رئيس «القومي للمرأة» تشارك في المنتدى العربي من أجل المساواة بالجزائر    باول: الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي غير مستعد بعد لتخفيض أسعار الفائدة    أقل من الأسواق ب20%.. إطلاق منافذ متنقلة لطرح البيض البلدي والأسماك للمواطنين بأسعار مخفضة    فعاليات اليوم التعريفي بمنح (Horizon Europe & PRIMA Call) بجامعة عين شمس    بني سويف تستقبل وفدًا يمنيًا ودوليًا لتبادل الخبرات في الإدارة المحلية    نائب وزير السياحة تشارك في اجتماعات تغيّر المناخ بمدينة بون الألمانية    إيران.. اعتقال مواطن أوروبي بتهمة التجسس لإسرائيل    الهروب إلى النوافير.. درجات الحرارة تقارب ال 100 درجة بواشنطن الأمريكية    شركة طيران العال الإسرائيلية تنظم جسرا جويا لإعادة آلاف الإسرائيليين بعد وقف إطلاق النار مع إيران    ميرتس مطالبا بتشديد العقوبات على روسيا: بوتين لا يفهم سوى لغة القوة    ماسكيرانو: إنتر ميامي يشبه سندريلا في المونديال    لتسهيل رحيله.. ريال مدريد يخفض سعر رودريجو    تغيير موعد المؤتمر الصحفي للإعلان عن مدرب منتخب اليد الإسباني باسكوال    السيطرة على حريق مزرعة مواشي في منطقة العياط    السجن من 7 ل 15 سنة للمتهمين بقتل 3 أشخاص بسبب لهو الأطفال في قنا    محمد ثروت ضيف معتز التوني في سادس حلقات برنامج فضفضت اوى.. غداً    مدحت العدل ردا على راغب علامة بشأن أوبريت الحلم العربى: موقفى عروبى واضح    «مصر.. متحف مفتوح».. فعالية جديدة لصالون نفرتيتي الثقافي بقصر الأمير طاز (تفاصيل)    الأزهر يعرب عن تضامنه مع قطر ويطالب بضرورة احترام سيادة الدول    الأرصاد: غدا الأربعاء طقس حار نهارا معتدل ليلا.. والعظمى بالقاهرة 35    وزير التعليم العالي يعقد اجتماعًا مع رؤساء الجامعات الحكومية المنبثقة منها جامعات أهلية    دمشق تودّع شهداء كنيسة مار إلياس.. صلاة رحيلهم وزيارات للمصابين    مصر للطيران تستأنف رحلاتها المنتظمة إلى مدن الخليج العربي.. وتفعل خطة تشغيل استثنائية لضمان انسيابية الحركة الجوية    افتتاح ندوة "نشر وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان" بمكتبة الإسكندرية    متحدث الصحة: مصر تمتلك أقوي برامج التطعيمات عالميا    طب قصر العيني تستقبل وفد سفارة غينيا في إطار دعم برنامج "Kasr Al Ainy French – KAF"    طب قصر العيني تستقبل وفد سفارة غينيا لدعم برنامج التعليم باللغة الفرنسية    الأهلي يقترب من إعلان صفقة جديدة.. الغندور يكشف التفاصيل    شيرين رضا تنشر فيديو من أحدث ظهور لها.. والجمهور: "كليوباترا"    حريق هائل في مخزن مواسير بلاستيك بسوهاج    هل القرض حلال أم حرام؟.. أمين الفتوى يجيب    الأمن الاقتصادي: ضبط 1257 قضية ظواهر سلبية.. و1474 سرقة تيار كهربائي    المفوضية الأوروبية ترحب بالإعلان عن وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل    لترشيد استهلاك الكهرباء.. تحرير 153 مخالفة عدم التزام بقرار الغلق للمحلات    في ذكرى رحيلة.. يوسف داود حضور لا يغيب    وزير التعليم العالي يعقد اجتماعًا مع رؤساء الجامعات الأهلية الحكومية الجديدة (التفاصيل)    تنسيق القبول بالصف الأول الثانوي محافظة الغربية للعام الدراسي الجديد    وزير الإسكان يتابع موقف منظومة الصرف الصحي بمدن شرق القاهرة    محافظ المنوفية يفتتح مركز الثقافة الإسلامية التابع للأوقاف    فرقة بورسعيد تعرض «اليد السوداء» على مسرح السامر بالعجوزة    «مش النهاية وبداية عهد جديد».. الشناوي يوجه رسالة اعتذار لجماهير الأهلي عقب توديع المونديال    انتهاء اختبار مادة اللغة الأجنبية الثانية لطلاب الثانوية العامة النظام القديم    ضبط 10 آلاف قطعة لوليتا فاسدة ومخازن مخالفة في حملة رقابية ببني سويف    سحب 906 رخص لعدم تركيب الملصق الإلكتروني خلال 24 ساعة    قبل الإعلان الرسمي.. كيركيز يجتاز الكشف الطبي في ليفربول    رئيس "المستشفيات التعليمية" يقود حملة تفتيش ب"أحمد ماهر" و"الجمهورية" لرفع كفاءة الخدمة    قافلة طبية للكشف على نزلاء مستشفى الصحة النفسية في الخانكة    بالفيديو.. أستاذ علوم سياسية يكشف أسباب عدم التدخل الروسي في الحرب الإيرانية الإسرائيلية    منتخب مصر لكرة اليد يواجه ألمانيا في بطولة العالم للشباب 2025    بدأت ب«فولو» على إنستجرام.. سلمى أبو ضيف تكشف طريقة تعرفها على زوجها    تداول 10 آلاف طن بضائع و532 شاحنة بموانئ البحر الأحمر    تكرّيم 231 حافظًا لكتاب الله في احتفالية كبرى بالمراشدة بقنا    فانس: قضينا على البرنامج النووي الإيراني ونأمل ألا تعيد طهران تطويره    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 24-6-2025 في محافظة قنا    البحرين وبريطانيا تؤكدان ضرورة تكثيف الجهود الإقليمية والدولية لوقف التصعيد العسكري    موندو ديبورتيفو: رغم محاولات بايرن وعرضه الأعلى.. سر تفاؤل برشلونة بضم نيكو ويليامز    ثقف نفسك | هل تعرف هذه الأسرار العشر عن إيران؟.. حقائق ستفاجئك    غدا ميلاد هلال شهر المحرم والخميس بداية العام الهجري الجديد 1447 فلكيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عزيزي «الحداثي»: لماذا تكره «الإسلامي»؟
نشر في المصري اليوم يوم 30 - 04 - 2012

ابتعد قليلاً عن التفاصيل وانظر إلى الصورة في شمولها، ستجد «الإسلامي» مزروعاً في كل أوجه حياتنا، الطيب منها والخبيث. في أزمة الحكم على عادل إمام أو معضلة تأسيسية الدستور أو معركة الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية أو المواقع الإباحية أو حتى أزمة الأنابيب، هناك دائماً «إسلامي ما» يرفع القضية أو يحكم فيها، يشكل التأسيسية أو يحظى بالأغلبية في الانتخابات، يصوغ قانوناً لتهذيب مستخدمي الإنترنت أو يوزع الأنابيب.
هذا بالضبط ما يطلقون عليه «الهيمنة!».
في تاريخ مصر الحديثة- فلنقل منذ بدايات تبلور الطبقات الحديثة، من رأسماليين وعمال وطبقة وسطى في مطلع القرن العشرين- كان دائماً هناك إسلاميون، لكنهم لم يتمتعوا أبداً بالهيمنة الكاملة إلا منذ ربع قرن.
في العصر الليبرالي «السعيد»، الذي دشنته ثورة 1919، واستمر في رأي البعض حتى ثورة 1952، كان هناك الإخوان المسلمون والجمعية الشرعية للعاملين بالكتاب والسنة وجمعية أنصار السنة المحمدية، لكن حزب الوفد، الليبرالي بمعنى ما، كان ينازعهم الهيمنة الأيديولوجية والسياسية، بل يتفوق عليهم في كثير من أوجهها.
وفي عصر ثورة يوليو ظل الإسلاميون موجودين، لكن الناصرية بشعبويتها وجبروتها الأيديولوجي همشتهم حتى اختفوا إلا قليلاً.
وفي ظل السادات انبعث الإسلاميون، جهاديون ومعتدلون، من الرقاد وملأوا الساحة صخباً وضجيجاً، لكن اليسار الناصري والشيوعي مثل قوة منافسة لا يستهان بها نازعتهم الهيمنة وحققت مواقع متقدمة.
فقط في عصر مبارك تغيرت قواعد اللعبة، فعندما أصاب الهزال شرعية النظام، خاصة مع حرب الخليج الأولى في 1991، ظهر لنا جميعاً أن منافسه الوحيد هو الإسلاميون.
