تعانى مصر من تغييب شعبها عن صنع قراره، وإدارة شئون بلاده فترة طويلة من الزمن، مما أدى إلى عدم مبالاة الغالبيه العظمى من الناس بالشأن العام، والأمور السياسية واعتقادهم أنهم لن يستطيعوا تغيير الأوضاع واستبدال الأشخاص القائمين على أمور البلاد، حتى وإن كانوا مقصرين وفاسدين ويستغلون عوائد البلاد لاستقرار الحكم لهم، وعملت الأنظمة المتعاقبة منذ بداية الثورة وحتى الأن على ترسيخ هذا فى أذهان المواطنين، حتى أن الثمن الذى يدفعه النظام السلطوى القائم للأحتفاظ بالسلطة هو ثمن بخس لعدم وجود رأى عام حقيقى واعى ومدرك لحقوقه ووضع البلاد وما يحدث فيها من تدهور لا يتناسب مع ما تمتلكه من مقدرات. وبسبب غياب الوعي السياسي لدى معظم المصريين بكل طوائفهم ومستوياتهم، نشأ ما يعرف بالغالبية الصامته، التى لاتشارك ولا تتابع ولا تهتم بما يحدث فى عموم البلاد، من تقهقر حضاري ومشكلات يومية ومزمنة، وانكفأ كل فرد من الشعب على توفير احتياجاته وأسرته والاهتمام بشأنهم فقط، دون وعى منه أن المشاركة السياسية هى أيضا تصب فى صالحه الشخصى وصالح أسرته. فالفرد والأسرة هم وحدة بناء المجتمع والنهوض به، وتحسين أحواله ينعكس بالإيجاب مباشرة على الفرد والأسرة. هناك عوامل أخرى أدت إلى عزوف المواطنين عن الاهتمام بالأمور السياسية، وهى الملاحقات الأمنية أو العقاب والاستبعاد الوظيفي، وهناك علاقة طردية هنا وهى أنه كلما زاد بعد الناس عن المشاركة والمطالبة بالحقوق كلما زاد تغول السلطة وامتلاكها لأدوات أكثر وأقوى للتضيق ومحاصرة القلة المطالبة بالحقوق، والتى تسعى للتغيير والنهوض بمصر من كبوتها العميقة. والمنادون بالتغيير لا يتعدوا بضع مئات من الآلاف ويعتبروا عددا ضعيفا مقارنة بعدد سكان مصر، ولكن ليس معنى هذا أن الملايين الباقيه لاتريد التغييرن وفكل الشعب المصرى تقريبا غير راضى عن الحالة التى وصلت إليها أوضاع البلاد فالحكم السلطوى أدى إلي إنتشار الفساد فى كل القطاعات، وتأخرت مصر كثيرا عن ركب الأمم، ولم يعد الشعب المصرى قادرا على تلبية احتياجاته اليومية، فدائما ما تظهر مشكلات يومية مثل القمح والبنزين والغاز والكهرباء ومياه الشرب، ناهيك عن المشكلات المزمنة مثل التعليم والبطالة والصحة والعشوائيات وتراجع دور مصر الخارجي وإهانة كرامة المصريين فى كل دول العالم خاصة الدول العربية، وذلك لعدم وجود نظام حكم حقيقى يرعى مصالح الشعب المصرى ويؤمن ببديهيات إدارة الدولة. ولكن القلة المنادية بالتغيير ممكن تصنع الفارق ولكن تنقصهم بعض الأدوات التى من الممكن أن يصنعوها بأنفسهم، فرغم نشاطهم وحيويتهم ووعيهم السياسي ما زال غالبيتهم لا يدرك الحجم الحقيقى لمعركة التغيير، والمعوقات التى في الطريق، فالنظام مسيطر فعليا على كل مقدرات البلاد ويستغلها فى استقرار سلطانه. و ما أطرحه هنا هو كيف نجعل قانون الديناميكا الحراريه يسرى على حالة الحراك السياسى فى مصر، وهو أن تسرى الحرارة والحماس من الفئة القليلة المنادية بالتغيير إلى الملايين الباقية من الشعب المصري، و ذلك عن طريق زيادة الحرارة و الحماس للتغيير داخل كتلة التغيير نفسها. ثم يتم إعادة الانتشار لهؤلاء الرواد و يصبحوا نقاط مضيئة، ولفعل ذلك يجب ابتكار أساليب جديده لدعوة الناس للتغيير عن طريق الاختلاط بالناس و طرح قضية التغيير على مائدة الحوار الشعبى و ما تحمله من مزايا و فوائد لكل المواطنين. فالنشاط الإنترنتى غير كافي، ويجب النزول للشارع والتواصل مع كل طبقات الشعب المصري، حتى يصبح مستوى سطح التلامس أكبر ونقاط الاتصال أكثر، ولكن يجب وضع خطة منهجية قبل التحرك و يجب أن يعد كل ناشط نفسه ليكون منظرا للتغيير بين العامة والغالبية الصامتة. عدم الاصطدام المباشر مع أجهزة الامن ونظام الحكم يتطلب أن يكون التحرك هادئا ومدروسا من كل الجوانب، فمباغتة النظام ليست بالسهلة ولكن يجب أن يكون بدء التحرك مثل نقلة الشطرنج الهادئه التى تسبق النقلة الحاسمة والتى دائما لا يأبه لها الخصم مع أنها أهم نقله فى الدور. البنداقى المصرى 22 أغسطس 2010 [email protected]