2- طيب، مبدئيا سأفوض أمرى إلى الله فيما يخص تكفيرى واتهامى بعبادة غير الله، وكالعادة سأشكو كل من كفرنى ويكفرنى إلى الله، وأدعوه أن يقتص لى منهم يوم القيامة، وسأكتفى بأن أتصدر فى الهايفة التى صارت واحدة من الهيافات الأكثر رواجا على مواقع الإنترنت، ربما لأن الكثيرين يتحرجون من مناقشتها، فيمنحونها مصداقية بسكوتهم عليها فى بلد لا يعتبر السكوت حكمة أو ترفعا، بل يظنه علامة الرضا، أعنى حكاية أن «المصرى اليوم» «جرنان ساويرس» نسبة إلى رجل الأعمال الشهير نجيب ساويرس، وهى بالمناسبة حكاية لم تصادفنى لأول مرة فى رسالة «هبة»، بل أصبحت «لزمة» أقرأها فى عشرات الرسائل، التى تأتينى كلما كتبت كلاما يثير حفيظة بعض المتطرفين دينيا، بالمناسبة لست أصدر هنا حكما قيميا عليهم بقدر ما أقوم بتوصيف حالة، فالشخص الذى يرفض أن يتحاور معك حول رأى كتبته، ويفضل أن يكفرك أو يتهمك ببيع ضميرك، تكون مهذبا عندما تكتفى بوصفه بأنه متطرف. شوف يا سيدى، عن نفسى ليس لدى أى موقف ضد العمل فى منشأة يمتلكها رجل أعمال مسيحى، سواء كان نجيب ساويرس أو غيره، فآخر ما يمكن أن يشغل بالك فى رجل الأعمال هو ديانته، مضطر أن أقول إنه لا تربطنى علاقة شخصية بالأستاذ نجيب ساويرس، قابلته فى حياتى ثلاث مرات على ما أتذكر، ولا أظنه يتذكر أيا من تلك المقابلات العامة، فرحت له كمواطن عندما انتصر فى معركته مع «فرانس تليكوم»، مع أننى حاولت أن أفهم كذا مرة كُنه الخلاف أصلا وفشلت بسبب ضعف معلوماتى الاقتصادية، أعلنت أكثر من مرة احترامى وتحيتى للدور الثقافى الرائع الذى يقوم به هو وأخوه سميح والذى أتمنى أن يقتدى به كل رجال الأعمال فى مصر، احترمت حركة المليون جنيه التى رصدها لمن يرشد عن لوحة زهرة الخشخاش واحترمته أكثر عندما قرأت شتائم المتطرفين له على مواقع الإنترنت، لأنه فعل ذلك، كنت أشعر بالحسرة عندما أقرأ عن استثمارات له خارج مصر وأسأل نفسى «مش كانت مصر أولى»، ثم وجدت تفسيرا سياسيا محزنا لذلك فى واحد من حواراته التليفزيونية، التى أحب الفرجة عليها بعكس حواراته الصحفية التى تستفزنى أحيانا خصوصا عندما يقرر أن يتحول فيها إلى مفكر سياسى، مرة كتبت فى هذه الصحيفة أنتقد حواراً صحفيا تحدث فيه عن فلسطين وصديقه محمد دحلان، ولم يعترض أحد على ما كتبته عنه، برغم قوة ما كتبت، بل نشروا له فى اليوم التالى ردا أسفل عمودى، ولم يقل لى أحد لا يومها ولا قبل ذلك ولا بعده إن هذه الصحيفة ملك لساويرس، لكن طالما أن الأمر أصبح منتشرا بين الناس لدرجة أن «هبة» صارت تعرفه، فلا يصح أبدا أن أكون آخر من يعلم. فور أن انتهيت من قراءة رسالة هبة اتصلت بالأستاذ مجدى الجلاد، رئيس التحرير، بوصفه الذى اتفق معى على الكتابة فى «المصرى اليوم»، «يا أستاذ مجدى هو (المصرى اليوم) جرنان نجيب ساويرس فعلا؟»، لم يقل لى الرجل جديدا لا أعرفه، يمتلك رجل الأعمال نجيب ساويرس نسبة عشرة فى المائة من أسهم «المصرى اليوم»، لأن القانون لا يعطى أحداً الحق فى تملك أكثر من عشرة فى المائة من الأسهم، وكشأن جميع المساهمين لم يحدث أن تدخل الرجل فى أى قرار تحريرى، بل كان كشأن باقى ملاك الصحيفة متسقا طيلة الوقت مع إيمانه بالليبرالية حتى لو سببت الكتابات التى تنشر فى الصحيفة حرجا سياسيا له ولباقى ملاك الصحيفة (هناك مساحات فارغة يمكن ملؤها بعد هذا الكلام، لكن ملأها ليس من حقى بل من حق ملاك الصحيفة أنفسهم وهم الأقدر والأجدر بالحديث عن أنفسهم). كل ما يعنينى ككاتب رأى يكتب بين الحين والآخر، أننى أكتب فى صحيفة واسعة الانتشار تمنحنى الحرية لكى أكتب ما أراه دون أن تقرفنى فى عيشتى، ودون أن تحرمنى من حقى فى الاختلاف مع أحد حتى لو