تقلص تأثير اليسار والليبراليين والقوميين، ولم يعودوا يمثلون تحدياً ذا شأن لشرعية النظام، وانتفخ الإسلاميون ليملأوا الفراغ السياسي الناشئ وحدهم تقريبا.
هكذا رأينا التعبئة السياسية والأيديولوجية ضد ما سُمي ب«حرب تحرير الكويت» تكتسب في أغلبها، ما عدا بعض الجامعات، طابعاً إسلامياً.
رأينا كذلك احتكار الإخوان المسلمين لجهود الإغاثة في كارثة زلزال 1992 المروع، وذلك بعد تحقيقهم الانتصار تلو الانتصار في النقابات المهنية والاتحادات الطلابية ونوادي هيئات التدريس.
على الجانب الآخر، كانت الجماعة الإسلامية، ومعها الجهاد الإسلامي، يزرعان القنابل ويخوضان المواجهات المسلحة من بحري إلى الصعيد في حرب تركت آلاف القتلى، وفرضت نفسها على الفضاء السياسي بوصفها الصراع الأساسي، بل الوحيد، على السلطة.
منذ ذلك الحين حتى يومنا هذا فرض الإسلاميون أنفسهم كبديل وحيد لنظام ليبرالي جديد سلطوي يزعزع حياة الكادحين، ويعيش على نهب أقواتهم وقمع أصواتهم بكل وحشية وعنف.
وكلما علا صراخ الليبراليين أو العلمانيين أو غيرهم من القوميين واليساريين، الذين أطلقوا على أنفسهم اسم «القوى الوطنية»، تضاءلت هيمنتهم على المجال السياسي، وضعفت قدراتهم على طرح أنفسهم كبديل ترى فيه الجماهير أملاً وسبيلاً للتحرر.
لماذا تكرهونهم؟
لن أشغل نفسي هنا بالبحث في أسباب هذا الانتصار المبهر للإسلاميين أو الهزيمة المروعة لما يُطلق عليه القوى المدنية، فهذا موضوع يحتاج في حد ذاته إلى مقال منفصل.
ولن أشغل نفسي كذلك بالتأكيد على حقيقة أن الإسلاميين ليسوا كلاً متجانسين، وأن هيمنتهم ليست في الحقيقة انتصاراً لبديل واحد وإنما هي بالأحرى «إطار جديد» للصراع بين بدائل جد مختلفة.
ما سيشغلني هنا مسألة أساسية، ألا وهي «نقد القوى الوطنية» إياها للإسلاميين والحركة الإسلامية؛ هذا النقد الأسطوري الحداثي، الذي نجح جزئياً على الأقل في خلق صورة ذهنية وهمية عن الإسلاميين ومشروعهم المفترض.
ينطلق هذا النقد، على اختلاف أصحابه بين ليبراليين ويساريين، من ذعر حداثي من الهيمنة الإسلامية على المجالين السياسي والثقافي «بمعنى الثقافة الشعبية».
الحداثة هي كلمة السر، وأنا أقصد بها هنا الرؤية الفكرية لمن يتبنون في الجوهر المشروع البرجوازي بكل أسسه وقيمه ومنطلقاته.
والحداثي باختزال شديد هو الشخص الذي يضع نصب عينيه مشروع التحديث الرأسمالي الغربي كهدف وغاية.
هو الشخص الذي يتبنى التقدم المادي كقيمة بغض النظر عن مضمونه الرأسمالي. هو الشخص الذي أصابه الكمد لأن مصر لم تعد أم الدنيا بينما مثلاً دبي ترفل في حداثتها، وذلك بغض النظر عن معاداة فكرة الريادة القومية لقيم المساواة الإنسانية وتحرر البشر.
الذهنية الحداثية لا إنسانية بامتياز. فبينما هي تتشدق بعبارات مثل حقوق الإنسان، وتحرر المرأة وحرية الرأي، تجدها تميل في كل المواقف والاختبارات إلى إقصاء الآخر، بسبب زيه أو شكله، وإلى قبول الاغتراب الذي تنتجه وتعيد إنتاجه الحضارة البرجوازية.
ما يغيظ الحداثيين إلى حد الانفجار هو أن الإسلاميين بعضهم على الأقل يمثلون تحدياً حقيقياً لقيمهم الأساسية. لفت انتباهي مثلاً الضجيج الهائل، الذي صنعه الحداثيون من كل صنف ونوع، عندما امتنع بعض السلفيين عن ترديد قَسَم عضوية مجلس الشعب في يومه الأول، وعندما ردد بعضهم قَسَماً آخر ابتدعوه على خلفية منظورهم العقيدي.
