لن تذكر اسمه. لذا، ستنعيه الصحف، ومواليد الثمانينيات على تويتر هكذا: مات زينهم السماحي. سيبحثون عنه فى ويكبيديا، سيحاولون اكتشاف نصف معلومة على جوجل: فيكتشفون أن المحتوى الافتراضي الذي يسع كل شيء بدءا من طريقة تحضير البطاطس إلى صناعة قنبلة لتفجير مدينة لا يحتوي إلا على جمل قليلة عنه: اسمه السيد حلمي عبدالكريم، مولود بالإسكندرية، عمل أستاذا بكلية الزراعة، جامعه القاهرة، كما حصل على دراسات فى الإخراج والسيناريو، لمع اسمه في التليفزيون من خلال مسلسلات «ليالي الحلمية» «جمهورية زفتى»، «زيزنيا»، «التوأم»، كما حصل على بكالوريوس المعهد العالي للسينما عام 1974، كان فى أحسن حالاته فى دوره فيلم «المهاجر». سنكتشف فجأة، أنه منحوت فى الذاكرة، لا كممثل لكن كفرد من العائلة. البلطجي، صاحب القهوة في ليالي الحلمية: الذي يكتشف فى استشهاد أخيه أن مصر وطنًا يصلح للقتال من أجله، لا القتال على لقمة عيش عابرة فى هوائه. لن يكسره شيء، كل الكوارث فى حياته ستتحول إلى طاقة تجعله أكثر قوة: سجنه على يد سليم البدري، استغفال العمدة سليمان غانم له، استشهاد أخيه، سماسم العالم التى لم تتغير أخلاقها..لن يكسره شيء، إلا الوطن ..انكسار الوطن وحده هو الشيء الوحيد القادر على أن يزلزل الجبل، القوة، البطش: انكسار الحلم فى هزيمة يونيو 67، ليتحول من سلطان إلى مجذوب، ينطق بالحكمة ويخلطها مع الهراء والمشاهد القديمة كى لا يدرك قيمة ما يقوله إلا من هو أهل لذلك. حتى الموت لن يأتيه إلا باختياره، عندما يجبر نصر 73 كرامته الجريحة، لحظتها فقط سيموت، لن تذكر اسمه. لأن التمثيل فى مصر: لم يصعد أبدا بممثليه العظماء إلى الصف الأول. فريق التمثيل الحقيقي فى مصر: محمود المليجي، توفيق الدقن، عبد المنعم إبراهيم، سناء جميل، ومن بعدهم أجيال وأجيال..ستستهلكها الأدوار الرخيصة، ومسلسلات التليفزيون: لن يحظوا بفرص كثيرة ليكشفوا سرهم الدفين: إنه ببساطة يملكون الموهبة، التي لا يملكها النجم. السيد حلمي عبد الكريم واحد من هؤلاء، لا أحد يعي سره. لكن شاشة التليفزيون الصغيرة: تملك الكثير من الأفكار سابقة التعليب، كعلب التونة، سهلة الاستعمال، قابلة للفتح بسهولة، وقابلة للنسيان بسرعة أكبر. السيد حلمي عبد الكريم: سيدركه يوسف شاهين في فيلم المهاجر، ليحوله من بلطجي إلى حكيم: يملك المعرفة وسر التحنيط والزراعة، لنكتشف معه أنه هذا الوجه المنحوت كتمثال قديم، مصري حتى النخاع، لن يبدو غريبًا أو متطفلاً على عالم يوسف شاهين: ستعود الحيوية إلى أداؤه، طريقة حركته، نطقه للحروف. ستسأل وقتها: لم ضيعنا سيد حلمي عبد الكريم فى متاهة التليفزيون، لم لم نمنحه نصًا أكثر قابلية للخلود والتألق. ربما يظل زينهم السماحي، ودوره في الراية البيضا استثنائين يؤكدان القاعدة. فحالة أسامة أنور عكاشة..كانت استثناءً..ربما لأنه كان يملك مشروعًا واضحًا محددًا، جعله أيضًا يميل إلى تثبيت ممثليه، الذين كان من بينهم ذلك الجيل الموهوب والضائع، الذي لم يجد مناخًا لتفريغ موهبته إلا فى مونولوجات عكاشة الشكسبيرية: من هؤلاء سيد عزمي، فتوح أحمد، محمد متولي، إنعام سالوسة...وآخرين. رحل زينهم السماحي، دون تكريم ملائم لموهبته، وسيرحل آخرين كذلك، سيمضون بيننا طويلاً دون أن نشعر بأنهم كانوا منحوتين فى الذاكرة بتلك القوة، ليصدمنا الموت، إنهم بلا محتوى كبير على جوجل سوى أنه رحل عن دنيانا، بينما يذكر أحدهم معلومة هنا أو هناك عن أنه كان أحد الناشطين البارزين في حزب التجمع. الموت، لا يكرم من رحلوا، لكنه يفضح من بقوا.