لا تجزع يا برادعى، فلن ترضى عنك السلطة حتى تتبع طريقها، ولن تكف عنك أقلام المرتزقة والمنافقين والخدم حتى تخلع نعليك وتسجد للمستبدين والفاسدين، واعلم أنهم سيهاجمونك ظنا منهم أن نصالك ستنكسر، وإرادتك ستخور، ولسانك سيخرس، فإن سقط جناحاك سيجرون إليك بما لديهم من منافع ومناصب، ويلهثون وراءك تسبقهم ذرائعهم الواهية وحججهم الباطلة، فإن ضعفت وصعرت لهم خدك، سيضمونك إلى طابورهم الذى تدب أقدامه الثقيلة فوق ظهورنا، وبعدها سيلقون بك من أقرب نافذة، مذموما مدحورا، ولن يكون أمامك إلا أن تبتلع لسانك إلى الأبد، وتعيش معزولا تروض أحزانك. عليك يا برادعى أن تعرف أن مجرد إعلان نيتك بخوض انتخابات الرئاسة قد ساق إلى بلادنا ريح تغيير جديدة، وكلامك عن تهيئة مناخ مناسب لمنافسة عادلة متكافئة على المنصب الرفيع، ألقى حجرا ضخما فى مياهنا الراكدة، وطلبك بتكوين «لجنة تأسيسية» لوضع دستور جديد أثبت لنا جديتك، وألقى قسطا كبيرا من التبعة على كواهلنا، وعلينا ألا نخذلك أبدا، لأن ما تقوله الآن قاله قبلك رجال مخلصون، لكن أذرعهم لم تكن تطاول ذراعيك، وصوتهم كانت تصده حوائط القاعات الباردة، ومياه البحار المالحة، وبعض خوف من بطش الدولة البوليسية. عليك يا برادعى أن تعرف أنك قد أصبحت حديث المصريين فى قاعات الدراسة، وفى المصانع والحقول، وفى النوادى والمقاهى، وبين المكاتب التى تئن تحت ملفات وأوراق وأضابير، وحول مواقد الشتاء التى تزهر باللهب، كلنا ننتظر إيماءة، همسة، كلمة منك، لنقول للذين ضيقوا الخناق على الرجال حتى ظنوا أنهم قد ماتوا أو قعدوا بلا حراك هاهو رجل كبير منا ينادى من وراء البحار: قم يا مصرى، فتستقيم ظهورنا، وتشرئب أعناقنا، وترتفع هاماتنا، ونقول لك جميعا: نحن فى انتظارك بيننا، على ضفاف النيل العظيم، لنبدأ من جديد. لا يخيفك يا برادعى ما يتهته به الجالسون يتثاءبون منذ عقود على رؤوس أحزاب المعارضة، فهؤلاء صنيعة السلطة، وبينهم وبينها ميثاق غليظ من التواطؤ، ويتقاسمون مع رجالها المنافع والعطايا، ويدركون أن مصيرهم مرتبط بها، فإن رحلت سيرحلون معها، غير مأسوف عليهم. لكن عليك أن تدرك أن قواعد هذه الأحزاب معك، لأنها لا ترجو فى أغلب قيادتها خيرا، ولا تعول عليها أبدا فى فعل أى شيء، وتعى جيدا الحبل السرى المتين بينها وبين أجهزة الأمن. واعلم أيضا أن الناشطين فى المجتمع المدنى ومجال حقوق الإنسان والمنخرطين فى الحركات الاجتماعية الجديدة متحمسون لك، ليس لشخصك، فقد آن الأوان أن نكفر بعبادة الأشخاص، لكن لقولك الموزون، وخطابك الحر، ودفقة النور التى أطلقتها من مكانك حين جهرت بمطلبك العادل فغمرت كل ربوع الوطن، الذى أدخلوه إلى نفق مظلم. هذا ما عليك يا برادعى أما ما علينا فكثير. فمن العبث أن نتركك وحدك تواجه سلطة غرست أوتادها فى تربتنا بحد القهر والتخويف، فلا أنت أبو ذر الغفارى ولا نحن أمة من الأغنام، فالشعب الذى تمكن من أن ينظم أكثر من ألفين وأربعمائة احتجاج مدنى على مدار السنوات الخمس الأخيرة ليس عاجزا أن يهب لنجدة فكرة ترتقى بأحواله السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أو الالتفاف حول رمز لا يريد إلا رفعة وطنه. لهذا فإن الذين يتحمسون لك يا برادعى ولمشروعك السياسى الطموح لا يجب أن يكتفوا بتأييدك بالكلام الأجوف، والصياح الذى يطير فى الهواء وتذروه الريح، بل يجب أن يتحركوا على الأرض، ويحرثوها أمام هذا المشروع الذى طال انتظاره، فتنبت له جذور عفية، ويستوى على سوقه، ولا يصبح مجرد حلقة أخرى فى مسلسل الأحلام المجهضة والمؤجلة. لقد جربت القوى الوطنية على مدار العقد الأخير وسائل عدة، ودخلت فى محاولات كثيرة من أجل تحصيل الإصلاح السياسى، لكنها أخفقت فى أن تحدث أى اختراق كبير فى جدار الاستبداد الأصم، لأسباب ليست خافية على أحد. وأتصور أن ما أقدم عليه البرادعى يصنع فرصة جديدة، ربما هى الأقوى فى سلسلة الفرص الضائعة، لأنها تقوم، هذه المرة، على أكتاف شخصية مصرية ودولية بارزة، ملء السمع والبصر فى الخارج، وتعرفه النخبة فى الداخل، وهاهو الإعلام الرسمى يكمل الجميل فيطلق رجاله الذين يكرههم الناس يقدحون فى البرادعى فيفتحون لمحبته طريقا عريضا فى قلوب المصريين جميعا، ويزيدون من شعور المصريين بأن الرجل مهم وذو قيمة كبيرة، وبوسعه أن يهز أركان الجمود الذى نعيشه، ويقطع الطريق على مشروع توريث الحكم وإلا ما كان قد تعرض لكل هذا الهجوم اللاذع. لهذا بات فرض عين على الحركة السياسية المصرية المعارضة بمختلف ألوان طيفها أن تجمع أشتاتها، وتلملم نثارها، تحت راية «جبهة وطنية موحدة» تضم كل من لديه رغبة وعزم على العمل من بين رجال الحركات الاجتماعية، وكوادر الأحزاب السياسية ابتداء من الصف الثانى حتى القواعد العريضة، وأعضاء البرلمان المستقلين والمعارضين، ونشطاء الجمعيات المدنية والأهلية والحقوقية، والقيادات النقابية النازعة إلى ممارسة أدوار سياسية جلية، والكتاب والمثقفين الرافضين لما يجرى أو الراغبين فى إنقاذ مصر مما آلت إليه بفعل السياسات العرجاء والخرقاء. وليشرع هؤلاء جميعا فى جمع توقيعات ملايين المصريين، بكل الوسائل المتاحة، للضغط على السلطة من أجل وضع دستور جديد يليق بمصر. وليلتف هؤلاء جميعا حول مطالب البرادعى العادلة، فإن تلكأت السلطة أو تهربت فلنشرع فى نضال سلمى مدنى أكثر تنظيما وأقوى أثرا، ونقل بملء أفواههم.. إلى الأمام يا برادعى.