لم أفهم كل الكلام الذي قيل دفاعاً عن قسم تافه وضعه بشر عاديون ليعبر عن مصالحهم ومقدساتهم الفكرية.
كان يمكنني أن أفهم هؤلاء الحداثيين، بل أن اتبنى موقفهم لو أنهم قالوا إنهم مثلهم مثل السلفيين، يرون أن ترديد قَسَم وضعه نظام بائد بعد ثورة هو العبث بعينه، لكنهم، على خلاف السلفيين، يقترحون أن يكون القسم الجديد قائماً على الولاء للثورة وقيمها من عيش وحرية وكرامة إنسانية.
لكن ما حدث أنهم كحداثيين أكثر سلفية من السلفيين، ذعروا من التحدي الذي مثله السلفيون لقيم الدولة الحديثة، بينما كانت هذه الدولة الحديثة هي بالضبط الدولة التي ثار المصريون عليها مطالبين بدولة من نوع آخر تُسقط المشروع الحداثي وتتبنى بدلاً منه مشروعاً إنسانياً يضع الإنسان قبل الدولة والوطن والأرباح.
الحداثة والسياسة
ربما كان قدس الأقداس، الذي هزه بعض الإسلاميين فأثار ثائرة الحداثيين، هو المنظور غير الحداثي الذي يطرحه إسلاميون لمعنى كلمة سياسة.
فالحداثي مقتنع تمام الاقتناع بأن السياسة هي مجال مدنس ومنفصل تمام الانفصال عن باقي المجالات الروحية والإنسانية. هو يرى أن السياسة هي الصراع على الحكم الذي هو بالتعريف نشاط مبتذل يتضمن مساومات وتنازلات وأكاذيب وألاعيب. وهو كذلك يرى أن المجال السياسي ينبغي أن ينفصل بإحكام عن المجالات الأخرى، باعتباره حرفة من ضمن حرف أخرى لابد أن تحد بينها الحدود في إطار القيمة الحداثية العليا للتخصص وتقسيم العمل.
الطريف أن الحداثي يرى أن رؤيته تلك هي الحقيقة ولا حقيقة غيرها. غير أن قليلاً من التأمل يمكن أن يكشف لنا تهافت هذه الرؤية وافتقارها التام لأي أساس إنساني أو تحرري.
الإسلامي في المقابل ينطلق من منظور مختلف، ذلك أن كل القوى السياسية الإسلامية تشكلت أساساً كجماعات دعوية إصلاحية، ثم تطورت إلى أحزاب سياسية.
الرؤية التي يطرحها كثير من الإسلاميين لشرح هذا الوضع غير الحداثي هو أن الأصل في الأمور هو الرغبة في إصلاح حياة البشر وتخليصها من أمراض افتقاد المعنى والروح التي أصابتها، وأن هذا الإصلاح قد يأخذ شكلاً تربوياً صرفاً أو شكلاً خدمياً أو شكلاً سياسياً، على حسب الظرف والحاجة.
قليل من الإنصاف قد يدفعك إلى موافقتي بأن إعادة تعريف السياسة، بحيث تصبح فرعاً من فروع «إصلاح أحوال البشر»، يرفعها إلى مستوى أرقى بكثير من كونها «صراع على السلطة»، وقد يدفعك كذلك إلى موافقتي بأن النظر للسياسة كجزء من كل أفضل بكثير من النظر إليها كحرفة غايتها الوصول إلى الحكم.
في هذا السياق، يمكننا أيضاً نقد مفهوم «تدنيس السياسة»، الذي يتبناه الحداثيون. «فهل فعلاً من الضروري أن تكون غاية من يريد الوصول إلى الحكم هي مجرد شهوة السلطة؟»، «وهل فعلاً من الحتمي أن تكون وسائله شريرة أو غير أخلاقية؟»، «هل كان محمد بن عبد الله أو إرنستو تشي جيفارا أو نلسون مانديلا، مع حفظ المقامات واختلاف المشاريع، ساعون إلى سلطة أم مصلحون كبار يجاهدون من أجل تغيير المجتمع وإعادة تعريف السياسة؟».
