسية, والاجتماعية, والثقافية, والنفسية, للشخصية المصرية, والخامس تناول موقفها بين الأنماط الجامدة والمتغيرة. ومن خلال25 بحثا أشار بعضها لانتشار بعض القيم السلبية كالفهلوة, والكذب والسلبية والتحايل إلا أن الأكثر كان تأكيدا علي القيم الايجابية كالصبر والاحتمال والابتكار.