كان مساهما فيها، ولن يخجلنى أبدا أن هناك رجل أعمال مسيحياً بين المساهمين فى هذه الصحيفة، بل بالعكس يشرفنى ذلك ويسعدنى، سأشعر فقط بالخجل بل وبالعار لو كان من بين المساهمين فيها رجل أعمال ثبت تورطه فى قضايا فساد أو نهب للمال العام، وإلى أن يكون فى مصر صحافة مستقلة عن كل السلطات، بما فيها سلطة رجال الأعمال وتمول نفسها من جيب القارئ وحده، سأظل سعيدا بالكتابة فى هذه الصحيفة، التى تمنحنى مساحة حرية «شاسعة» أكتب فيها ما يرضى ضميرى وما أظنه يرضى الله عنى، تاركا له وحده، جل فى علاه، حق الحكم على نواياى وضميرى ومحاسبتى على ذلك، يوم لا ينفع مال ولا بنون. أعتقد أننى أعطيت مساحة لا بأس بها للرد على هذه التفاهة التى صدقها مطلقوها عندما لم يجدوا من يرد عليها، وآن أن أنتقل إلى الرسالة الثانية التى جاءتنى من مواطن مسيحى اسمه ماجد قال فيها بالنص «يا حاج بلال.. البنات القبطية بيتم خطفها أو التغرير بها إنما المسلم أو المسلمة اللى بيتنصروا بييجوا بمزاجهم.. وده الفرق بين المسلم وغير المسلم عموما.. ثم النظام اللى بتوقع بيننا وبينه ده هو اللى حامينا منكم.. بالذمة يبقى فاضل إيه للصحفى لما يفرط فى شجاعته وضميره وكرامته؟». أخونا ماجد أيضا كأختنا «هبة» يرى أننى فرطت فى شجاعتى وضميرى وكرامتى، لكنه لم يقل هذه المرة لحساب من فعلت ذلك؟، ربما كانت لديه أسماء كثيرة لم يتسع لها مقام رسالته المختصرة، فبالتأكيد من وجهة نظره هناك رجال أعمال مسلمون كثيرون مهتمون بشراء ضمائر الكتاب. حقيقة لا أدرى كيف سيكون موقف ماجد عندما يقرأ رسالة هبة شريكته على الجانب الآخر من التطرف، لدى إحساس بأن ذلك لن يفرق معه ببصلة، فهو يتصور أن من يطالبه كمواطن بأن يتحرك لإنقاذ بلده من الضياع على يد نظام الحزب الوطنى، هو شخص شرير يرغب فى الإيقاع بين النظام و«بيننا»، على حد تعبيره، الذى لا أظنك تحتاج مجهودا لفهم من يقصده بنون الجماعة، ولا تحتاج مجهودا أيضا لفهم لماذا يعتقد ماجد أن ذلك النظام الذى ينقل مصر كل لحظة من سيئ إلى أسوأ هو «اللى حامينا منكم»، و«منكم» هذه، ولا تتعجب، تشملنى أنا جنبا إلى جنب هبة، بالمناسبة إذا كنت تعتقد أيضا أن رأى ماجد هو رأى فردى فأرجوك أن تدخل إلى شبكة الإنترنت مستعينا بجوجل لتكتشف أن ذلك غير صحيح، وأنه رأى منتشر بضراوة محزنة، وإلا لما سمعنا تلك الهتافات القميئة التى يرددها الشباب المسيحيون أمام الكاتدرائية، والتى لم تجد عاقلا فى أوساط المسيحيين يتصدر لوقفها، فضلا عن مباركتها وتشجيعها. بذمتك ودينك، أيا كان دينك وبشرط ألا تكون ذمتك واسعة، هل كانت هبة وماجد سيكتبان ما كتباه لو كان فى مصر حكومة تكفل حق المواطنة وحرية الاعتقاد لكل المواطنين؟، لو كان فى مصر حكم ديمقراطى يفرض سيادة القانون على الكل؟، لو كان فى مصر دولة تستمد هيبتها من حكم القانون وسيادة العدالة وليس من عربات الأمن المركزى المصفحة؟، لو كان فى مصر مشروع قومى يدرك أهمية التعليم والثقافة فى السيطرة على الهوس الدينى، الذى يقتل انتماء الإنسان لوطنه ويدفعه لأن يهرب من واقعه المتردى إلى معارك، يظن أنها ستوصله إلى الجنة؟، لو كان فى مصر عقلاء يدركون خطورة أن تتجاوز الكنيسة كل الحدود فتعطى لأمثال هبة مصداقية؟، ويسعون لوقف انتشار الهوس الدينى الذى يجعل ماجد يتصور أن خلاصه الوحيد فى دعم نظام فاسد مستبد؟، لو كان فى مصر مواطنون مخلصون مسيحيون ومسلمون ينظرون إلى لبنان والعراق وباكستان والسودان فيرتعبون على مصير وطنهم ويعملون بقوة وإخلاص من أجل ألا يأتى اليوم، الذى لا يبقى لنا سوى أن نقولها، باكين بدل الدموع دما، لأنه فعلا خلاص وللأسف «مافيش فايدة». [email protected]