إن ضيق أفق الحداثيين هو وحده الذي يبرر نظرتهم المحدودة للسياسة. فكما أن هناك سياسة جوهرها هو الصراع بين الظالمين والمنافقين على حصة من كعكة السلطة، هناك أيضاً سياسة مثلها الأعلى هو تحقيق العدل والحرية لكل المظلومين والمضطهدين. هذه السياسة الأخيرة لم تكن أداتها الوحيدة هي السعي للسلطة بالمعنى التقني للكلمة. فلأنها تنبع من منبع إنساني مختلف عن صورة السياسة الانتهازية في الدولة الحديثة، فهي تسلك سبلاً مختلفة للوصول إلى غايتها في تحرر الإنسان. ولا ينفرد الإسلاميون أو بعضهم، بهذا التوجه الكلي، بل إننا نجد أناساً مثل روبرت أوين، وهو اشتراكي عتيد، رأوا أن المدخل لتخليص الإنسانية من أدرانها ليس هو السعي التقني إلى السلطة، بل التربية وخلق النموذج البديل في المجالين الاجتماعي والثقافي.
في نقد الإسلاميين
أعلم أن هذا المقال سيجر علي نقداً صاخباً من أصدقائي الحداثيين وأنصاف الحداثيين، سواء كانوا يساريين أو ليبراليين، وفي الأغلب فإن سهام النقد ستوجه أساساً نحو ما سيرى البعض أنه «تأليها» من جانبي للإسلاميين، لكن الحقيقة أن مضمون رؤيتي، كما سيتضح حالاً، هو شيء آخر تماماً.
هدفي الأول هنا هو نقد «شيطنة» الإسلاميين وكذلك فضح تهافت المنظور الحداثي ورجعيته.
كوني أقول إن الإسلاميين يتحدون الحداثة في عقر دارها، وإن هذا التحدي مصيب في جوانب منه، لا يعني أبداً أني أؤيد الرؤية «أو الرؤى» الإسلامية لإصلاح حال البشر.
المشكلة في الرؤى الإسلامية أن نقدها للحداثة الرأسمالية إما جزئي أو محافظ أو رجعي كلية.
أصل الحركة الإسلامية المصرية الحديثة، التي نشأت أهم قواها عقب ثورة 1919، هو غضب الطبقات الوسطى الدنيا والبرجوازية الصغيرة من تناقضات التحديث الرأسمالي وإحباطها من الحلول المتهافتة التي قدمتها البرجوازية لهذه التناقضات.
الحلول التي قدمتها البرجوازية الصغيرة في صورتها الإسلامية لأزمة الحداثة تتراوح بين الإصلاح الروحي والأخلاقي والعزلة عن المجتمع والعداء له، وهي كلها كما نرى حلول تتسم بالجزئية والتهافت والرجعية أحياناً كثيرة. فلا الإصلاح الروحي ولا العزلة أو العداء يمكنهم أن يحطموا الأساس الذي بُني عليه الاغتراب الرأسمالي. فما كان أصله هو علاقات مادية من الاستغلال والاضطهاد لا يمكن دحره إلا بتحطيم تلك العلاقات المادية وإعادة بناء المجتمع على أسس من التعاون والوحدة الإنسانية.
لكن بالضبط بسبب الأزمات التي يعانيها مشروع التحرر الثوري القائم على تحطيم الرأسمالية، فإن الحلول البرجوازية الصغيرة ذات الصبغة الإسلامية تمددت وانتفخت إلى حد الهيمنة، حتى أصبحت ممتلكة للفضاء السياسي المعارض بأكمله، إلى حد أنها أعادت تشكيل المشاريع السياسية للطبقات الأخرى بحيث تصبح نقطة انطلاقها إما تبني أو نقد الشكل الإسلامي الطاغي. بتعبير آخر: «أصبح المتنافسون السياسيون والطبقيون يتصارعون تحت مظلة الهيمنة الإسلامية على الخطاب».
كسر الهيمنة الإسلامية لن يتأتى من خلال تبني الحداثة الرأسمالية بمدلولها الاستغلالي الاغترابي القائم على سيادة الشكل على المضمون والربح على الإنسان. كسر الهيمنة الإسلامية سيحدث فقط بتعميق نقد الحداثة الرأسمالية في اتجاه ثوري يضع الإنسان فوق الأرباح ويجعل تحرره هو قدس أقداس الفعل السياسي.
هذا النقد لن يكون أبداً فكرياً فقط، فقبل مائة وسبعين عاماً قال كارل ماركس: «سلاح النقد لا يمكنه أن يكون بديلاً للنقد باستخدام السلاح، فالقوة المادية لا يمكن دحرها إلا بالقوة المادية».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.